الدفتر الثاني

79- (650-674) أهمية إرادة الله والإتّكال عليه في حياة القديسة فوستينا

650- يا يسوع معلّمي ومدبّري، قوّني وأنرني في هذه الأوقات الصعبة من حياتي. لا أنتظر مساعدة من البشر: كل رجائي هو فيك، أشعرُ أنني وحدي أمام أوامرك، يا سيدي. رغم مخاوف طبيعتي وارتيابها، إنني أتمّم إرادتك المقدسة وأرغب في أن أتمّمها بالأمانة المستطاعة طوال حياتي وعند موتي. يا يسوع، أستطيعُ كل شيء معك. اصنع مني ما يرضيك. وعند موتي، أعطني فقط قلبك الرؤوف، وهذا يكفيني.

يا يسوع سيدي ساعدني. حقّق فيّ كل ما صمّمته منذ كل الأجيال. أنا مستعدّة إلى كل من إشاراتك وإرادتك المقدسة. أنر عقلي كي أستطيع أن أدرك إرادتك. أيها الإله الذي تغزو نفسي، أنت تعلمُ أنني لا أبتغي سوى مجدك.

أيتها الإرادة الإلهية، أنت سعادة قلبي وطعام نفسي ونور عقلي وقوة سامية لإرادتي. لذا، لمّا أتّحد بإرادتك، يا سيد، تعمل قوتك من خلالي وتحلّ محلّ إرادتي الضعيفة. أسعى كل يوم إلى تحقيق رغباتك.

651- أيها الإله غير المُدرَك، كم هي عظيمة رحمتُك. تفوق معرفة الملائكة والبشر معاً. لقد انبثق كل الملائكة وكل البشر من عمق أعماق رحمتك الحنونة. الرحمة هي زهرة الحب. الله محبة والرحمة هي عمله. بالرحمة يُكوّن وبالرحمة يُعلَنُ عنه. كل ما أراه يتحدّث عن رحمة الله. إنّ عدالته نفسها تحدّثني عن رحمته التي لا تُسبَر لأنّ العدالة تتدفّق من المحبة.

652- كلمة واحدة أُعيرُها انتباهي وأَزِنُها. فهي كلّ شيء لي، أحيا وأموت بها، ألا وهي إرادة الله . هي غذائي اليومي. كل كيان نفسي يصغي بانتباه إلى رغبات الله. أصنعُ دائماً ما يطلبه إليّ الرب رغم أنّ طبيعتي تتزعزع غالباً وأشعر أنّ عظمة هذه الأمور تفوق قوّتي. أعرف ذاتي جيداً. ولكن أعرفُ أيضاً ما هي نعمة الله التي تقوّيني.

25 نيسان 1936. فالندوف.

653- ذاك اليوم ازداد الألم قساوة في نفسي، أكثر من أي يوم مضى. منذ الصباح الباكر، شعرتُ وكأنّ جسدي قد انفصل عن روحي. شعرتُ أنّ حضور الله قد غمر كل كياني. شعرتُ بكل عدالة الله في داخلي. شعرتُ أنني أقفُ وحدي أمام الله. فكَّرتُ: أنّ كلمة واحدة من معرّفي قد تطمئنني كليًّا. ولكن ما العمل؟ فهو ليس هنا. على أنني قرَّرتُ أن أستنير في الاعتراف. ولمّا كشفتُ عن نفسي إلى الكاهن، خاف أن يتابع سماع اعترافي ممّا تسبّب لي بأقسى الآلام. لمّا رأيتُ تخوّف الكاهن، لم أحصل على السلام الداخلي، لذا قرَّرتُ أن أكشف عن نفسي لمرشدي الروحي فقط، في كل الأمور، من أكبرها إلى أصغرها، وسأتبع توجيهاته بدقّة.

654- أُدرِكُ ألآن أنّ الاعتراف هو الإقرار بالخطايا، ويختلف تماماً عن الإرشاد الروحي. لكن لا أريد أن أتحدّث عن هذا. أريدُ أن أتحدّث عن شيء غريب حصل لي لأول مرة. لمّا راح المعرّف يحدّثني، لم أفهم منه أية كلمة. حينئذ رأيتُ يسوع مصلوباً وقال لي: «عليكِ أن تستنيري وتتقوّي بآلامي». بعد الاعتراف تأمَّلتُ بآلام يسوع المبرّحة وأدركتُ أن ما من ألم يوازي آلام المخلّص وأنّ أصغر النقائص كانت سبب هذه الآلام المبرّحة. فامتلأت نفسي حينئذ بتوبة كبيرة. وفي هذا الوقت بالذات شعرتُ أنني في بحر رحمة الله التي لا تُسبَر. آه! كم ينقصني الكلام لأعبّر عمّا اختبرتُ. أشعرُ وكأنني نقطة غارقة في عمق أعماق محيط رحمة الله.

655- 11 أيّار 1936. جئتُ إلى كراكوف وكنتُ سعيدة بأن أستطيع، أخيراً، أن أُنجز ما كان يطلبه مني الرب يسوع. لمّا كنتُ أتحدثُ مرة إلى الأب أ… [أندراز] وأخبرتُه عن كل شيء تلَّقيتُ هذا الجواب: «صلّي، يا أختي، حتى يوم عيد قلب يسوع الأقدس، وأضيفي على صلواتِكِ بعض الإماتات وسأعطيكِ جواباً. في يوم ذاك العيد». ولكن سمعتُ يوماً، صوتاً في نفسي: «لا تخافي شيئاً، أنا معكِ». بعد هذه الكلمات، شعرتُ بإلحاحٍ قويّ في داخلي، جعلني أقول في الاعتراف، ودون أن أنتظر عيد قلب يسوع الأقدس، إنني أغادِرُ الجمعية فوراً. أجابني الكاهن: «يا أختي، بما أنّك أخذتِ هذا القرار وحدَكِ، فتحمّلي وحدَكِ المسؤولية، غادري». وكنتُ سعيدة أن أغادر.

في الصباح التالي غادرني فجأة حضور الله وغطّت نفسي ظلمة كثيفة. لم أستطع أن أصلّي. قرَّرتُ أن أؤجّل هذه القضية إلى بعض الوقت بسبب غياب حضور الله المفاجئ.
أجاب الأب أ. [أندراز] أنه غالباً ما يحصل هذا التبديل في النفوس وأنه ليس عائقاً للعمل.

656- لمّا تحدَّثتُ إلى الرئيسة العامة [مايكل] عن كل ما حصل معي قالت: «يا أختي، أنا أسجُنُكِ في بيت القربان مع الرب يسوع، فعندما تغادرين من هناك فستكون تلك إرادة الله».

657- 19 حزيران. لمّا ذهبتُ إلى مقرّ الآباء اليسوعيين لزياح قلب يسوع الأقدس، رأيتُ، عند صلاة المساء، الأشعة ذاتها منبثقة من القربانة المقدسة، تماماً كما هي مرسومة في الصورة. فامتلأت نفسي بتَوْقٍ كبير إلى الله.

حزيران 1936 حديث مع الأب أ. [أندراز]

658- «إنّ هذه الأمور هي قاسية وصعبة. إنّ مرشدكِ الروحي الرئيسي هو الروح القدس. نستطيعُ أن نوجّه هذه الإلهامات ولكنّ المرشد الحقيقي هو الروح القدس. إذا قررَّتِ بذاتكِ أن تغادري، يا أختي، فلا أستطيعُ أن أمنَعَكِ أو آمرَكِ بذلك. تأخذين أنتِ وحدَكِ المسؤولية. أقولُ لك هذا، يا أختي: يمكنُكِ أن تبدئي العمل، أنت قادرة على ذلك، لا سيّما أنّك تستطيعين ذلك. بالواقع تلك هي أمور محتملة. كل ما قلتِهِ لي لغاية الآن [قبل نذوراتِكِ المؤبدّة، في كراكوف 1943] يشجّع على بدء العمل. على كل حال يجب أن تكوني يقظة في كل هذه الأمور. صلّي كثيراً كي تستنيري».

659- وقت الذبيحة المقدسة، التي احتفل بها الأب أندراز، رأيتُ الطفل يسوع الذي قالي لي أن أتّكل عليه في كل شيء. «لا شيء يرضيني إذا قمتِ به وحدَكِ حتى لو وضعتِ فيه كلّ جهد». أدركتُ [ضرورة] اتّكالي عليه.

660- يا يسوع في يوم الحكم الأخير، ستطلبُ مني حساباً عن عمل الرحمة هذا، أيها القاضي العادل، ولكنْ عروسي أيضاً، ساعدني لأصنعَ إرادَتَكَ، أيتها الرحمة، أيتها الفضيلة الإلهية.
يا قلب يسوع الكلّي الرحمة، يا عروسي، اجعل قلبي شبيهاً بقلبِكَ.

661- 16 تمّوز. أمضيتُ الليل بكامله في الصلاة. تأمَّلتُ بآلام يسوع، فَسَحَقَ ثقلُ عدالة الله نفسي. لَمَستْني يدُ الرب.

662- 17 تمّوز. يا يسوع، أنت تعلمُ كم تعتريني من عراقيل في هذه القضية، وكل عليّ أن أتحمّل من لَوْمٍ وكم من ابتسامات سخرية عليّ أن أتقبّلها برصانة. لا أستيطيعُ وحدي أن أتغلّب على كل ذلك ولكن أستطيعُ كل شيء معَكَ. آه! كم هي عميقة الجروحات التي تسبّبها ابتسامات السخرية، لا سيّما عندما [يتظاهر] صاحبها بأنه يتكلّم بصدق.

663- 22 تمّوز. يا يسوع، إنني أُدركُ أنّ أعمال الإنسان، لا كلامه أو شعوره، هي التي تُثبّتُ عظمته. إنّ أعمالنا تتحدّث عنا. لا تسمح لي أن أحلم في اليقظة، بل شجّعني وقوّني لأتمّم إرادتك المقدسة.
يا يسوع، إذا أردتَ أن تتركني في حالة التردّد، حتى إلى آخر حياتي، فليكن اسمُك المقدس مباركاً.

تمّوز

664- يا يسوع، كم هي عظيمة سعادتي عندما تأكَّدَتْ لي أنّ الجمعية سترى النور. لم يعُد لديّ أيّ ظل شك حول هذا الأمر وأرى أيّ مجد عظيم ستقدّم لله. ستكون انعكاسَ أعظم صفاتِ الله، أي الرحمة الإلهية. سيتوسّلون دون انقطاع إلى الرحمة الإلهية لأجلهم ولأجل العالم.

سينبثق كل عمل رحمة من حبّ الله هذا، الحبّ الذي سيفيضُ عليهم ويملؤهم. سيسعون أن يتحلّوا هم بهذه الصفة العظيمة، أن يعيشوا بها ويحملوا الآخرين إلى معرفتها وإلى الثقة في صلاح الرب. ستكون جمعية الرحمة الإلهية هذه، في كنيسة الله، مثل خليّة نحل وديعة مخبّأة في بستان رائع. ستعمل الراهبات مثل النحل ليقيتَنَّ نفوس جيرانهنّ بالعسل، بينما سيُضاء الشمع لمجد الله.

29 حزيران 1936

665- طلب إليّ الأب أندراز أن أقوم بتساعية على نية معرفةٍ أفضل لإرادة الله. صلَّيتُ بحرارة وأضفتُ بعض الإماتات الجسديّة. نحو نهاية التساعية، اقتبلْتُ نوراً داخليًّأ وتأكيداً أنّ الجمعية ستأتي إلى الوجود وأنّها ستُرضي الله. رغم الصعوبات والعراقيل، خالجَتْ نفسي، من العلاء، طمأنينة وشجاعة كاملتان. أدركتُ أن لا شيء يقاوم إرادة الله أو يُلغيها. أدركتُ أنه يتوجّب عليّ أن أتمّم هذه الإرادة رغم العراقيل والاضطهاد وكل أنواع الآلام ورغم الاشمئزاز الطبيعي والخوف.

666- أدركتُ أنّ كل سعي للكمال وكل قداسة تكمن في صنع إرادة الله. إنّ إتمام إرادة الله الكامل هو النضج في القداسة، فلا مجال للشكّ هنا. أن نتقبّل نور الله ونعرف ما يريده منا ولكن دون أن نقوم به، فذلك إهانة كبرى لعظمة الله. يشبه ذلك عمل لوسيفورس الذي تقبّل نوراً كبيراً ولكن لم يسنع إرادة الله. خالج نفسي سلامٌ فوق العادة لمّا فكَّرتُ أنني، رغم الصعوبات الهائلة، تبِعتُ دائماً إرادة الله بأمانة كما عرفتها. يا يسوع أعطني النعمة لأضع موضع التنفيذ إرادتك، كما أعرفها، يا إلهي.

667- 14 تمّوز. الساعة الثالثة، استلمتُ رسالة [من الأب سوبوكو]. أنتَ وحدَكَ، يا يسوع، تعرفُ كم تألَّمتُ ولكن سأحفظُ الصمت ولن أقول عنها شيئاً لأية خليقة، لأنني أعلمُ أنّ لا أحد يقوّيني. أنت كل شيء لي، يا إلهي، وإنّ إرادتك هي غذائي. أعيشُ الآن بما سأعيشُ به في الأبدية.
إنني أجلّ القديس ميخائيل، رئيس الملائكة إجلالاً كبيراً. لم يكنْ لديه مثالاً ليصنع إرادة الله، ومع ذلك لقد أتمّها بأمانة.

668- 15 تمّوز. قدَّمتُ ذاتي كليًّا إلى الأب السماوي من خلال قلب يسوع الكلي العذوبة. فليصنع بي ما يطيبُ له. فأنا لا شيء بذاتي. ولا قيمة لتعاستي. لذا أتخلّى عن ذاتي في محيط، رحمتك يا سيد.

669- 16 تمّوز. أتعلَّمُ كيف أُصبِح صالحة من يسوع الذي هو الصلاح بالذات لأستطيع أن أدَّعي أنني ابنة الآب السماوي. هذا الصباح لمّا جرح أحدهم شعوري، حاولتُ، في هذا الألم، أن أجمع إرادتي إلى إرادة الله، وأن أمجّده في الصمت. بعد الظهر، ذهبتُ للعبادة مدة خمس دقائق، فرأيتُ فجأة الصليب المعلّق على صدري قد انتعش. قالي لي يسوع: «يا ابنتي، إنّ آلامي هي علامة وجودي معَكِ». تأثَّرتُ نفسي في العمق من هذه الكلمات.

670- يا يسوع، معلّمي ومدبّري، أستطيع التحدّث معك وحدك، فلا يسهل الحدث مع أحد سواكَ يا إلهي.

671- في حياتي الروحية سأمسكُ دائماً بيد الكاهن، سأتحدّث فقط معرّفي عن حياة نفسي وحاجاتها.

672- 4 آب 1936. داهمني عذاب داخلي لأكثر من ساعتين. نزاع… فجأة سيطر عليّ حضور الله وشعرتُ كأنني في قبضة الله العادل. انتشرت عدالته فيّ حتى العظم خارجيًّا. فقدتُ قوتي ووعيي. هذا ما جعلني أدرِكُ عظمة قداسة الله وتعاستي المتفاقمة. اعترى نفسي عذابٌ أليم. تدرِكُ النفس أنّ أعمالها ليست دون عيب. فتضعف فيها قوة الثقة. فتتوق النفس بكل قواها إلى الله. غير أنها تدرك حقارتها وأنّ كل ما حولها هو باطل، وجهاً لوجه مع هذه القداسة … فيا لها من نفس مسكينة …

13 آب

673- عذّبتني تجارب مخيفة طوال النهار، تدفّق التجديف من شفَتَيَّ. واشمأزَّيتُ من كل ما هو مقدّس وإلهيّ حولي. غير أنني جاهدتُ طوال النهار. عند المساء، ثَقُلَ عقلي: ما الفائدة من الحديث مع معرّفي عن ذلك؟ سيسخر منه. وملأ نفسي شعور اشمئزاز ويأس وبدا لي أنني لا أستطيع أن أقبل المناولة المقدسة وأنا في هذه الحال. ولمّا فكَّرتُ بعدم قبول المناولة، قبض على نسفي ألَمٌ مخيف، حتى كدتُ أبكي عالياً في الكنيسة. ولكن أدركتُ فجأة أنّ الراهبات كنّ هناك، فقرَّرتُ أن أذهب إلى البستان وأختفي، فأستطيع أقلّه أن أبكي علناً. عندئذ وقف يسوع فجأة بقربي – وقال: «ابنتي، إلى أين تنوين الذهاب».

674- لم أُعْطِ جواباً إلى يسوع وكلن سكبتُ أمامه كلّ حزني، فتوقَّفَتْ تجارب إبليس. قال للي حينئذ يسوع: «إنّ السلام الداخلي الذي حصَلْتِ عليه هو نعمة». واختفى فجأة. شعرتُ بالسعادة وبسلام لا يُحَدّ. حقاًّ، إنّ استرجاع السلام خلال لحظات هو شيء يستطيع يسوع وحده القيام به، هو الرب العليّ.

مسبحة الرحمة الإلهية

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق