الدفتر الأول

55- مريم العذراء تشجّع فوستينا والشياطين تهجم عليها بصورة كلاب سوداء

315- + يا أم الله لقد غاصت نفسك في بحر المرارة. أنظري إلى طفلتك وعلّميها أن تتألّم وأن تحبّ بينما هي تتألّم. قوي نفسي كيلا يحطمها الوجع. يا أم النعمة علّميني أن أحيا [بقوّة] الله.

316- أتت مرة أم الله تزورني وكانت حزينة وعينيها منخفضتان. أوضحت لي، من جهة، أنها تريد أن تقول لي شيئًا ولكن، من جهة أخرى بدت وأنها لا تريد أن تتحدث عنه معي فنظرت إليّ مريم بابتسامة مشرقة وقالت: «ستتحمّلين بعض الآلام بسبب مرض ما وبسبب الأطباء، وستتألمين كثيرًا بسبب الصورة ولكن لا تخافي شيئًا». في اليوم التالي شعرتُ بالمرض وبوجع مؤلم كما قالت لي أم الله. غير أن نفسي كانت مستعدة للألم. فالألم هو رفيق حياتي الدائم.

317- يا إلهي! يا رجائي الوحيد وضعت كل آمالي فيك وأعلم أنك لن تخيبني.

318- غالبًا ما أشعر بحضور الله فيّ بعد المناولة المقدّسة بشكل خاص وملموس. أدرك أن الله هو في قلبي، وحضوره في قلبي لا يعرقل القيام بواجباتي. فيما أنا أتمّم أعمالًا مهمة التي تتطلب الانتباه لا أفقد حضور الله في نفسي، وأبقى جدّ متحد به. معه أذهب إلى العمل ومعه أتنزّه، ومعه أفرح، ومعه أتألّم. أحيا به وهو يحيا بي. لست وحدي، فهو أبدًا رفيقي الدائم. فهو حاضر أمامي في كل برهة وصداقتنا هي عميقة جدًا من خلال إتحاد في الدم والحياة.

319- 9 آب عام 1934. ليلة العبادة من أيام الخميس. قمت بساعة العبادة المخصصة لي من الساعة الحادية عشر حتى منتصف الليل. قدّمتها لأجل ارتداد الخطيئة للمتصلّبين، لا سيما الذين فقدوا الرجاء من رحمة الله. كنتُ أتأمل كم تألّم الله وكم أظهر لنا من حب عميق ونحن نزال لا نؤمن أن الله يحبّنا. من يستطيع أن يفهم ذلك يا يسوع؟ كم عانى مخلّصنا من آلام! وكيف يقنعنا بمحبته طالما موته لم يقنعنا بعد. فناديت قوات السماء لتتحد معي في التكفير للرب عن نكران الجميل لدى بعض النفوس.

320- لقد أعلمني يسوع كم تحسن لديه صلوات التكفير. قال لي: «إنّ صلاة النفس المتواضعة والمحبة تنزع سلاح غضب أبي وستمطر عليه بحر من البركان». بعد صلاة السجود وفي نصف الطريق إلى غرفتي، أحاط بي عدد من الكلاب السود تقفز نحوي وتنبح محاولة تمزيقي أربًا. فتأكّدت إنها لم تكن كلابًا بل أبالسة. وصرخ بي واحد بغضب: «سنمزّقك إربًا لأنّك اختطفت منّا هذه الليلة عددًا كبيرًا من النفوس. فأجبتُ: «إذا كانت تلك إرادة الله الكلّي الرحمة فمزّقوني أربًا، لأنني استحققت ذلك، لأنني أنا أكثر الخطأة تعاسة والله هو قدوس إلى الأبد ولا حدود لرحمته». أجابت الأبالسة على هذه الكلمات بصوت واحد: «لنهرب إنّها ليست وحدها. فالكلّي العظمة هو معها». واختفوا كالغبار وكضجّة على الطريق، بينما كنتُ أتابع طريقي إلى غرفتي مطمئنة وأنهيت صلاة الشكر متأملة برحمة الله اللامتناهية وغير المدركة.

 

321 – داهمني مرض مفاجئ، ألم قتّال، لم يكن الموت بعد، أي الإنتقال إلى الحياة الحقيقية، بل طعم آلام الموت. فالموت مخيف، رغم أنه يعطينا الحياة الأبدية، شعرت فجأة بالمرض. تَقَطّع نَفَسي وغمرت الظلمة عيناي، و تخدّرت أعضائي وقبض عليّ إختناق رهيب، كل برهة منه كانت بمثابة وقت طويل. و إعتراني خوف غريب رغم ثقتي. تمنّيت أن أقبل الأسرار الأخيرة ولكن كان من الصعب جداً أن أعترف، رغم أنني كنت أرغب في ذلك. فلا نعرف في مثل هذه الحالة ما نقول، وما أن ننتهي من شئ حتى يبدأ شئ آخر.
آه! فليحفظ الله كل نفس من تأجيل الإعتراف إلى آخر دقيقة. أدركت قوّة كلمات الكاهن عندما يُغدقها على نفس إنسان مريض. لمّا سألت مرشدي الروحي عمّا إذا كنت مستعدّة أن أقف أمام الرب أو أحصل على السلام، تلقيت هذا الجواب: «يمكنك أن تكوني في سلام تام، ليس فقط الآن بل بعد كل إعتراف أسبوعي». عظيمة النعمة الإلهية التي ترافق كلمات الكاهن هذه. تشعر النفس بالقوّة و الشجاعة تحسّباً للمعركة.

322 – يا جمعيّتي، يا أّمي كم هو لذيذ العيش فيكِ و لكن إنه من الأفضل أيضاً الموت فيكِ.

323 – تحسّنت صحتي بعد تقبّلي الأسرار الأخيرة. بقيتُ وحدي. وبعد نصف ساعة عاودتني نوبة أخرى ولكن لم تكن قويّة، عندما تدخّل الطبيب. أقرنت آلامي مع آلام المسيح من أجلي ومن أجل إرتداد النفوس التي لا تثق في جودة الله. وإقتحمت غرفتي فجأة أشباح سوداء مليئة غضباً و حقداً عليّ. قال لي أحدهم: «تباً لكِ و لمن هو في داخلك. لقد بدأتِ تعذبيننا حتى في جهنم». وما أن لفظتُ: «والكلمة صار جسداً و حلّ فينا»، حتّى إختفت الأشباح في ضجيج مفاجئ.

324 – في اليوم التالي كنت واهنة القوى ولكن لم أعد أشعر بألم. بعد المناولة المقدّسة رأيت الربّ يسوع كما رأيته تماماً وقت العبادة. إخترق نظر يسوع نفسي ولم تخفَ عليه أيّة ذرّة غبار حتى أصغرها. فقلت ليسوع: «لقد ظننتُ، يا يسوع، أنك ستأخذني». فأجابني: «لم تكتمل إرادتي بعد تماما فيكِ. إنني أرتضي برجائك ولكن على حبك ان يصبح أكثر حرارة. إن الحبّ الطاهر يعطي القوّة للنفس في ساعة الموت. لمّا كنتُ أموت على الصليب لم أفكّر في ذاتي بل في الخطأة التعيسين وصليت إلى أبي من أجلهم. أريد أن تكون أوقاتك الأخيرة شبيهة بأوقاتي على الصليب. هناك ثمن وحيد تُشترى به النفوس وهو أن نجمع آلامنا على آلام الصليب. الحب الصافي يفهم هذه الكلمات. أما الحب الشهواني فلا يفهمها».

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق