102- فوستينا تشاهد الرب يسوع وترافقه في جميع آلامه حتى موته
1049- أنا في غاية السرور رغم أنني أصغر البشر ولن أبدّل شيئًا ممّا أعطاني إياه الرب. لا أريد أن أبدّل موقفي حتى مع ملاك ساروفيمي، بما يتعلق بمعرفتي الداخلية لله التي وهبني هو إياها. أن معرفتي الوديّة بالرب، لا سيّما عمق رحمته التي تغمرني بفيضها إلى حد لا يدركها كائن. أنا سعيدة بكل ما تعطيني إياه.
24 آذار 1937
أربعاء الآلام
1050- يتوق قلبي إلى الرب. أشتهي أن اتّحد به خوف ضئيل يخترق نفسي وفي الوقت نفسه نوع من اللهيب يشعل قلبي يتعانق الحبّ والألم في قلبي.
1051- شعرت بألم كبير في جسدي ولكن أشعر أن الله يسندني وإلّا لما أستطعت تحمّله.
1052- يا يسوع خاصتي، أضرع إليك من قبل الكنيسة كلها. أغدق عليها الحب ونور روحك وَهَبْ القوة لكلمات الكهنة حتى تتوب القلوب المتحجرة وتعود إليك يا رب. أعطنا يا رب كهنة قديسين. ثبّتهم انت في القداسة. أيها الكاهن الأسمى والعليّ، لترافقهم قوّة رحمتك في كل مكان واحمهم من فخاخ الشرير ومن الأشراك التي تُنصَب لأنفس الكهنة. فلتبدّد قوّة رحمتك وتزيل كل شيء قد يُلطّخ قداسة الكهنة لانك قادر على كل شيء.
25 آذار 1937
خميس الأسرار
1053- رأيت وقت القداس الرب الذي قال لي: «أحني رأسك إلى صدري واستريحي». وضمني يسوع إلى قلبه ثم قال:«سأعطيك جزءًا صغيرًا من آلامي ولكن لا تخافي ،تشجّعي، لا تفتّشي عن الراحة بل إقبلي كل شيء بالخضوع لإرادتي».
1054- لما غادرني يسوع، ملأت آلام مبرّحة نفسي ممّا يجعل التعبير عنها مستحيلًا. فارقتني قوتي الجسدية. تركت الكنيسة بسرعة وذهبت إلى النوم، ونسيتُ كل ما حدث حولي. وامتلأت نفسي توقًا إلى الرب وأُفضِيت عليّ كل مرارة قلبه الإلٰهي. دام ذلك ثلاث ساعات تقريبًا. طلبتُ إلى الرب أن يحميني من عين الذين هم حولي. لم أستطع أن أتناول طعامًا حتى المساء رغم أنني كنتُ أشتهي الأكل. إشتهيت بتوق أن أمضي الليل كله مع يسوع في ظلمة السجن في غرفتي.
صلّيت حتى الساعة الحادية عشرة وفي الحادية عشرة قال لي الرب: «تمدّدي واستريحي. جعلتُك تختبرين مدة ثلاث ساعات ما عانيته طوال الليل». وذهبت فورًا إلى فراشي. لم تبقَ لي أية قوة جسدية. لقد حرمني منها الألم تمامًا. كنت طوال هذا الوقت في حالة وَهن. اخترقت كل نبضة من نبضات قلب يسوع نفسي وكان لها صداها في قلبي. لو كانت هذه الآلام مرتبطة فيّ فقط لتألّمت أقلّ. ولكن لمّا نظرت إلى الذي أحبّه قلبي بكل قواه ورأيته يتعذب ولا أستطيع أن أخفف آلامه، ذاب قلبي حبًا ومرارة. كنت أنازع معه دون أن أستطيع مفارقة الحياة. غير أنني لن أبدّل هذا الاستشهاد بكل ملذّات العالم.
وفي غمرة هذه الآلام إزداد حبّي إلى أبعد حدّ. أعلم أنّ الله كان يسندني بقوته الالهية. وإلّا لما استطعت أن اتحمل دقيقة واحدة. لقد أخذنا معًا على عاتقنا، بشكل خاص، كل أنواع العذابات. ولا يدرك العالم بعد كم تالّم يسوع. رافقته إلى بستان الزيتون، بقيت معه في السجن. ذهبت معه أمام القضاة وتحمّلت معه كل عذاب. ولم يَفُتني أية حركة أو نظرة منه. وتوصّلت إلى معرفة كل قوّة حبه ورحمته نحو النفوس.
الجمعة 26 آذار 1937
1055- في الصباح شعرت فجأة في جسدي بألم جروحاته الخمسة. دام هذا الألم ثلاث ساعات. ولم يكن الألم أقل قساوة رغم أنه لم يترك اثرًا خارجيًا. أنا سعيدة بحماية يسوع لي من أعين البشر.
1056- في الساعة الحادية عشر قال لي يسوع: «يا قربانتي، أنت بسلم قلبي المتعذب». شعرت بعد هذه الكلمات أن قلبي يلتهب. وأدخلني في مودّة حميمة معه. فاقترن قلبي بقلبه بحبّ وثيق. فاستطعت أن أحسّ بأخفّ نبضات قلبه كما أحسّ هو أيضًا بنبضات قلبي. والتحمت نار حبّي الزمني بتأجج حبّه الأزليّ. وهذه النعمة تفوق باتساعها، كل باقي النِعَم. غمرني كليًّا كيانه الثالوثيّ فاكتمل استغراقي فيه. وإن حقارتي-على ما هي- تصارع هذا الأوحد السرمدي الكلي القدرة. إنني مستغرقة في حبّ لا يدرك وعذاب لا يُحَدّ بسبب آلامه. إنني أشاركه بكل ما يتعلق في كيانه.
1057- لقد جعلني يسوع، لغاية الآن، أعرف هذه النعمة وأتصوّرها أما اليوم فقد وهبني اياها. لا أجرأ حتى أن أحلم بها. كأنّ قلبي في اختطاف دائم رغم أنّ لا شيء يعكّر خارجيًا علاقاتي مع قريبي، ويشاركني في قضايا عديدة. لا شيء يستطيع أن يُعيق اختطافي كما لا يستطيع أحدٌ أن يشتبه به، لأنني طلبت إلى الرب أن يحميني من تحريّات البشر. ومع هذه النّعمة خالَجَ نفسي محيط من النور مُتيحًا لي فهم الله وذاتي. يسيطر عليّ الذهول كليًّا ويقودني إلى اختطاف جديد [ينبثق] من تنازل الله نحوي، أنا على ما عليه من ضعف.
1058- + الساعة الثالثة صلّيت من أجل العالم وأنا منبطحة بشكل صليب. لقد اقتربت نهاية حياة يسوع البشرية. سمعت كلماته السبع، ثمّ التفت نحوي وقال: «يا ابنتي، حبيبة قلبي، أنت عزائي في وسط آلامي المبرّحة».
1059- يأمرني يسوع أن أقوم بتساعية قبل عيد الرحمة وابدأها اليوم من أجل ارتداد العالم ومن أجل التعرّف إلى الرّحمة الألٰهيّة … «كي تمجّد كل نفس صلاحي. أتمنى أن تثق بي الخلائق. شجّعي النفوس على أن تضع ثقة كبيرة في رحمتي التي لا تُدْرَك. وبدّدي خوف النفس الضعيفة والخاطئة من الاقتراب منّي، لأنّها حتى ولو كان لها خطايا أكثر من حبات الرمل في العالم، ستغرق كلها في الأعماق اللامتناهية لرحمتي».
1060- لمّا اطلق يسوع نَفَسَه الاخير ذابت نفسي ألمًا وغبت عن ذاتي لوقت طويل. وجدتُ بعض الراحة في البكاء. لقد مات من أحبّه قلبي. هل يدرك أحدٌ حزني.
1061- سمعتُ عند المساء، من الإذاعة ترانيم ، أي المزامير ينشدها الكهنة أجهشت بالبكاء وتجدّدت كل الآلام في نفسي، وبكيتُ حزنًا، عاجزة عن أجد طمأنينة في هذا الألم. حينئذ سمعت صوتًا في نفسي: «لا تبكي، لقد توقّفت آلامي. ستكون ميتتك إحتفالية وسأرافقك إلى آخر ساعة لأنك رافقتني بأمانة في آلامي وموتي. يا جوهرة قلبي الحبيبة، إنّني أرى حبّك النقيّ، أكثر نقاوة من حب الملائكة. لاسيّما أنك تابعتِ الجهاد. لأجلك أبارك العالم. إنني أرى جهدك لأرضائي وهذا ما يبهج قلبي». بعد هذه الكلمات توقّفت عن البكاء، ولكن شكرت للآب السماوي إرساله لما ابنه وعمله لخلاص البشرية.