الدفتر الخامس

127- محادثة الله الرحوم والنفس الساعية إلى الكمال والنفس الكاملة

 محادثة الله الرحوم والنفس الساعية إلى الكمال

1488- يسوع: «إنني سعيد بجهودك أيتها النفس الساعية إلى الكمال، ولكن لماذا أراك غالبًا حزينة ويائسة. قولي لي يا ابنتي، ما معنى هذا الحزن وما هو سببه».

النفس: «يا رب، إن سبب حزني هو أنني، رغم كل مقاصدي الصادقة، أرتكب مجددًا بعض الأخطاء. أقوم بمقاصد عند الصباح ولكن عند المساء أرى كم كنتُ بعيدة عنها».
يسوع: «أترى، يا ابنتي، من أنت بحدّ ذاتك؟ إنّ سبب سقوطك هو أنك تتكّلين كثيرًا على ذاتك، وقلّ ما تتكّلين عليّ. فلا تدعي ذلك يحزنك كثيرًا. أنتِ تتعاملين مع إله الرحمة الذي لا تُتعبه حقارتك. تذكري أنني لم أوزع عددًا محدودًا من الغفرانات».
النفس: «نعم أعرف ذلك كله ولكن تعترضني تجارب كبيرة وتستيقظ فيّ شكوك متنوّعة وفوق كل ذلك، كل شيء يغضبني ويهبط عزيمتي».
يسوع: «إعلمي يا ابنتي أن أكبر العوائق في طريق القداسة هو القنوط والقلق المتزايد. هذا ما يمنعك من المقدرة على ممارسة الفضيلة. لا ينبغي أن تُعكّر سلامك الداخلي ولو لوقت قصير، كل التجارب متجمّعة. الإنفعال واليأس هما ثمرة حب الذات.
لا يجب أن تيأسي، بل دعي حبّي يحلّ محلّ حبّ ذاتك. ثقي يا ابنتي، تشجعي من طلب المسامحة لأنني مستعد دائمًا أن أغفر. أنت تمجّدين رحمتي كل مرة تطلبين المسامحة».
النفس: «إنني أدرك ما هو العمل الأفضل الذي يرضيك أكثر. ولكن أصادف صعوبات كثيرة للعمل بهذا الإدراك».
يسوع: «يا ابنتي، إن الحياة على هذه الأرض هي بالواقع عراك مستمرّ، عراك شَرس من أجل ملكوتي. ولكن لا تخافي لأنك لستِ وحدك. إنني أساعدك دائمًا)) فاتّكلي عليّ في معركتك غير خائفة من شيء. خدي وعاء الثقة واستقي لكِ من ينبوع الحياة، ولكن للنفوس الأخرى أيضًا، لاسيّما تلك التي تشكّ بوجودي».
النفس: «يا رب، أشعر أن قلبي يمتلىء من حبك وأن أشعة رحمتك تنفذ إلى داخلي. سأسير عملًا بأوامرك، سأسير لأربح النفوس. أنا مستعدة، بعون نعمتك أن أتبعك يا رب، ليس فقط إلى جبل طابور بل إلى الجلجلة أيضًا. أرغب أن أقود النفوس إلى نبع رحمتك حتّى يَشعّ فيها بهاء رحمتك، ويقتظ البيت الوالدي بساكنيه. وعندما يبدأ العدو محاربتي سألتجىء وراء درع رحمتك».

محادثة الله الرحوم والنفس الكاملة.

1489- «النفس: أريد يا سيدي ومعلّمي أن أتحدث معك».
يسوع: «تكلّمي يا ابنتي العزيزة إنني أصغي دائمًا إليك. إنني أنتظرك. ماذا تريدين أن تقوليه لي».
النفس: «دعني أولًا يا رب، أسكب قلبي على أقدامك ماسحة إياها بطيب الشكران، للبركات الغزيرة التي أغدقتها عليّ. ولو حاولت أحصائها فلا أستطيع ذلك. أذكر فقط أنه لم تمرّ دقيقة واحدة من حياتي دون أن أختبر فيها حمايتك وصلاحك».
يسوع: «يسرني كلامك ويفتح شكرك أبواب كنوز جديدة للنعم. ولكن يا ابنتي، فلنتحدث بالتفصيل عن شؤون تكمُن في قلبك فلنتحدّث بثقة وصراحة كقلبَين يحبّ أحدهما الآخر».
النفس: «أيها السيد الرحوم، هناك أسرار عديدة في قلبي لا يعرفها ولن يعرفها أحد سواك. لأنني ولو أردتُ أن أكشف عنها فلا أحد يفهمها. إن كاهنك يعرف بعضًا منها لأنني أعترف له، غير أنه يعرف شيئًا قليلًا من هذه الأسرار التي أستطيع الكشف عنها. أما ما تبقى، يا رب، فهو بيننا وحدنا مدى الأبدية. لقد غطيتني برداء رحمتك غافرًا لي خطاياي. لم أرفض مرة واحدة مغفرتك. لقد ترأفت دائمًا عليّ واهبًا لي حياة جديدة للنعمة. لقد عهدت بي، كي أتفادى الشكوك، إلى العناية المحبّة لكنيستك، تلك الأم الحنونة التي تؤكّد لي بإسمك حقائق الإيمان وترعاني كي لا أضلّ. إن نفسي تلقى لا سيما في محكمة رحمتك بحرا من النعم، رغم أنك لم تعطِ إلى الملائكة الضالين الوقت ليتوبوا ولم تمدّد وقت الرحمة. يا رب لقد أمّنت كهنة قديسين ليدلّونا على الطريق الأكيد».
«يا يسوع- هناك سرّ آخر في حياتي وهو أقرب الأسرار وأعزّه إلى قلبي: هو أنت بالذات لمّا تأتي إلى قلبي تحت شكل الخبز. هنا يكمن كل سرّ قداستي. هنا يتحدّ قلبي بقلبك ليؤلف قلبًا واحدًا. ليس هنا من أسرار لأن كل ما هو لك هو لي أيضًا وكل ما هو لي هو لك. تلك هي قوّة وآية رحمتك. لا تستطيع كل ألسنة البشر والملائكة أن تجد الكلام المناسب للتعبير عن سرّ محبتك ورحمتك».
«ولمّا أتأمل في هذا السرّ ينخطف قلبي مجددًا. وصامتة أقول لك كل شيء، يا سيّد، لأن لغة الحب لا تحتاج إلى كلام فلا تخفى عنك نبضة واحدة من قلبي يا سيد، إن سعة تنازلك العميق، أيقظ فيّ حبًا أكبر لك، أنت وحدك موضوع حبّي. تُعلن حياة الوحدة عن ذاتها بالطهارة الكاملة، بالتواضع العميق وبالصمت الهادىء وبغيرة متّقدة لخلاص النفوس».
«يا سيدي الكلي العذوبة، إنك تحرسني في كل لحظة وتلهمني كيفية التصرف في المناسبة ذاتها عندما يتأرجح قلبي بين أمرين. أنت بالذات تتدخّل غالبًا في حلّ أية صعوبة. ومرات لا تحصى، قد تجعلني أدرك بإلهام مفاجىء ما هو أكثر إرضاء لك».
«آه! كم هي عديدة مناسبات المسامحة التي لا يعرف عنها شيئًا. وكم من مرة أغدقت في نفسي الشجاعة والمثابرة لأسير قدمًا. أنت بالذات أزلت الحواجز من طريقي، متدخلًا مباشرةً بأعمال البشر. يا يسوع، ليس كل ما قلته لك إلّا ظلًّا شاحبًا عمّا يجول في قلبي. يا يسوع خاصتي! كم أتمنّى أن يرتدّ الخطأة. أنت تعلم ماذا أصنع لهم لأربحهم إليك. كل إهانة لك تجرحني في العمق. فلا أوفّر لا قوّة ولا حجّة ولا الحياة نفسها لأدافع عن ملكوتك. رغم أن مساعي تبقى متسترة هنا على الأرض فهي لا تقلّ بذلك قيمة في عينيك».
«يا يسوع، أريد أن أجلب النفوس إلى نبع رحمتك حتى تستقي مياه الحياة المنعشة بوعاء الثقة. على النفس الراغبة في المزيد من رحمة الله أن تقترب منه بثقة أكبر. وإذا لم يكن من حدود لثقتها بالله، كذلك لن يكون حدود لرحمة الله نحوها. يا إلهي، يا من يعرف كل نبضة من نبضات قلبي، أنت تعلم كم أتوق أن تخفق لك وحدك كل القلوب، كي تمجّد كل نفس عظمة رحمتك».
يسوع: «يا ابنتي الحبيبة، سعادة قلبي، إن كلماتك هي أعزّ إلى قلبي وأكثر إرضاء لي من أجواق الملائكة. كل كنوز نفسي هي مفتوحة لك. خذي من هذا القلب كل ما تحتاجينه لك وللعالم كله. من أجل حبّك، لقد أبطلتُ القصاص العادل الذي تستحقّه البشرية. يسرّني فعل واحد بحبٍّ صافٍ أكثر من آلاف الصلوات الناقصة. إن تنهيدة حب واحدة تكفّر عن إهانات عديدة يرهقني بها الملحدون. إن أصغر فعل فضيلة له قيمة متناهية في عيني، بفضل حبّك الكبير لي. أسكن في النفس التي تحيا بحبي وحده كما أملك في السماء. احرسها ليلًا نهارًا وفيها أجد سعادتي تصغي أذناي إلى كل طلبات قلبها وغالبًا ما وإسبق هذه الطلبات. أيتها الطفلة، التي أخصّها بحبّي، يا تفّاحة عينيّ، إبقي قليلًا قرب قلبي وتذوّقي من الحبّ الذي ستنعمين به مدى الأبدية كلها».
«ولكن يا ابنتي، لمْ تَصِلي بعد إلى البيت الأم، لذا سيري، مستقوية بنعمتي وجاهدي من أجل ملكوتي في النفوس البشرية، جاهدي كما يتوجّب على ابنة الملك واعلمي أن أيام منفاك ستمرّ بسرعة وتنالين منها إمكانية كسب المكافأة في السماء. أنتظر منك، يا ابنتي، عددًا كبيرًا من النفوس التي ستمجّد رحمتي مدى الأبديّة كلّها. يا طفلتي، إقبليني كل يوم في المناولة، حتى تتمكّني من الجواب على دعوتي باستحقاق وسأعطيك القوّة».
«يا يسوع لا تتركني وحدي أتألم. أنت تعلم يا يسوع، كم أنا ضعيفة. أنا لجّة حقارة، أنا اللاشيء بالذات. لذا كم أستغرب أن تتركني وحدي وأسقط؟ أنا طفلة، يا سيدي، لذا لا أستطيع تدبير أمري وحدي. ولكن رغم كلِّ تخلٍّ عني، إنني أثق. ورغم شعوري، إنني أثق. وأنني أتحوّل كليًّا إلى ثقة، وغالبًا رغم ما أشعر به. فلا تقلّل أيًّا من آلامي، أعطني فقط القوّة لأتحمّلها. إصنع بي ما يطيب لك، أعطني فقط، يا رب، النعمة كي أستطيع أن أحبّك في كل حدث ومناسبة. لا تُنقص يا رب، من كأس مرارتي، أعطني فقط القوة كي أستطيع أن أشربها كلها».
«يا رب، ترفعني أحيانًا إلى بهاء الرؤية ثم مجددًا تغرقني في ظلمة الليل وفي لجّة اللاشيء، وأشعر أنني وحدي في الصحراء. غير أنني أثق بك فوق كل شيء، يا يسوع، لأنك لا تتغيّر. إن مزاجي يتغيّر ولكن أنت دائمًا كما أنت مليء بالرحمة».
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق