الدفتر الأول

62- كلّما نظرت إلى الصليب، أغفر من كل قلبي

383- في بدء الرياضة رأيت في سقف الكنيسة يسوع مسمّرًا على الصليب ، كان ينظر إلى الراهبات بمحبّة كبيرة ولكن ليس إليهنّ جميعًا. كان ينظر بقساوة إلى ثلاث راهبات. أعلم سبب ذلك. أعلم فقط أنّه شيء مخيف ان نلتقي بنظرة كهذه، نظرة القاضي الصارم. لم تكن هذه النظرة موجّهة نحوي، بيد أن الخوف شلّني. لا أزال أرتجف عند كتابة هذه الكلمات. لم أجرؤ أن ألفظ ولو كلمة واحدة ليسوع. خارت قواي الجسدية وظننتُ أنني لن أحيا إلى انتهاء المحاضرة. رأيت، في اليوم التالي، الشيء نفسه، تمامًا كما رأيته في المرة الأولى وتجرأت هذه المرة ان ألفظ هذه الكلمات «يا يسوع، كم هي عظيمة رحمتك».
في اليوم الثالث تكرّرت نظرة الحنان الكبيرة نحو الراهبات، عدا ثلاثة منهنّ، لملمتُ شجاعتي التي استمدّت قوتها من محبة قريبي وقلتُ للرب: «أنت هو الرحمة بالذات، كما علمتني أنت بذاتك، أتوسّل إليك بشفاعة قوّة رحمتك، أن تشمل أيضًا هؤلاء الراهبات الثلاث بحنانك. وإذا لم يوافق ذلك حكمتك، أطلب إليك مقايضة: وجّه نحوهن النظرة الحنونة التي خصّيتني بها واجعل نظرتك القاسية نحو نفوسهنّ تتحوّل نحوي”.
أجابني يسوع حينئذٍ بهذه الكلمات: «يا ابنتي، سأعطيهنّ، بفضل محبتك الصادقة والكريمة، نعمًا غزيرة، رغم أنهنّ لم يطلبنها منّي. ولكن أقوم بهذا العمل بفضل الوعد الذي قطعته معك». وفي تلك اللحظة وجّه نظرة رؤوفة نحو تلك الراهبات الثلاثة أسوة بالأخريات. ارتعش قلبي فرحًا لرؤية صلاح الله.

384- لمّا مكثتُ للعبادة من الساعة التاسعة حتى العاشرة، مكث أيضًا المسيح، اعترى نفسي فجأة ألم مخيف بسبب جحود نفوس عديدة تعيش في العالم. ولكن جحود النفوس التي خصّصها الله باختياره، كان مؤلمًا بنوع خاص، فليسَ من عبارات أو تشابيه [تصفه]. شعرت، لرؤية هذا الجحود القاتم، بأن قلبي يتشقّق. خارت قواي تمامًا وانبسطتُ على وجهي، دون أن أحاول إخفاء صراخي العالي. كل مرّة أفكّر فيها برحمة الله العظمى، بوجود قلب يسوع الكلّي الحنان. جدّدت، بقلبٍ ملتهب، فعل تضحية ذاتي من أجل الخطأة.

385- بفرح وتوق أشدّ شفتاي إلى مرارة الكأس التي أقبلها كل يوم في الذبيحة المقدّسة. هي شراكتي مع يسوع، يخصّني بها في كل لحظة، لن أتخلّى عنها لأحد. سأعزّي دون انقطاع قلب الافخارستية الكلّي الحنان، وأعزف له أنغامًا متناسقة على أوتار قلبي. فالألم هو أكثر الأنغام تناسقًا. سأثابر في التفتيش عمّا يبهج قلبك اليوم.
ليست أيام حياتي مملّة. عندما تغطّي الغيوم القاتمة الشمس، سأحاول أن أتحدّى كالنسر السُحب السوداء، وأظهر للآخرين أن الشمس لم تغبْ.

386- أشعر أن الله يسمح لي أن أزح ستار [السماء] كي لا تشك الأرض بجودته. ليس الله عرضة للكسوف أو التبدّل. فهو للأبد واحد لا يتغيّر. لا شيء يستطيع معارضة إرادته. أشعر بقوّة في داخلي أقوى من كل قوّة بشرية. أشعر بالشجاعة والقوّة بفضل النعمة التي تسكن فيّ. أفهم النفوس التي تتألّم رغم كل رجاء لأنني مررتُ بذاتي عبر هذه النار. لكن الله لا يعطينا [شيئًا] يفوق قوّتنا. لقد عشتُ دائمًا برجاء ضدّ كل يأس، ودفعتُ برجائي إلى الأمام لأمتلئ ثقة بالله. فليكتمل فيّ كلّ ما أمر به الله منذ كل الأجيال.

مبدأ عام

387- إنه شيء بشع للغاية أن تفتّش راهبة عن التخلّص من الألم.

288- أنظر ماذا صنعت النعمة والتأمّل من أكبر مجرم. من هو على حافة الموت يحبّ كثيرًا. “أذكرني يا رب عندما تكون في ملكوتك”. حوّلت التوبة العميقة النفس فجأة. علينا أن نعيش الحياة الروحية بجدّية وصدق.

389- على الحب أن يكون متبادلًا. إذا كان يسوع قد ذاق ملء المرارة من أجلي، فأنا عروسته، سأقبل كل مرارة لأبرهن له عن حبّي.

390- من يعرف أن يغفر يحضّر لذاته نعمًا وافرة من الله. كلّما نظرت إلى الصليب، أغفر من كل قلبي.

390- ندخل من خلال المعموديّة، في إتحاد مع النفوس الأخرى. الموت يقوّي رباط الحبّ. يجب عليّ أن اساعد دائمًا الآخرين. إذا كنت راهبة صالحة، أكون مفيدة ليس فقط لرهبانيّتي بل لوطني كله.

392- يهب الله نعمة في طريقتين: بالوحي وبالنور الداخلي. إذا سألنا الله نعمة يعطينا اياها ولكن علينا أن نرضى بقبولها. ونكران الذات هو ضروري لقبولها. لا يقتصر الحبّ في الكلمات أو العواطف بل في الأفعال. فهو فعل إرادة، هو عطيّة، أعني عطاء. علينا أن نمارس وقت الصلاة هذه القدرات الثلاث: العقل، الإرادة والرأفة. سأقوم من بين الأموات بيسوع ولكن يجب أولًا أن اموت فيه. إذا لم أفصل ذاتي عن الصليب حينئذ يتّضح لي الإنجيل. يعوّض المسيح فيّ عن كلّ نقائصي. تعمل نعمته دون انقطاع. يعطيني الثالوث الأقدس حياته بغزاره بموهبة الروح القدس. تعيش الأقانيم الثلاثة فيّ. عندما يحبّ الله فهو يُحبّ بكل وجوده بكل قوّة وجوده. إذا أحبني الله على طريقته، كيف يجب أن أتجاوب، أنا عروسته؟

393- قال لي يسوع وقت المحاضرة: «أنت حبّة عذبة في عنقود عنب مختارة. أريد أن يشارك الآخرون في العصارة التي تنساب في داخلك».

394- وقت تجديد النذور رأيت الرب يسوع إلى جهة الرسائل من الهيكل، لابسًا وشاحًا أبيض مع زنار ذهبي وشاهرًا سيفًا مخيفًا في يده. دام هذا المشهد إلى حين أن بدأت الراهبات بتجديد نذورهنّ. ثم رأيت تألقًا يفوق كل وصف وأمام هذا السطوع، غيمة بيضاء بشكل ميزان. ثم اقترب يسوع ووضع السيف في أحد طرفيْ الميزان فنزل بثقله نحو الأرض حتى كاد يلامسها. انتهتْ حينئذ الراهبات من تجديد نذورهنّ. ثم رأيت ملائكة يأخذون شيئًا ما من كل من الراهبات ويضعوا على إناء ذهبي بشكل مبخرة. فلمّا جمعوه من كل الراهبات ووضعوا الإناء في الجهة الأخرى من الميزان، رجح فجأة وارتفعت الجهة التي وُضع عليها السيف.
في هذا الوقت انبثق لهيب من المبخرة وامتدّ إلى التألّق. سمعتُ حينئذ صوتًا صاعدًا من التألق: «أرجع السيف إلى مكانة فالتضحية هي أكبر». ثم باركنا يسوع واختفى كل ما رأيته. بدأت الراهبات آنذاك بتناول القربانة المقدّسة وامتلأت نفسي من فرح كبير يصعب علي وصفه.

395- 15 شباط 1935 زيارة لعدّة أيام إلى البيت الوالدي لمشاهدة أمي المنازعة. عندما علمت أن والدتي مصابة بمرض خطير واقترب أجلها وإنها طلبت أن آتي إلى البيت وتراني مرة أخرى قبل وفاتها، استيقظتْ في قلبي عواطف جيّاشة. كطفلة تحب أمها بصدق أردت كثيرًا أن أستجيب رغبتها. ولكن تركتُ الأمر لله وأخضعت ذاتي كليًا لإرادته. دون أن أعير أهمّية لألم في قلبي، تبعت إرادته. في اليوم التالي الذكرى لولادتي في 15 شباط سلّمتني الأم الرئيسة رسالة ثانية من عائلتي وأعطتني الإذن لأذهب إلى البيت الوالدي لأحقّق رغبة وطلب أمّي المنازعة، بدأت في الحال القيام بالتحضيرات اللازمة للسفر وغادرت فيلنيوس عند المساء. قدّمت كل الليلة من أجل أمّي المريضة كي يهبها الله نعمة خاصّة فلا تضيّع شيئًا من استحقاقات ألمها.

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق