فصل أخير

146- (1804-1828) «استعدادي للمناولة المقدّسة»

ي.م.ي
كراكوف في 10 كانون الثاني 1938
«استعدادي للمناولة المقدّسة»

الأخت ماري فوستينا: القربان الأقدس
جمعية راهبات سيّدة الرحمة

1804إنّ أسمى الأوقات احتفالاً في حياتي هو وقت أقبلُ المناولة المقدسة. أتوقُ إلى كلّ مناولة القربان المقدّس وأشكرُ الله الثالوث الأقدس عند كلّ مناولة مقدّسة.

لو تمكّن الملائكة من الحسد، لحسدونا على شيئين: الأوّل على تقبُّل المناولة المقدّسة، والثاني على الألم. 

1805- + أستعدُّ اليوم لقدومك كما تستعدُّ العروس لقدوم عريسها. عريسي هو ربٌّ عظيمٌ. لا تستطيع السموات احتواؤه، والملائكة الذين يقفون بالقرب منه يسترون أوجههم ويردّدون دون انقطاع (قدّوسٌ، قدّوسٌ، قدّوس). 

هذا الرب العظيم هو عريسي. فله تُنشِدُ الأجواق وأمامه تنحني العروش. تُكسَفُ الشمس من تألّقه. مع ذلك فهذا السيد العظيم هو عريسي. يتخلّى قلبي عن التأمل في كيف يعبده الآخرون. فلم يبقَ وقتٌ لذلك فهو آت وها هو يدقُّ على بابك. 

1806- 1) أخرجُ إلى لقائه. رفعني من التراب ودعاني، كعروسته، أن أجلس إلى قربه وأخبره عن كل شيء يجولُ في قلبي. وأنا، وقد اطمأنّيتُ إلى وداعته، أحني رأسي على صدره وأخبره عن كل شيء. أخبره أولاً عن أشياء لم أخبر بها أية خليقة، ثمّ أتحدّث إليه عن حاجات الكنيسة، عن النفوس الخاطئة المسكينة وعن حاجتها إلى رحمته. لكنّ الوقت يمرّ بسرعة. يا يسوع، عليّ أن أذهب وأقوم بواجباتي التي تنتظرني. يقول لي يسوع، إنّه لا يزال هناك بعض الوقت للوداع. وبعد تبادل نظرة عميقة، يبدو وكأنّنا افترقنا إلى حين، ولكن بالواقع لم نفترق أبداً. فإنّ قلبينا هما دائماً متّحدان. رغم أنّني أظهرُ مشتّتة الأفكار في مختلف واجباتي، فإنّ حضور يسوع يغرقُني دائماً في تأمل عميق. 

1807- 2)+ إنّ استعدادي لقدوم يسوع كان وجيزاً ولكن مطبوعاً في العمق بحبٍّ جيّاش. لقد خالجني حضور الرب وألهَبَ حبّي له. ليس لديّ من كلام، إنّما إدراكٌ داخليّ فقط. أغرقُ كليّاً في الله من خلال الحب. يقتربُ الرب من مقرّ قلبي. بعد قبول المناولة، بقي لدي قليلٌ من الوعي، ما يكفي لأعود إلى مسجدي. في الوقت نفسه ضاعت نفسي كلِّياً في الله ولم أعد أدركُ ما يجري حولي. لقد أعطاني الله معرفة داخلية لكيانه الإلهي. تلك هي أوقاتٌ قصيرة، ولكن في غاية الخشوع. تغادرُ النفس الكنيسة في تأمل عميق ويصعب حينئذ تشتيتها. في مثل هذه الأوقات أمشي وكأنني أَطَأُ الأرض بقدم واحدة. فلا تصعُب عليّ طوال النهار أية تضحية أو إماتة، فكل مناسبة تستدعي فعل حبّ جديد.

1808- 3) +دعوتُ اليوم يسوع إلى قلبي كحبّ، أنت الحبّ بالذات. تلتقطُ منك كل السماء لهيبها فتملأها بالحب. وهكذا تتوق إليك نفسي كما تتوق الزهرة إلى نور الشمس. أسرع يا يسوع إلى قلبي، لأنك تعلمُ أنّ قلبي يشتاقُ إليك كما تشتاقُ الزهرة إلى الشمس. إفتح كأس قلبي ليستقبل حبّك. 

1809- عندما أتى يسوع إلى قلبي، ارتعش كلُّ ما في نفسي بالحياة والدفء. خُذ الحب من قلبي يا يسوع وأدفِق فيه حبّك، هذا الحب المُحرِق والمتألّق والذي يعرفُ كيف يتحمّل كل تضحية ويعرفُ كيف ينسى ذاته كليًّا. تميَّز اليوم نهاري بتضحية.

1810- 4)+ أستعدُّ اليوم لقدوم الملك. من أنا ومن أنت يا رب يا ملك المجد الأبدي. أتُدرِكُ يا قلبي من هو آتٍ إليك اليوم؟ نعم أُدرِكُ. ولكن – يا للعجب – لا أستطيعُ أن أمسِكَ به. آه! لو كان هو مجرّد ملك، لكنّه هو ملك الملوك، وربّ الأرباب. ترتجفُ أمامه كل قوّة وكل سلطان. هو آتٍ اليوم إلى قلبي. ولكن أسمعه يقترب. أخرجُ إلى لقائه وأدعوه. لمّا وَلَجَ إلى مقرّ قلبي، كان قلبي قد امتلأ بوقار دفعني أن أسجُدَ عند قدميه مغميًّا عليّ من الخوف. مدّ إليّ يده وسمح لي بمودّة أن أجلس إلى جنبه، وطمأنني بهذا القول: «أنظري، لقد غادرتُ عرشي السماوي لأتّحد بِكِ. إنّ ما رأيتيه الآن ليس إلا جزءاً صغيراً وقد أغمِيَ عليكِ من فرط الحب. فكم سينذهل قلبلكِ عندما سترينني في كل مجدي؟»

1811 – «لكن ينبغي أن أقول لكِ، إنّ على الحياة الأبدية أن تبدأ هنا على الأرض من خلال المناولة المقدّسة. كل مناولة تجعلُكِ أكثر استحقاقاً للاتّحاد بالله طوال الأبدية».

وهكذا، يا ملكي، لا أطلبُ منك شيئاً رغم أنّني أعرف أنّه باستطاعتك أن تعطيني كل شيء. أطلب منك شيئاً واحداً. إبقَ دائماً ملك قلبي، فهذا يكفيني. 

1812- أجدّدُ اليوم فعل الطاعة لملكي بالأمانة إلى إلهاماتي الداخليّة. 

1813- 5)+ لن أُجهِدَ نفسي اليوم لأقوم باستعداد خاص. لا أستطيع أن أفكّر بشيء رغم أنّني أشعر بأشياء كثيرة. أتوقُ إلى الوقت الذي يأتي فيه الله إلى قلبي. أرمي بنفسي بين ذراعيه وأخبره عن عجزي وعن تعاستي. أُفضي له بكل آلام قلبي لأنّني لا أستطيع أن أحبّه كما أريد. أحرّكُ في داخلي أفعال الإيمان والرجاء والمحبة فأعيش منها طوال النهار. 

1814- 6)+ استعدادي اليوم هو وجيز. كاد فعلُ إيمان قويّ وحيّ يمزّق حجاب حبّي. اخترق حضور الله قلبي كما يخترق شعاع الشمس البلّور. حالما قبِلتُ الرب ذاب كل كياني فيه. يسيطر عليّ الذهول والعجب عندما أرى عظمة الله الفائقة تتنازل إليّ أنا التعاسة بالذات. يتفجّرُ حينئذ في قلبي عرفان جميل فائق لكل النِّعَم التي أغدقها عليّ ولا سيّما نعمة دعوته إيّاي لخدمته هو وحده. 

1815- 7)+ أريدُ اليوم أن أتّحد في المناولة، بيسوع، قدر ما أستطيع – من خلال الحب. أتوقُ إلى الله بشوقٍ عميقٍ حتى يبدو أنّ الوقت الذي يعطيني فيه الكاهن المناولة المقدّسة لن يحين أبداً. تقع نفسي في شبه غيبوبة بسبب تَوْقي إلى الله.

1816- لمّا قبلتُهُ في قلبي، تمزّق حجابُ الإيمان. رأيتُ يسوع وقال لي: «يا ابنتي، إنّ حبّك يعوّضُ عليّ عن عديد من النفوس الفاترة». بعد هذه الكلمات، بقيتُ وحدي مرّة أخرى ولكن أمضيتُ النهار بكامله في فعل تعويض متواصل. 

1817- 8)+ أشعرُ اليوم بلجّة تعاسة في نفسي. أريدُ أن أقترب من المناولة المقدّسة كما من ينبوع رحمة وأُغرِقُ ذاتي كليًّا في بحر الحب هذا. 

لمّا قبلتُ يسوع، رميتُ بنفسي عليه كما في لجّة رحمةٍ لا تُقاس. وازدادت ثقتي به بقدر ما ازداد شعوري بحقارتي. أمضيتُ النهار كلّه في هذا التواضع. 

1818- 9) + إنّ لنفسي اليوم استعدادُ طفلة صغيرة. أتّحدُ بالله كما تتّحدُ الطفلة بأبيها. أشعرُ تماماً كأنني ابنةٌ لله. 

1819- لمّا قبلتُ المناولة المقدّسة، حصلتُ على معرفةٍ أكثر عمقاً بالآب السماوي وبأبوَّتِهِ بالنسبة إلى النفوس. أعيشُ اليوم ممجِّدةً الثالوث الأقدس. أشكر الله على أنّه تنازل وتبنّانا كأولاده من خلال النعمة. 

1820- 10) + أريدُ أن أتحوّل اليوم كليًّا إلى حبّ يسوع، وأن أقدّم ذاتي معه إلى الآب السماويّ. رأيتُ وقت القداس الطفل يسوع في الكأس وقال لي: «إنني أستقِرُّ في قلبِكِ كما ترينني في الكأس». 

1821- بعد المناولة المقدّسة شعرتُ بنبضات قلب يسوع تتردّد في قلبي. رغم أنّني كنتُ أدركُ منذ زمن بعيد أنّ المناولة الأولى تتواصلُ فيّ حتّى المناولة التالية. إنني أعبُدُ اليوم يسوع – وطوال النهار – في قلبي، طالبة إليه – أن يحمي بنعمته الأولاد الصغار من الشرّ الذي يهدّدهم. أشعر أنّ حضوراً حيًّا لله يتتابعُ حتّى في جسدي، طوال النهار، ودون أن يتعارض أبداً مع واجباتي.

1822- 11) + أرغبُ اليوم أن أُظهرَ، بشكل خاص، حبّي ليسوع. لمّا دخل يسوع إلى قلبي رميتُ بذاتي على قدميه، باقة ورد. أريدُ أن يصعد عبيرُ حبّي، بتواصل، إلى أقدام عرشك. أترى يا يسوع، إنّني أقدّمُ لك في باقة الورد هذه كلّ قلبي، ليس فقط الآن، وقلبي ملتهب مثل فحمة مشتعلة، ولكن أيضاً طوال النهار عندما أعبّر لك عن حبّي بالأمانة إلى نعمتك الإلهية. سألتقط اليوم بسرعة كل الصعوبات والآلام التي تصادفني وأرميها كباقات ورد على أقدام يسوع. ولا همّ إذا يديّ نزفت أو بالأحرى نزف قلبي دماً… 

1823 – 12) + تستعدُّ اليوم نفسي لقدوم مخلّصي الذي هو الحب والصلاح بالذات. تعذّبني التجارب والاضطرابات ولا تدعني أستعدّ لمجيء الرب. غير أنّ رغبتي في استقبالك تزداد تأجّجاً لأنّني أعلمُ أنّك عندما تأتي ستخلّصني من هذه العذابات. وإذا كانت إرادتك أن أتعذّب، فلا بأس، قوّني في النضال. 

يا يسوع المخلّص الذي تنازلتَ لتأتي إلى قلبي، أبعِدْ عني هذه الاضطرابات التي تمنعُني من التحدّث إليك. أجابني يسوع: «أريدُكِ أن تُصبحي مثل فارسٍ متمرّسٍ في النضال، يستطيع أن يُسدي بالأوامر إلى الآخرين وسط القنابل المتفجّرة. كذلك ينبغي أن تتعلّمي يا ابنتي أن تسيطري على ذاتك في غمرة أشدّ الصعوبات وأن لا تدعي شيئاً، حتّى سقطاتك، تُبعِدُكِ عني». 

أمضيتُ طوال النهار، اليوم أعارِكُ ضدّ صعوبة تعرفها أنت يا يسوع… 

1824- 13) + يرتعشُ قلبي اليوم فرحاً. أرغبُ بشدّة أن يأتي يسوع إلى قلبي. إنّ قلبي المتلهّف يتأجّجُ بحبٍّ متزايدٍ أبداً… 

لمّا جاء يسوع رميتُ بنفسي بين يديه مثل طفلة صغيرة. أخبرتُه عن فرحي. استمَعَ يسوع إلى فيض حبّي. لمّا طلبتُ السماح من يسوع عن عدم استعدادي لقبول المناولة المقدّسة، وقد أمضيتُ الوقت في التفكير في التنعّم بهذا الفرح قدر مستطاعي، أجابني: «يطيبُ لي مثل هذا الاستعداد الذي قبلتيني فيه داخل قلبك. أخصُّ اليوم فرحكِ بالبركة فلا يستطيع شيء أن يعكّره طوال النهار». 

1825- 14) + تستعدُّ اليوم نفسي لمجيء الرب القادر على كلّ شيء، وعلى أن يجعلني كاملة وقدّيسة. أستعدُّ باهتمام بالغٍ لاستقباله، ولكن تواجهني صعوبة: كيف أقدّمُ له هذا الاهتمام؟ أبعدْتُها فوراً [هذه الصعوبة] سأقدّمه له مثلما يُمليه عليّ قلبي. 

1826- لمّا قبِلتُ يسوع في المناولة المقدّسة صرخ قلبي بكلّ قوته: (يا يسوع حوّلني إلى قربانة أخرى. أريدُ أن أكون لك قربانة حيّة. أنت سيّدٌ عظيمٌ وكلِّيُّ القدرة. بإمكانكَ أن تهبني هذه النعمة). أجابني الرب: «أنتِ قربانة حيّة مرضية للآب السماوي، ولكن فكّري: ما هي القربانة؟ تضحية. وبعد؟…». 

يا يسوع، إنّني أفهمُ معنى القربانة ومعنى التضحية. أرغبُ أن أكون أمام عظمتك قربانةً حيّة، أي تضحية حيّة تشتعلُ كل يوم إكراماً لك. 

عندما تبدأ قواي أن تضعف، تشجّعني القربانةُ المقدّسة وتقوّيني. أخاف بالواقع من اليوم الذي لا أقبلُ فيه المناولة المقدّسة. تستقي نفسي قوّة مذهلة من المناولة المقدّسة. 

أيتها القربانة الحية، نور نفسي. 

1827- 15) + تستعدُّ نفسي اليوم للمناولة المقدّسة استعدادها لحفل زواج، حيث يشعُّ كل المشاركين بجمالٍ لا يوصف. لقد دُعيتُ أنا أيضاً إلى هذه الوليمة، ولكن لا أرى الجمال في داخلي بل بالأحرى لجّة تعاسة. ورغم شعوري بأنّني غير مستحقّة أن أجلس إلى تلك الطاولة، سأنسَلُّ تحت الطاولة على أقدام يسوع وأطلبُ منه كِسَرَ الخبز المتساقطة منها. سأقتربُ منك يا يسوع وأنا على معرفة برحمتكَ، لأنّني سأتخلّصُ من تعاستي قبل أن تنضب رأفةُ قلبِكَ. لذا سأمضي طوال النهار في تنمية ثقتي بالرحمة الإلهية. 

1828- 16) + تحيطُ بي اليوم عظمة الرب. وما من طريقة أفضل للاستعداد. يلفّني حضور الله كليًّا. وإنّ نفسي تلتهبُ بحبّه. أعرف شيئاً واحداً وهو أنّني أحبُّ الله وهو يحبّني، وهذا يكفيني. أحاولُ أن أصنعَ جهدي لأكون أمينة طوال النهار إلى الروح القدس، وأن ألبِّي طلباته. أحاول قدر المستطاع أن أحفظ الصمت الداخلي لأتمكّن من سماع صوته.

إنتهى بنعمة الله كتاب «الرحمة الإلهية في داخلي»
يوميات القديسة ماريا فوستينا كوالسكا

الوسوم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق