الدفتر الثاني

89- حدّثي العالم كلّه عن رحمتي التي لا تُسبَر. فهي علامة لنهاية الأزمنة ثم يأتي يوم العدالة

838- أتعجّب كم من الذّل والعذابات يؤاسي ذاك الكاهن في كل هذه القضية. أرى ذلك في بعض الأحيان وأدعمه بصلواتي الحقيرة. يستطيع الله وحده أن يعطينا شجاعة كهذه وألّا نيأس. إنما أرى بفرح أن كل هذه العراقيل تساهم في مجد الله الاكبر. نفوس كهذه هي نادرة عند الرب.
أيتها الأبدية اللامتناهية، أنت تظهر جهود هذه النفوس الجبّارة لان الارض تكافىء هذه الجهود بالبغض ونكران الجميل.

ليس لمثل هذه النفوس أصدقاء. فهي تعيش بالعزلة حيث تكسب وتستمدّ قوّتها من الله وحده، بتواضع ولكن بشجاعة تقف صامدة في وجه كل العواطف التي تثور حولهم. هي ثابتة كسنديانة جبّارة، وفي كل ذلك سرّ واحد وهي أنّها تستمد قوّتها من الله. وكل ما تحتاجها يعود بالنفع لها وللآخرين. هي تدرك، ليس فقط كيف تحمل عبأها، بل أيضًا عبء الآخرين، وهي جديرة بذلك. فهي أعمدة نور على سُبُل الرب تعيش هي بالنور وتنشر النور حول الآخرين. تعيش في الأعالي وتعرف كيف تدلّ على الطريق الذين يعيشون في الأسفل وتساعدهم أن يبلغوا هم بدورهم إلى الأعالي.

839- يا يسوع أنت تعرف أنني لا أحسن الكتابة وفوق ذلك لا أملك ريشة جيدة. ويزداد تخديشها سواء، ممّا يضطرني أن أكتب الجُمَل حرفًا حرفًا. وليس هذا كله، يل يصعب عليّ أن أبقي ما أكتبه سرًا عن الراهبات، وأضطّر غالبًا أن أغلق الدفتر كل بضع دقائق لاستمع بصبر إلى رواية إحدى الراهبات، فأرجىء الوقت المخصص للكتابة. ولمّا أغلق الدفتر فجأة يلطّخ الحبر الورق. أكتب بإذن الرئيسات وبطلب من معرّفي. إنه لأمر غريب، تسير الكتابة أحيانًا على أفضل وجه. ولكن في غير مرّة أكاد لا أستطيع قراءة خطّي.

 23 كانون الأول1936.

840-أُمضّي هذا الوقت مع ام الله واستعدّ للزمن الإحتفالي لاستقبال الرب يسوع. تعلّمني أم الله حياة النفس الداخلية مع يسوع لاسيّما في المناولة المقدّسة. لن ندرك عظمة تأثير السرّ في المناولة المقدّسة إلّا في الأبدية وحدها. يا له من وقت ثمين في حياتي.

841- يا خالقي إنني أتوق إليك. أنت تفهمني يا سيدي. يبدو لي كل ما في الأرض ظلًا شاحبًا. أتوق إليك وحدك وأريدك. رغم أنك تبادلني هذا الشعور بشكل لا يدرك فتخصني بزياراتك. ولكنها لا تطرّي جروح قلبي بل تجعلني ازداد توقًا إليك يا سيدي. خذني إليك-يا رب-إذا كانت تلك مشيئتك. أنت تعلم أنني أموت وأموت توقًا إليك. غير أنني لا استطيع أن أفارق الحياة. أين أنت يا موت؟ تقودني إلى لجّة لاهوتك. تستر ذاتك بالظلمة. يستغرق كل كياني فيك، غير أني أريد أن أرى وجهك. فمتى يحين الوقت؟

842- جاءت الأخت غريزوستوم Ghrysostom تزورني اليوم حملت لي بعض الليمون الحامض والتفاح وشجرة صغيرة لعيد الميلاد. فرحت بهذا كلّه. طلبت الأم الرئيسة، من خلال الأخت كريزوستم، إلى الطبيب آدم سيلبرغ Siblerg أن يدعني أذهب إلى البيت في عيد الميلاد، فوافق حالًا. فرحت جدًا وأجهشت بالبكاء كطفلة صغيرة. تعجّبت الأخت كريزوستم من منظري الذي يدلّ على تفاقم مرضي وفرط تبدليّ وقالت لي : «أتعلمين، يا فوستينا الصغيرة، أنك على حافة الموت ربما. لا شكّ أنك تتألمين كثيرًا يا أختي». أجبتها : «إن ألمي ازداد هذا اليوم أكثر من أي يوم آخر. ولكن لا بأس طالما أن ألمي يعود إلى خلاص النفوس». يا يسوع الرؤوف أعطني نفوس الخطأة.

 24 كانون الأول 1936

843- طوال قدّاس اليوم كنتُ متحدة بشكل خاص مع الله ومع أمّه الطاهرة. لقد خالج نفسي تواضع ومحبّة العذراء الطاهرة. تزداد معرفتي بالله بازدياد اقتدائي بأمّه. آه! يا له من توق لا متناه يغمر نفسي. كيف يمكنك يا يسوع أن تتركني بعد في منفاي هذا. أموت شوقًا إليك. كلّما تلمسني، يتعمّق جرح نفسي. فالحب والألم يتماشيان. غير أنني لا أستبدل هذا الألم الذي تسببه لي بأي كنز، لأنه ألم السعادة التي لا تدرك ولأن يدًا مُحِبّة أدمت نفسي بهذه الجروحات.

844- أتت الأخت س… لترافقني بعد ظهر اليوم إلى البيت لتمضية الأعياد. كنتُ سعيدة باجتماعي مع الراهبات. بينما كنّا نسير في السيّارة من المدينة (كراكوف)، تخيلتُ مدينة بيت لحم. وبينما كنتُ ألاحظ كل هؤلاء الناس متسارعين فكرت: من يتأمّل اليوم بخشوع وصمت، وفي هذا السّر غير المدرك. أيتها العذراء الطاهرة، أنت مثلي، مسافرة اليوم. أشعر أن لِسَفر اليوم رموزه.
أيتها العذراء المتألقة، طاهرة كالبلور، مستغرقة بكاملك في الله، أقدّم لك حياتي الروحية. دبّري كل شيء حتى يكون كل عمل مرضيًا لإبنك. يا أمّي، كم أتمنّى بتوق أن تعطيني الطفل يسوع في قدّاس نصف الليل. وشعرتُ بحضور حيّ لله في أعماق نفسي، ممّا جعلني أستعين بكل قوة إرادتي لأحبس فرحي ولا أظهر للخارج ما كان يجول في داخلي.

845- قبل العشاء، في عشية الميلاد، دخلت إلى الكنيسة لبعض الوقت لأكسر روحيًا القربانة مع الذين هم أعزّاء إلى قلبي. قدّمتهم كلهم، بالإسم إلى يسوع، وطلبت لهم النِعَم من قبَلهم. ولم يكفِ هذا بل وأوكلتُ إلى الله كل المضطهدين والمتألمين والذين لا يعرفون اسمه، لاسيّما الخطأة المساكين.

يا يسوع الصغير أطلب إليك بحرارة، أشملهم كلهم في محيط رحمتك غير المدركة. يا يسوع الصغير والعذب: هوذا قلبي، إجعله مقرًّا صغيرًا ناعمًا لك. أيها الجلال اللامتناهي، بأية عذوبة تتقرّب منّا فلا خوف هنا من صواعق يهوه الكبير. هنا نجد الطفل يسوع العذب. هنا لا تخاف النفس رغم عظمتك لم تنقص، توارت. بعد العشاء شعرت بتعب مضنك وبألم. واضطررت أن أستلقي. ولكن سهرت مع الأم الكلّية القداسة منتظرة قدوم الطفل الصغير.

25 كانون الأول 1936

846- قدّاس نصف الليل. في القداس نفذ فيّ وجود الله واخترقني. قبل المناولة بقليل رأيت أم الله والطفل يسوع والرجل الشيخ [مار يوسف]. قالت لي الأمّ الكلية القداسة هذه الكلمات : «يا ابنتي، فوستينا، خذي هذا الكنز الأثمن». وأعطتني الطفل يسوع. لمّا أخذت الطفل بين ذراعي شعرتُ بفرح لا يوصف ولا أستطيع أن أعبّر عنه. ولكن، أمر غريب، بعد قليل تحوّل يسوع إلى الشخص ذي منظر مخيف، يافع ومتألم. ثم توارت الرؤية وحان وقت المناولة. ولمّا قبلت الرب يسوع في المناولة المقدّسة، إرتعدت نفسي تحت تأثير حضور الرب. في اليوم التالي  رأيت الطفل الإلهي لوقت قصير عند رفعة القربان.

847– في اليوم الثاني من العيد أتى الأب أندراز ليحتفل لنا بالذبيحة الإلهية. وفي القدّاس رأيت مجدّدًا الطفل الصغير. ذهبت بعد الظهر إلى الإعتراف. لم يعطني الكاهن أي جواب على بعض أسئلتي المتعلقة بهذا العمل. قال : «لمّا تسترجعين صحّتك سنتحدث عنه بتعابير عمليّة. أما الآن فحاولي أن تشفي تمامًا. أنت تعلمين أي توجيه تعملين به بما يتعلّق بالأمور الباقية وأيّ اتجاه تسيرين فيه». قال لي الكاهن أن أتلو السبحة التي علّمني إيّاها يسوع بمثابة كفّارة.

848- لمّا كنت أتلو السبحة سمعت صوتًا يقول : «آه! كم من نِعَم غزيرة سأهبُ النفوس التي تتلو هذه السبحة. تتحرّك أعماق رحمتي الحنونة من أجل الذين يتلون السبحة. أكتبي هذه الكلمات يا ابنتي، حدّثي العالم كلّه عن رحمتي فلتتعرّف البشرية كلها إلى رحمتي التي لا تُسبَر. فهي علامة لنهاية الأزمنة ثم يأتي يوم العدالة. طالما لم يداهمها الوقت بعد، فليسرعوا إلى ينبوع رحمتي. فليستفيدوا من الدم والماء الذين فاضا من أجلهم».

أيتها النفوس البشرية، أين ستختبئين يوم غضب الله؟ التجئي الآن في رحمة الله: آه! كم هي غفيرة الجماهير التي تعبد الرحمة الإلهية وستنشد ترنيمة المجد إلى الأبد.

27 كانون الأول

849- رجعت اليوم الى مكان عزلتي [غرفتها الخاصّة في المصح]. كانت الراحة سارّة ونحن مسافرين مع إحدى النساء التي كانت تحمل طفلها لتُعمّده. صعدتْ معنا في السيارة إلى كنيسة بودغورز Podgorze. وضعت الطفل في يديّ لتنزل من العربة. ولمّا قدّمته لله، بصلاة حارّة، حتى يستطيع يومًا ما أن يقدّم له تمجيدًا خاصًا. شعرتُ في داخلي أن الله يلقي عليّ هذه الطفل نظرة خاصة. لمّا وصلنا إلى برادفك، ساعدتني الأخت ن. على حمل حقيبتي. لمّا دخلت إلى غرفتيرأيت بطاقة تحمل رسم ملاك وكتب عليها «المجد لله…». أظنّ أنّها من الراهبة المريضة التي أرسلتُ لها شجرة الميلاد.

850- وهكذا إنتهت الفرصة. إنما لا شيء يُهدىء إنشقاق نفسي. أتوق إليك يا خالقي وإلهي الأزليّ. فلا الإحتفالات ولا الترانيم تطمئن نفسي، بل تزيدني توقًا. إن روحي تنطلق نحوك عند ذكر اسمك.

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق