الدفتر الأول

18- (78-74) التجارب والشكوك والشعور بالعجز يسيطر على القديسة فوستينا

اعتراف احدى الطالبات 

74- شعرت يوماً باندفاع أن أسعى ليُعيَّن عيد للرحمة ولتُرسَم صورة يسوع الرحوم، لكن لم أكن مطمئنة. لقد سيطر شيء ما على كل كياني، غير أنني خفت أن أكون متوهّمة. وكانت تأتي الشكوك دائماً من الخارج لأنني كنت أشعر في أعماق نفسي أن الرب انتشر في كياني. قال لي الكاهن الذي اعترفت عنده إنّه غالباً ما تسيطر علينا الأوهام. وشعرت وكأنه يخشى سماع اعترافي، مما تسبّب لي بألم. ولمّا لم ألقى المساعدة من البشر، توجّهت نحو يسوع وهو أفضل المعلّمين. ذات مرّة وقد خالجتني الشكوك حول ما إذا كان الصوت الذي أسمعه هو من الرب أم لا، بدأتُ أعترف إلى يسوع في داخلي دون ان أفوه بكلمة. وفجأة سيطرت عليّ قوّة داخلية وقالت لي: «إذا كنتَ أنتَ أيها الرب تشاركني أفكاري وتتحدّث إليّ، أدفع بهذه الطالبة، إلى الاعتراف في هذا اليوم، تلك الفتاة هي علامة تطمئنني». في ذات الوقت طلبت تلك الفتاة أن تعترف.

تعجّبت الأم المسؤولة عن الصف من هذا التبديل المفاجئ عندها. غير أنها سارعت الى إستدعاء كاهن فاعترفت عنده الفتاة بفائق الندم. وسمعت في الوقت نفسه صوتاً في داخلي يقول: «هل تؤمنين الآن؟» سيطرت مجدّداً قوّة، على نفسي فشجعتني وطمأنتني إلى حدّ تعجّبت كيف أنني سمحت لنفسي أن أشك ولو إلى حين.

75- لكن ما انفكت هذه الشكوك تأتي من الخارج, مما جعلني ازداد انغلاقاً على ذاتي. ولمّا شعرتُ، أثناء اعترافي، بتردّد الكاهن، لم أكشف له عن اعماق نفسي، بل اكتفيت بالاعتراف بخطاياي. إن لم يكن الكاهن بسلام مع ذاته فلا يمكنه أن يوحي السلام الى غير نفس.

يا أيها الكهنة إنكم تضيئون شموعاً منارة للنفوس البشرية، لا تدعوا ضوءكم يخفت. فهمت آنذاك أنها لم تكن ارادة الله ان أكشف نفسي تماماً. لقد اعطاني فيما بعد هذه النعمة.

76- يا يسوع، وجّه عقلي وتملَكني بكل كياني، أحبسني في أعماق قلبك واحمني من هجمات العدو. إن رجائي الوحيد هو فيك، تكلّم في فمي، انا الحقارة بالذات، لمّا أجد نفسي أمام العظماء والفهماء، فيدركوا أن هذه المبادرة هي لك ومنك.

ظلام وتجارب

77- خَفَتَ نور عقلي بشكل غريب. لم تتّضح لي أيّة حقيقة. ولما كان الناس يحدّثونني عن الله كان قلبي يشبه الحجر. ولم استطيع أن أخرج منه أية عاطفة حبّ له. ولما حاولت بفعل إرادة، أن ابقى قريبة منه شعرتُ بعذابات أليمة وبدا لي وكأنني أتحدّاه لغضب اكثر سخطاً. استحال عليّ التأمل كما كنت أفعل في الماضي. شعرت بفراغ هائل في نفسي وما من شيء يستطيع أن يملأه. بدأت أتألم من جوع كبير وتوقٍ إلى الله، ولكن شعرتُ بعجز تامّ. حاولت ان أقرأ على مهل، متأمّلة بكلّ جملة، فلم يُجدِ ذلك نفعاً ولم أفهم شيئاً مما أقرأ.

كانت هوّة تعاستي حاضرة دائماً أمام عينيّ. وكل مرّة كنت أدخل الكنيسة لمزيد من التمارين الروحية كنت أختبر أمرّ العذابات والتجارب. اكثر من مرة وقت الذبيحة الإلهيّة، كان عليّ أن أكافح أفكار التجديف التي تتسرّب رغماً منّي إلى شفتيّ. شعرت بنفور من الاسرار المقدّسة. وبدا وكأنها لا تفيدني بشيء. كنت أتردّد إلى معرّفي بدافع الطاعة فقط. وهذه الطاعة العمياء كانت السبيل الوحيد الذي سلكته ورجائي الأخير في البقاء على قيد الحياة. أوضح لي المعرّف أن كل هذه التجارب هي من لدنه، وأنني في هذه الاحوال، لم أغظه قط بل بالعكس هي مدعاة رضى تامّ له. قال لي: «هي علامة أن الله يحبّك كثيراً وأنه يثق بك جدّاً طالما يرسل لك هذه التجارب». غير أن هذه الكلمات لم تعطني أيّة قوّة وبدا وكأنها لا تنطبق عليّ.

شيء واحد كان يحدث غالباً ويدهشني وهو أن الآلام المُرّة التي كنت أعانيها، كانت تزول فجأة لمّا اقترب من كرسي الاعتراف. ولكن كانت تعود فتنقضّ عليّ بشراسة أكبر لحظة أغادر كرسي الاعتراف. كنتُ أنبطح على الأرض أمام القربان المقدّس مردّدة هذه الكلمات: «إنه وإن قتلتني، سأثقُ دائماً بك» (ايوب 13\15). وبدا لي وكأنني أموت من جرّاء هذا النزاع. كانت أكثر الأفكار رعباً اقتناعي أن الله نبذني. داهمتني حينئذ أفكار أخرى، لِما الجهاد لكسب الفضائل ولعمل الخير؟ لِما الإماتة ومحو الذات؟ ما الفائدة من النذورات؟ من الصلاة؟ من التضحبة والذبيحة؟ لِما التضحية بذاتي دائماً؟ ما الفائدة طالما نبذني الله؟ لِما كل هذه الجهود؟ الله وحده يعلم ما كان يحدث في قلبي.

78- ذهبت مرّة إلى الكنيسة وقد سحقتني تلك الآلام المخيفة، وقلت من أعماق نفسي: «تمّم إرادتك فيّ، يا يسوع، سأعبدك في كل شيء. لتكتمل إرادتك فيّ، يا إلهي ويا سيدي، سأمجّد رحمتك اللامتناهية». عبر فعل الخضوع هذا فارقتني تلك الآلام الرهيبة. وفجأة رأيت يسوع وقال لي: «أنا أقيم دائماً في قلبك». خالجت نفسي سعادة فائقة والهبَ قلبي حبّ عظيم لله. وأدركت أن الله لا يجرّبنا ابداً أكثر مما يمكننا احتماله.

إنني لا أخاف شيئاً، وإذا ما أرسل لنا الله عذابات مُرّة إلى النفس فهو يقوّيها بنعمة أكبر دون ان نَعي ذلك . إن فعل رجاء واحد في الاوقات الصعبة كهذه يمجّد الله أكثر من ساعات طويلة نمضيها في الصلاة، مليئين بالتعزيات. ادركت الآن انه أذا أراد الله أن يبقي نفساً في الظلمة، فلا كتاب أو معرّف يمكنه أن يجلب لها النور.

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق