الدفتر الثاني

88- القديسة فوستينا تشعر بنفوس المنازعين وتساعدهم بواسطة تلاوة مسبحة الرحمة

825- + يا له من يوم رائع ووضّاء تتحقّق فيه كل أحلامي. يا له من يوم منتظَر بغاية الشوق، اليوم الأخير من حياتي. أنتظر بفرح الضربة الأخيرة التي يوسم فيها الرّسام الإلهي نفسي، فيوشّحها بجمال خاص يميّزني به عن جمال بقيّة النفوس، يا له من يوم عظيم يتثبّتُ فيه حبّ الله فيّ. سأنشد في ذلك اليوم، لأول مرة، أمام السماء والأرض، أنشودة رحمة الله اللامتناهية. هذا هو عملي وتلك هي رسالتي التي رسمها الله لي منذ انشاء العالم. لتكن أنشودة نفسي مرضية للثالوث الأقدس. وجّه أنت يا رب نفسي وثقّفها. أتسلح بالصبر وأنتظر محبّتك أيها الإله الرحوم ونظرًا الى الآلام المبرحة والخوف من الموت، في هذا الوقت أكثر من أي وقت مضى، فإنني أثق في لجّة رحمتك واذكّرك، يا يسوع الحنون، أيها المخلّص العذب، بكل وعودك التي قطعْتها معي.

826- مررتُ بمغامرة هذا الصباح. لقد توقفت ساعتي ولم أعد أعلم متى أنهض من فراشي، وفكّرتُ في سوء حظي إذا ما تخلّفت عن المناولة المقدّسة. كان الظلام منتشرًا ولم يكن لديّ حيلة لمعرفة وقت النهوض من النوم. ارتديت ثيابي، صنعتُ تأملي وذهبت الى الكنيسة وكانت الابواب مقفلة والسكون يخيّم في كل مكان. استغرقت في الصلاة لاسيما من اجل المرضى. أدركت الآن كم يحتاج المريض الى الصلاة. فُتِح اخيرًا باب الكنيسة وجدتُ صعوبة في الصلاة، لأني شعرت بإرهاق مضنك. فرجعت فورًا بعد تناول القربان المقدّس الى غرفتي. حينئذ رأيت الرب الذي قال لي هذه الكلمات: «إعلمي يا ابنتي ان اندفاع قلبك يرضيني. وكما اشتهيت انت أن تتحدي بي في المناولة، كذلك انا ايضًا أردتُ أن اعطيك ذاتي بكاملها. ومكافأة لغيرتك استريحي في قلبي». في هذا الوقت غاصت روحي في كيانه كنقطة ماء في محيط عميق. أغرقتُ نفسي فيه وهو كنزي الوحيد. وقد أدركتُ أن الربّ يسمح ببعض الصعوبات من أجل مجده الأعظم.

18 كانون الاول 1936

827- شعرتُ اليوم بالحزن لأنه مضى اسبوع دون أن يزورني أحد. ولمّا تذمّرت الى الرب أجابني: «ألا يكفيك أنني أزورك كل يوم؟». فاعتذرت من الرب وزال الحزن. إيها الإله أنت قوّتي وأنت تكفيني.

828- أدركتُ هذا المساء أن إحدى النفوس هي بحاجة إلى صلاتي. صلّيتُ بحرارة ولكن شعرتُ أن ذلك لا يكفي. لذا تابعتُ الصلاة لوقت طويل. في اليوم التالي علمتُ أن نزاع إحدى النفوس بدأ. كان قد بدأ في الوقت نفسه واستمرّ حتى الصباح. وأدركتُ كم قامت به من نضال. إن الله يُعلمني، بشكل غريب، أن نفسًا منازعة تحتاج إلى صلاتي. أن أتحسّس بحيوية ووضوح الروح التي تطلب إليّ الصلاة. لم أعلم من قبل ان النفوس هي على إتحاد وثيق فيما بينها. إن ملاكي الحارس هو غالبًا ما يخبرني بذلك.

829- حمل الطفل يسوع الفرح الى قلبي وقت الذبيحة المقدسة. المسافات تضمحلّ غالبًا فأرى كاهنًا ينقله إليّ. أنتظر عيد الميلاد بتوق عظيم. أعيش بالرجاء مع الأم الكلية القداسة.

830- أيها النور الأزلي الذي أتى الى الارض، أنرْ عقلي  وقوّي أرادتي كي لا أضعف في اوقات الحزن العميق. ليبدّد نورك كل ظلال الشك.  ولتعمل قدرتك من خلالي. أثق بك أيها النور غير المخلوق. أنت يا يسوع الصغير مثال لي في إتمام إرادة ابيك، أنت يا من قلت: «ها أنا آتٍ لأصنع إرادتك». أعطني أن أصنع أنا أيضًا إرادة الله في كل شيء. أيها الطفل الإلهي إمنحني هذه النعمة.

831- يا يسوع كانت نفسي تصبو إلى أيام الصعوبة، ولكن لا تتركني وحدي في ظلمة نفسي. شدّني بالأحرى إلى قربك بثبات. ضعْ حارسًا على شفتيّ حتى تعرف أنت وحدك عطر عذابي وترتضي به.

832- يا يسوع الحنون كم أسرعتُ بشوق إلى الغرفة العليا حتى تقدّس القربانة التي أتناولها في حياتي. لقد إشتهيت يا يسوع أن تسكن في قلبي. يتّحد دمك الحيّ في دمي. فمن يستطيع فهم هذا الإتحاد الوثيق. إن قلبي يحبس في داخله العلي واللامتناهي. يا يسوع ثابر في إعطائي حياتك الإلهية. أجعل دمك الطاهر والنبيل ينبض بكل قوّته في قلبي. أعطيك كل كياني. حوّلني إلى ذاتك واجعلني قادرًا أن أصنع ارادتك المقدّسة في كلّ شيء تبادلًا لحبّك، يا عروسي العذب أنت تعلم أن قلبي لا يعرف أحدًا سواك. لقد فجّرت في قلبي حبًا لك عميقًا لا يرتوي. منذ الدقيقة الأولى التي عرفك فيها قلبي، أحبّك وأنحلّ فيك لأنك أنت وحدك هدفه. فليحرّك حبّك النقيّ الكلّي كل أعمالي. فمن يستطيع إدراك وفهم عمق الرحمة التي تدفقت من قلبك.

833- لقد اختبرتُ كم يسود الحسد حتى في الحياة الرهبانية. رأيت أن هناك بالواقع عددًا من النفوس الكبيرة على حافّة التعثّر بكل ما ليس هو الله. يا نفس، لن تجدي سعادة خارجًا عن الله. آه! كم هي ضعيفة أساسات الذين يبنون ذاتهم على حساب الآخرين. يا لها من خسارة.

19 كانون الأول 1936.

834- هذا المساء شعرتُ في نفسي أن أحد الناس هو بحاجة إلى صلاة. بدأت فورًا بالصلاة. وفجأة أدركت في داخلي الروح التي تطلبها منّي وتأكّدتُ من ذلك. تابعت الصلاة إلى أن شعرتُ بالطمأنينة. السبحة هي عونٌ كبير للإنسان المنازع. أصلّي غالبًا على النيّة التي أتحسسها في داخلي، وأثابر في الصلاة إلى ان اختبر في نفسي أن هذه الصلاة قد أعطت نتائجها.

835- بينما أنا في المستشفى، بالأخصّ في هذه الأيّام، أختبر اتّحادًا داخليًا مع المنازعين الذين يطلبون الصلاة عندما يبدأ نزاعهم. لقد أعطاني الله صلة مدهشة مع المنازعين. وبما أن ذلك قد تكرر مرارًا فقد أصبح باستطاعتي أن أتحقّق منه وأحدّد وقته بدقّة. استيقظت اليوم فجأة الساعة الحادية عشرة ليلًا، وشعرت بوضوح وجود إحدى الأرواح بقربي طالبة الصلاة. ودفعتني قوة ما الى الصلاة. كانت رؤيتي روحية محض بواسطة نور مفاجىء يهبني إياه الله في الحال. أتابع في الصلاة إلى أن تطمئن نفسي. وتفاوتت دائمًا مدة الوقت قد يحدث أحيانًا أن أطمئن بعد تلاوة السلام الملائكي مرة واحدة، فأتلو حينئذ مزمور (من الأعماق)، وأتوقف عن الصلاة. وقد يحدث أحيانًا أن أتلو السبحة بكاملها حتى اشعر بالطمأنينة. وقد اكتشفت أيضًا أنني أشعر مرّات بدافع إلى الصلاة لوقت طويل يظهر ذلك باضطراب داخلي، ممّا يدلّ على أن النفس تعاني صراعًا قاسيًا وتمرّ في نزاع أخير طويل.

أتأكد من الوقت بهذا الأسلوب: أنظر إلى ساعتي وأدقق في الوقت… في اليوم التالي، لمّا ينقل إليّ خبر وفاة أحد الناس، أسأل عن الوقت الذي توفيّ فيه، فأرى أنه يتطابق تمامًا مع مدّة نزاع الشخص المتوفّى يقال لي: «إن هذا أو ذاك توفّى اليوم بسرعة وطمأنينة». وقد يكون الشخص المتوفي في الطابق الثاني أو الثالث. إنما المسافات لا تقف حاجزًا في وجه الأرواح. وأدرك بعض المرّات وفاة حصلت على بعد مئات الكيلومترات. وهذا ما حدث أكثر من مرّة بالنسبة إلى عائلتي أو أحد أقربائي أو، أيضًا، مع أخوات لي في الإيمان، وحتى مع بعض النفوس التي لم يسبق أن عرفتها طيلة حياتها.
أيها الإله ذات الرحمة التي لا تسبر والذي يسمح لي أن أساعد وأريح المنازعين بواسطة صلاة زهيدة، فلتتبارك ألوف المرّات بقدر ما يوجد نجوم في السماء ونقاط ماء في المحيطات. فلتتردّد رحمتك في كل مدار الأرض. ولترتفع إلى أقدام عرشك لتمجّد صفاتك العظمى، أي رحمتك التي لا تدرك والتي تفتن وتجدّد كل النفوس القديسة وكل أرواح السماء. هذه الأرواح الطاهرة الغارقة في انذهال مقدس عندما تمجّد رحمة الله غير المدركة والتي تبعث فيها بالمقابل إعجابًا أكبر، فيُتابع تمجيدها بشكل كامل.

أيها الإله الأزليّ، كم أشتهي أن أمجّد صفاتك العظمى هذه. لاسيّما رحمتك التي لا تسبر. أرى كل ضعفي ولا أستطيع أن أشبّه نفسي بالكائنات الإلهية التي تمجّد رحمة الله بإعجاب مقدس. ولكن أنا أيضًا وجدت سبيلًا لأؤدي المجد لرحمة الله غير المدركة.

836- يا يسوع الكلي العذوبة الذي تنازل وسمح لي أنا  الحقيرة أن اكتسب معرفة رحمتك التي لا تُسبر. يا يسوع الكلي العذوبة الذي طلب إليّ بلطف أن أبشّر العالم كلّه برحمتك التي لا تدرك، آخذ اليوم بين يدي الشعاعين المنبثقين من قلبك الرحوم، أي الماء والروح، وأنشرها فوق الأرض كلها حتّى تنال كل نفس رحمتك. وحين تنالها تمجّدها إلى منتهى الأجيال. يا يسوع الكلّي العذوبة الذي بوداعته التي لا تدرك بالذات أمجّد الله، أبانا، كما لم تمجّده نفس من قبل.

21 كانون الأول 1936

837- تطلق الإذاعة الموسيقى طوال ما بعد الظهر، فأشعر أنني فقدت السكوت. وطيلة الصباح تُسمع ضجة وكلام دون انقطاع. الهي! كنت اتوقع أن أحظى بالسكون، سعيدة بالتحدث مع الرب وحده وها أنا أرى العكس، إنّما لا شيء يزعجني بعد الآن، لا الكلام ولا الإذاعة، وبكلمة وجيزة لا شيء. بنعمة الله، لا أعرف أين أوجد عندما أكون في الصلاة. لا أعرف سوى أن نفسي هي متّحدة بالرب. هكذا تمرّ أيامي في المستشفى.

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق