الدفتر السادس

145- (1779-1803) نهاية الدفتر السادس – الحديث الأخير مع الرب

مقصد الرياضة
الحديث الأخير مع الرب

1779- أشكر لك أيها الحبّ الأزلي، حنانك لي غير المدرك وإهتمامك أنت مباشرة بتقديسي. «يا ابنتي دعي هذه الفضائل الثلاث تزيّنك بشكل خاص: التواضع وطهارة النيّة والحبّ. لا تصنعي شيئًا أكثر مما أطلبه منك واقبلي كل شيء تقدّمه لك يدي. إسْعي إلى حياة تأمّل كي تتمكّني من سماع صوتي الذي هو عذب للغاية فلا تسمع تسمعه إلا النفوس المتخشّعة».

1780- لم أستطع الرقاد اليوم قبل نصف الليل لأنني كنت جدّ متأثّرة بتجديد النذورات غدًا. غمرَت عظمة الله كل كياني.

1781- إستيقظتُ صباحًا قبل الوقت المعتاد بكثير، وذهبت إلى الكنيسة لأستغرق في حبّ الله. قبل تقبّل المناولة المقدّسة حدّدتُ بالصمت نذورات الرهبانية. بعد المناولة غمرني حبّ الله واتّحدتْ نفسي بالروح القدس الذي هو واحد مع الآب والإبن. وملأ نفحه نفسي بسعادة فائقة فأضحى لا جدوى من محاولتي لإعطاء أيك فكرة ولو طفيفة عمّا شعر به قلبي. طوال النهار وحيثما كنتُ ومع من تحدّثت، رافقني حضور حيّ لله. وغرِقَتْ نفسي في صلاة الشكر عن كلّ هذه النِعَم العظمى.

1782- لمّا ذهبتُ اليوم إلى الجنينة قال لي الرب: «إرجعي إلى غرفتك لأنني سأكون هناك بانتظارك». وحالما رجعت رأيت الرب جالسًا إلى الطاولة ينتظرني. نظر إليّ بحنان وقال: «أريدك الآن أن تكتبي لأن هذه النزهة لا تتلاءم مع إرادتي». بقيت وحدي وفورًا بدأت بالكتابة.

1783- +لمّا استغرقتُ في الصلاة واتّحدتُ مع كل الذبائح الإلهية التي يحتفل بها في هذا الوقت في العالم كله، توسّلتُ إلى الله بشفاعة هذه الذبائح أن يرحم العالم، ولا سيّما الخطأة المساكين الذين ينازعون الآن. تلقّيتُ فورًا جوابًا داخليًا من الله أن ألوف النفوس قد نالت النعمة من خلال وساطة الصلاة هذه التي قدّمتها إليه. با نعلم عدد النفوس الموكلة إلينا كي نخلّصها بالصلاة والتضحيات، مع ذلك فلنصلّ دائمًا من أجل الخطأة.

1784– قال لي الرب اليوم اثناء محادثة طويلة: «كم أتمنّى خلاص النفوس، يا أمينة سرّي العزيزة، إكتبي انني أريد أن أسكب حياتي الإلهية في النفوس البشرية لأقدّسها إذا شاءت فقط أن تقبل نعمتي، وأن أكبر الخطأة سيبلغون إلى قداسة سامية، إذا وثقوا فقط في رحمتي. تطفح أعماق كياني الداخلية بالرحمة التي تحلّ على كل من خلقتُ. إن سروري هو أن أعمل في النفس البشرية وأملأها رحمة وأبرّرها. إن ملكي على الأرض هو حياتي في النفس البشرية. أكتبي، يا أمينة سرّي، أنني أنا المرشد الروحي للنفوس، وأرشدها بشكل غير مباشر من خلال الكاهن وأقود كل واحدة منها في طريق القداسة التي أعرفها أنا وحدي».

1785- زارتني اليوم الأم الرئيسة [إيرين] ولكن لوقت قصير. ولمّا نظرتْ حولها قالت: إن كل شيء هو جميل هنا. وهذا صحيح، تحاول الراهبات أن تجعل إقامتي في المصحّ مريحة. ولكن لا يُنقِص كل هذا الجمال تضحيتي التي يستطيع الله وحده أن يراها والتي لن تنقطع إلا عندما تتوقّف نبضات قلبي. لا جمال الأرض كَلِذِها حتى ولا جمال السماء يستطيع أن يخفي عذاب نفسي المتأصّل فيّ الآن ولو في أعماق داخلي. سينتهي هذا العذاب عندما أنت، يا سبب آلامي، تقول: «كفى». لن يستطيع شيء أن يضعف تضحيتي.

يوم الجمعة الأولى بعد عيد الجسد 17 حزيران 1938

1786- أشعر الآن، في يوم الجمعة بعد عيد الجسد، أن صحّتي تراجعت وفكّرت أن ما أتوق إليه قد إقترب. إعترتني حمّى عالية وتفلتُ كثيرًا من الدم في الليل. رغم ذلك ذهبت لأقبل الرب يسوع غير أنني لم أستطع البقاء في القدّاس. بعد الظهر هبطت حرارتي فجأة إلى درجة 35،8 مئوية. شعرتُ بغاية الضعف وكأن كل شيء في داخلي يموت. ولكن لمّا إستغرقت في صلاة عميقة أدركتُ أن وقت الخلاص لم يحنْ بعد، إنما كان ذاك نداء خطيبي المبشّر بالنهاية.

1787- لما اتلقيتُ بالرب قلتُ له: «أنت تخدعني يا يسوع، تريني باب السماء مفتوحًا وتتركني هنا على الأرض». فقال لي الرب: «عندما سترين في السماء هذه الأيام الحاضرة، ستفرحين بها وتريدين أن تري ما أمكنك من المزيد منها. أنا لا أعجب أنك لا تستطيعين فهم هذه الآن، يا ابنتي، لأن قلبك يطفح بالألم والحنين لي. يسرّني وعيك. ولتكفك كلمتي ولن يطول إنتظارك».

فوجدتُ نفسي مرة ثانية في المنفى. وأتحدّثُ بحبٍّ بإرادة الله مستسلمة لقراراته الرحومة.

1788- ترهقني الأحاديث في هذا المكان عن الشؤون العالمية وأكاد أغيب عن الوعي. وقد لاحظتْ الراهبات اللواتي تعتنين بي ذلك. فهو يظهر في الخارج.

1789- +رأيت اليوم مجد الله يطفح من الصورة. نفوس عديدة نالت النعم رغم أنها لا تتحدّث عنها علنًا. تلك الصورة هي مدعاة لتمجيد الله، رغم كل ما يحدث حولها من تغيّرات. لقد تشتّتت جهود إبليس وأعمال الناس الأشرار ولم تبلغ إلى نتيجة. رغم غضب إبليس فإن رحمة الله ستنتصر على العالم كلّه وستعبدها كل النفوس.

1790- لقد أدركتُ أن على النفس لا تتكّل على ذاتها كي يكتمل عمل الله فيها. وإلّا لن تتحقّق فيها إرادة الله.

1791- لمّا إقتربت عاصفة قويّة، بدأت بتلاوة السبحة. سمعتُ فجأة صوت ملاك: «لا أستطيع الإقتراب من هذه العاصفة لأن البرق المندلع من فمها يدفع بي مع العاصفة إلى الوراء». تلك كانت شكوى الملاك لله. أدركتُ حينئذ كم كانت ستُحدث تلك العاصفة من دمار. ولكن أدركت أيضًا أن صلاتي أرضت الله وأنّ السبحة تحمل معها قوّة هائلة.

1792- علمتُ أن إحدى النفوس ترضي الله كثيرًا وأنه رغم كل الاضطهادات قد خصّها بكرامة مرموقة وعالية. فاض قلبي فرحًا بذلك.

1793- إنّ أطيب الأوقات عندي هي تلك التي أمضيها بالحديث مع الرب في كنه كياني. أصنع جهدي لأحتفظ به وحده. وهو يرغب أن يبقى دائمًا معنا.

1794- +يا يسوع، الإله الأزلي، أشكرك على نعمتك وبركاتك التي لا تُحصى. ولتكن كل نبضة من نبضات قلبي أنشودة شكر لك يا الله. ولتسري كل نقطة من دمي لأجلك يا رب. إنّ نفسي هي نشيد عبادة لرحمتك. أحبّك يا الله من أجلك وحدك.

1795- يا إلهي، رغم أنّ آلامي قد طالت وفاقمت فإنني أقبلها من يديك يا الله كهبة فائقة. أقبلها كلها، وأقبل حى كل ما رفضته نفوس أخرى. يمكنك  أن تأتي إليّ مع كل شيء يا يسوع. فلن أرفض شيئًا منك. أطلب منك أمرًا واحدًا: أعطني القوّة كي أتحمّلها ولكي تكون جديرة بالمكافأة. ها هو كل كياني فافعل به ما يرضيك.

1796- رأيت اليوم قلب يسوع الأقدس في السماء وسط إشعاع متألّق. كانت الإشعاعات تنطلق من جرح [جنبه] وتنتشر في العالم كله.

1797– جاء إليّ الرب اليوم وقال لي: «ساعديني يا ابنتي على خلاص النفوس. ستذهبين إلى قُرب أحد المنازعين وستثابرين في تلاوة السبحة فتنالين له الثقة برحمتي. هو الآن على حافة اليأس».

1798- رأيت نفسي فجأة في فندق غريب حيث كان ينازع رجل في غمرة آلام مرهقة. تجمّع حول سريره جمهور من الشياطين، مع افراد عائلته الباكين. لمّا بدأت بالصلاة هربتْ أرواح الظلمة موجِّهة لي الصفير والتهديدات. إطمأن الرجل ومليئًا بالثقة رقد بالرب.

في الوقت ذاته وجدت نفسي في غرفتي.:: كيف حدث ذلك… لا أدري.

1799- + ي.م.ي. أشعر أن هناك كل قوّة تدافع عني وتحميني من هجمات العدو. هي تحرسني وتدافع عنّي. أشعر بها بوضوح وكأن ظلّ جناحيه يحميني.

1800- يا يسوع، أنت وحدك صالح. ولو حاول قلبي أن يقوم بجهد كبير ليكتب، ولو عن جزء من صلاحك، فلا استطاع، إلى ذلك سبيلًا، فهذا يفوق إدراكي.

1801- ذات يوم أعطاني الرب وقت القدّاس معرفة عميقة عن قداسته وعظمته. ورأيت في الوقت نفسه تعاستي. فرحتُ بهذه المعرفة واستغرقتْ نفسي كليًّا في رحمته. شعرتُ بفرح أبعد من أن يوصف.

1802- في اليوم التالي إستوعبت بوضوح معنى الكلمات التالية: «أترين، أن الله هو كلي القداسة، وأنت خاطئة. فلا تقتربي منه واذهبي إلى الإعتراف كل يوم».

بالواقع بدا لي كل ما فكّرتُ به خطيئة ولكن لم أهمل المناولة المقدّسة، وقرّرت أن أذهب إلى الإعتراف في الوقت المعيّن، إذ لم يكن لي مانع عن ذلك. ولكن لمّا إقترب يوم الإعتراف حضّرتُ مجموعة خطايا لأشتكي بها على نفسي. ولكن سمح الله لي في كرسي الإعتراف أن أشتكي على ذاتي بنقصين فقط رغم كل جهدي لأعترف وفق ما حضّرتُ. لمّا غادرت كرسي الإعتراف قال لي الرب: «كل ما حضّرت من خطايا لتعترفي بها ليست بالواقع خطايا في نظري لذلك أبعدتُ عنك إمكانية الإعتراف بها». فهمتُ حينئذ أن إبليس، بغية تعكير طمأنينتي، كان يضع فيّ أفكارًا مُبالَغًا بها. كم هو عظيم صلاحك يا مخلصي.

1803- كنتُ أتحضّر يومًا للمناولة المقدّسة، وشعرتُ أن ليس لديّ شيء أقدّمه له. سجدت على ركبتي طالبة منه الرحمة لنفسي الضعيفة: «فلتقوّني نعمتك المتدفّقة عليّ من رأفتك، في النضال والألم كي أثبت في الأمانة لك. ورغم كل حقارتي فلا أخشاك لأنني أعرف جيدًا رحمتك. لا شيء يخيفني فيبعدني عنك، يا إلهي، لأن كل شيء هو أقل بكثير مما أعرف [عن رحمتك] إنني أرى ذلك بوضوح».

(نهاية الدفتر السادس)

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق