1449- أهلًا بك أيتها السنة الجديدة التي سيتم فيها كمالي، شكرًا لك سلفًا، يا ربي، على كل ما سترسله لي جودتك. شكرًا على كأس الألم التي سأشرب منها كل يوم. فلا تخفّف مرارتها، يا رب، بل قوّ شفتاي حتى تستطيع، عندما تشرب منها، أن تبتسم لحبّك لي معلّمي. أشكرك على تعازيك التي لا تُحصى وعلى نِعمك الي تتدفّق عليّ كل يوم مثل ندى الفجر، بهدوء وخفية، فلا تلاحظها عين حشريّة ولا يعرف بها إلا أنت وأنا وحدنا يا رب. أشكرك على ذلك منذ الآن، لأن قلبي سيكون عاجزًا أن يؤدّي لك الشكر عندما تقدّم لي يداك هذه الكأس.
1450- لذا أستسلم اليوم كليًا، برضى مُحبّ، إلى إرادتك المقدّسة، يا رب، وإلى كل قراراتك الحكيمة. المليئة دائمًا بالرأفة والرحمة لي، رغم أنني لا أستطيع أحيانًا أن أفهمها أو أقيسُها. يا معلمي، أخضع لك كليًّا، أنت سارية نفسي. وجّهها أنت حسب رغباتك الإلهية. أخبّىء ذاتي في قلبك الكلّي الرأفة، أنت بحر المراحم الذي لا يُقاس.
1451- + أنهيتُ السنة القديمة بالألم، كذلك أبدأ السنة الجديدة بالألم أيضًا. قبل آخر السنة بيومين اضطررتُ أن ألازم الفراش. شعرتُ أن صحتي قد تدهورت وقد أضعفني سعال حادّ، ومع ذلك قد دفع بي الألم المتواصل في أحشائي والغثيان إلى حدّ التلاشي. رغم أنني لم أتمكن من المشاركة في الصلاة الجماعية، قد أتحدّت بالروح مع كل الراهبات. لمّا أستيقظن الساعة الحادية عشرة ليلًا ليسهرن ويستقبلن السنة الجديدة، كنتُ أتضوّى نزاعًا منذ المساء وإلى غاية نصف الليل. ضمّيت آلامي إلى صلوات الراهبات الساهرات في الكنيسة يكفّرن عن إهانات الخطأة.
1452- لمّا دقت الساعة الثانية عشرة زادت نفسي استغراقًا في التأمّل، وسمعتُ هذا الصوت في داخلي: «لا تخافي، يا طفلتي الصغيرة، لستِ وحدك. ناضلي بشجاعة فآن ذراعي تساعدك. ناضلي من أجل خلاص النفوس وحثّيها على الثقة برحمتي، هذه هي مهمّتك في هذه الحياة وفي الحياة العتيدة». بعد هذه الكلمات، أعطيتُ معرفة أكثر عمقًا بالرحمة الإلهية. تهلك النفس إذا ما أرادت هلاكها لأن الله لا يشجب أحدًا.
1453- اليوم هو عيد رأس السنة. شعرتُ بضعف عند الصباح وتدبرتُ أمري بصعوبة لأذهب إلى الغرفة المجاورة وأقبل المناولة المقدّسة. لم أستطع الذهاب إلى القداس بسبب إشتداد مرضي. وصلّيت فعل الشكر في سريري. كم تمنّيتُ أن أذهب إلى القداس ثم الإعتراف عند الأب أندراز. ولكن مرضي منعني من الإثنين معًا. هذا ممّا ضاعف ألم نفسي.
بعد الترويقة جاءت الأخت الممرّضة الأخت كريستوتوم وسألتني: «لما لم تذهبي إلى القداس، يا أختي؟» أجبتها أنني لم أستطع. هزّت رأسها باحتقار وقالت: «ألا تحضري القداس في مثل هذا العيد الكبير؟» وغادرت غرفتي. لازمت الفراش طيلة يومين، وأنا أكتب بألم، ولم تزرني أبدًا. ولمّا عادت في اليوم الثالث، لم تسألني لماذا لم يكن باستطاعتي أن أنهض بل سألت بغضب لماذا لم أنهض إلى القداس. لمّا كنت وحدي حاولت أن أنهض ولكن اعتراني المرض مجددًا وبقيت في الفراش مرتاحة الضمير. غير أنّ في قلبي أشياء كثيرة ليقدّمها للرب، متحدًا به روحيًا طوال القداس الثاني. وبعد القداس الثاني، عادت إليّ الأخت الممرّضة ولكن هذه المرّة بصفتها ممرّضة ومعها ميزان الحرارة. ولكن لم يكنّ لي حرارة رغم أنني كنت مريضة جدًا غير قادرة على النهوض. وكان لها خطاب آخر تمليه عليّ وهو أنه لا يجب أن ننهزم أمام المرض. فأجبتها أنني أعلم أن في هذا الدير، لا يُعتبر مريضًا حقًّا إلّا من كان في نزاعه الأخير. ولمّا أدركت أنها على استعداد أن تملي عليّ خطابًا آخر أجبتها أنني لستُ في الوقت الحاضر بحاجة إلى من يحثّني على مزيد من الغيرة. وبقيت، مرة ثانية، وحدي في الغرفة.
سحق الألم قلبي وغمرت المرارة نفسي فردّدت هذه الكلمات: «أهلًا بك أيتها السنة الجديدة، أهلا بك يا كأس المرارة. يا يسوع، يتوق قلبي إليك بينما تمنعني شدّة ألمي من الإشتراك جسديًا بالصلاة الجماعية، وأتّهم بالكسل. لذا يتفاقم ألمي». بعد الغذاء زارتني الأم الرئيسة [إيرين] لوقت قصير وغادرت حالًا. عزمتُ أن أسألها أن يأتي الأب أندراز إلى غرفتي ليسمع اعترافي ولكن تراجعت عن هذا الطلب لسببين: أولا: لا أعطي مجالًا للتأفف كما حصل سابقًا بالنسبة إلى الذبيحة الإله ية، وثانيًا: لأنني كنتُ عاجزة عن الإعتراف. وشعرتُ كأنني سأفيض دمعًا مثل طفلة صغيرة. بعد قليل أتت إحدى الراهبات ووبّختني من جديد: «هناك بعض الحليب الممزوج بالزبدة في الفرن فلما تشربينه؟» أجبتها: «لم يكن أحد هنا ليناولني إياه».
1454- +عند حلول الليل إزدادت آلامي الجسديّة وقد أضيفت إليها الآلام المعنويّة. ألم وظلمة. جعلني هدوء الليل المهيب أتألّم بحريّة. كان جسدي ممدّدًا على خشبة الصليب ومزّقني ألم مخيف حتى الساعة الحادية عشرة. ذهبت بالروح إلى بيت القربان وفتحت الحِقُّ، أحنيتُ رأسي على حافة الكأس وفاضت دموعي بصمت نحو قلبِ الذي وحده يفهمُ معنى الوجع والألم. واختبرت حلاوة هذه الآلام واشتهت نفسي عذوبة النزاع الذي لا أستبدله بكل كنوز الأرض. أعطاني الرب قوة الروح والحب اللذين تسبّبا بآلامي. كان ذلك اليوم الأول من السنة.
1455- شعرتُ أيضًا بهذا اليوم بصلاة إنسان طيّب [ربما الأب سوبوتشيكو أو الأب أندراز] كان يصلّي من أجلي ويعطيني بالروح، بركاته الكهنوتيّة. تجاوبت معه بدوري بصلاتي الحارّة.
1456- + أيها الرب الكلّي العذوبة، إن رحمتك لعظيمة، أنت يا من تحكم على كل إنسان حسب ضميره ومعرفته، لا حسب أقوال البشر. تزداد روحي إبتهاجًا بحكمتك وغذاء منها، وقد إزدادت معرفتي عمقًا بهذه الحكمة. وهذا ما يظهر لي أكثر فأكثر إتساع رحمتك. إن نتيجة كل هذه المعرفة في نفسي، هي تحوّل كياني إلى شعلة حبّ لك يا إلهي.
1457- 27 كانون الثاني 1938. بينما كنتُ أستعدّ اليوم للمناولة المقدّسة طلب إلي يسوع أن أكتب أكثر، لا عن النِعم التي وهبني إياها، بل أيضًا عن الأمور الخارجية وذلك في سبيل تعزية النفوس.
1458– +بعد آلام تلك الليلة، لمّا دخل الكاهن [الأب ماتزنجر Matzanger] إلى غرفتي ومعه الرب يسوع، ملأ هذا الأنعام كل كياني حتى شعرتُ أنه لو طال تأخّر الكاهن لوثب يسوع من يده ليأتي إلى ملاقاتي.
1459- بعد المناولة المقدّسة قال لي الرب: «لو لم يحملني الكاهن إليك لأتيتُ وحدي تحت الأشكال نفسها. إن آلامك هذه الليلة، يا ابنتي، قد نالت نعمة الرحمة لعدد كبير من النفوس».
1460- +«يا ابنتي، لي شيء أقوله لك». أجبته «قله يا يسوع فإنني عطشى إلى كلامك». «لقد استأتُ من عدم طلب الأب إندراز، بسبب تذمّر الراهبات، ليستمع إلى إعترافك. إعلمي أنك، قد أعطيتِهنّ بذلك، سببًا أكبر للتذمر». طلبت بكل تواضع المسامحة من الرب. يا إلهي، وبّخني ولا تتعامى عن أخطائي ولا تدعني أضلّ.
1461– +لمّا يَساءُ فهمي وتضطرب نفسي أريد أن أبقى معك وحدك لبعض الوقت. حديث المائتين لا يقوّيني. لا ترسل إليّ، يا رب، مثل هؤلاء الرسل الذين يتحدّثون فقط عن أنفسهم ويفوهون بما تملي عليهم أطباعهم. هؤلاء المعزّون يتعبونني.
1462– 6 كانون الثاني 1938. لمّا حمل إلى اليوم الكاهن [ الأب تيودور] الرب يسوع، انطلق نور من البرشانة وثقب قلبي وملأني بنار حب عميق. علّمني يسوع أنه ينبغي عليّ أن أتجاوب مع إلهامات النعمة بإيمان أقوى وأن أكون أكثر وعيًا وانتباهًا.