الدفتر الخامس

130- الرب يسوع يرشد القديسة فوستينا على طريق القداسة

1541- «يا ابنتي شجّعي النفوس على تلاوة السبحة التي أعطيتك إياها. يطيب لي أن أهبها كل شيء تطلبها في تلاوة السبحة. لمّا يتلوها الخطأة المتحجّرون، سأملأ قلوبهم سلامًا وترافق السعادة ساعة موتهم».

«دوّني ذلك للنفوس اليائسة: عندما ترى نفس ما فظاعة خطاياها وتتأكّد منها، وعندما تنكشف أمام عينها كلّ لجّة التعاسة التي غرقت فيها، فلا تيأس، بل فلترمي ذاتها على ذارعَي رحمتي كطفلة بين ذراعَي أمّه الحنون. إن لتلك النفوس حقّ الأفضليّة على قلبي الرؤوف ولها سهولة الوصول إلى رحمتي. قولي لها إن ما من نفس توسّلت إلى رحمتي وخاب أملها أو إعتراها الوجل. إنني أسرّ خاصة بالنفس التي وضعت ثقتها في رحمتي».

«أكتبي: إنه عندما تُتلى هذه السبحة في حضرة إنسان أشرف على الموت سأقف بين أبي وبين الشخص المنازع، لا كقاضي عادل بل كمخلّص رحوم».

1542-
عندئذ أعلمني يسوع كم يغار هو على قلبي: «ستشعرين بالوحدة حتى بين الراهبات. إعلمي أنني أريدك أن تكوني على إتحاد أوثق بي. إنني معنيّ بكل نبضة من نبضات قلبك. وينعكس في قلبي كلُّ تحرّك من تحرّكات حبّك. أنا عطشان لحبّك». نعم يا يسوع، ولكن قلبي كذلك لا يستطيع أن يعيش بدونك. ولو أعطيتُ لي كل قلوب البشر، لما ملأت أعماق قلبي.

1543-
  قال لي الرب اليوم عند المساء: «أعهدي إليّ بذاتك كليًّا عند ساعة الممات وسأقدّمك إلى أبي كعروستي. والآن أوصيك أن تضمّي، بشكل خاص، إلى إساحقاقاتي حتى أصغر أعمالك، وسينظر إليها والدي بحبّ كأنّها أعمالي أنا».

1544-
«لا تبدّلي شيئًا في أسلوب فحص ضميرك الخاص الذي أعطيتك إياه من خلال الأب أندراز، أعني أن تبقي دائمًا متحدة بي. هذا ما أطلبه إليك اليوم بوضوح. كوني طفلة أعني أن تبقي دائمًا متّحدة بي. هذا ما أطلبه إليك اليوم بوضوح. كوني طفلة بالنسبة إلى ممثّليّ، لأنني أستعير شفاههم لأتحدّث إليك حتى لا يبقى لديك شكّ في أي شيء».

1545-
لقد تحسّنت صحّتي نوعًا ما. نزلت اليوم إلى غرفة المائدة وإلى الكنيسة. لا أستطيع بعد مزاولة واجباتي. لذا أبقى في غرفتي على نَولي اليدوي [أحيك حواشي شراشق المذبح]. أحبّ هذا العمل كثيرًا ولكن أتعب بسرعة حتى من جراء القيام بهذا العمل الهيّن. أشعر بضعفي. لا تختلف الأوقات في حياتي. طالما كل برهة منها مليئة بالصلاة والألم والعمل. أمجّد الله بشكل أو بآخر. ولو أعطاني الله حياة ثانية، لا أعرف إذا كنتُ قد أجني منها إفادة أكثر وفْرًا.

1546-
قال لي الرب: «أنا سعيد بحبّك. إن حبّك الصادق يبهج قلبي مثل عطر الورد في الصباح قبل أن تأخذ عنه الشمس الندى. إن طيبة قلبك تَفتن قلبي. لذا أتّحد بك إتحادًا أوثق من أي إتحاد مع أيّة خليقة أخرى».

1547-
رأيت اليوم مساعي هذا الكاهن [الأب سوبوتشيكو] بالنسبة إلى قضايا الله. بدأ قلبه يتذوّق ما ملأ قلب الله في حياته على الأرض. أما المكافأة لجهوده فهي نكران الجميل… وهذا ما يزيده حماسًا لمجد الله.

1548- 30 كانون الثاني 1938- رياضة روحية ليوم واحد.
أعلمني الرب وقت التأمل أن عليّ أن أسعى لنشر ملكوت الله على الأرض طالما ينبض قلبي في صدري. عليّ أن أجاهد من أجل خالقي. أعلم أنني سأعطي لله المجد الذي ينتظره مني إذا حاولت أن أتعاون بأمانة مع نعمته.

1549-
أريد أن أحيا بروح الإيمان. أرضى بكل شيء يعتري سبيلي كأنه من لدن إرادة الله المُحبّة الذي يرغب، بصدقٍ، سعادتي. لذا سأقبل بخضوع وامتنان كل شيء يرسله لي الله. لن أعير أي إنتباه إلى صوت الطبيعة وإلى خفّة الأنانيّة. قبل المباشرة بأي عمل هامّ، سأتوقّف قليلًا لأعتبر علاقة عملي بالحياة الأبدية والأسباب الرئيسة التي تدفعني للقيام به: أهو مجد لله أم خير نفسي، أم خير النفوس أم غيره؟ إذا وافق قلبي عليه فلن أتراجع عن إنجاز العمل المذكور غير عابئة بالصعوبات والتضحيات. ولن أخاف من ترك نواياي جانبًا. يكفيني أنه يرضي الله. من جهة ثانية إذا علمت أن هذا العمل لا يرتبط بما ذكرت، سأحاول رفعه إلى مستوى أعلى بواسطة النيّة الحسنة. وإذا علمت أن شيئًا ما في هذا العمل ينبثق من أنانيّتي، سألغيه فورًا من أوّله.

1550-
في حالة الشكّ، لن أتصرف بل سأسترشد بدقّة الكهنة ولا سيّما مرشدي الروحي. لن أدافع عن ذاتي إذا ما وُبّخت او انتقدت، إلا إذا ما طُلبَ إلي مباشرة أن أشهد للحقيقة. سأستمع بصبر كبير، إلى كل الذين يفتحون لي قلبهم، وأتحسّس آلامهم وأعطيهم الدعم الروحي، بينما أنا أجذب العالم كلّه إلى هذه الأعماق.

1551-
عند التأمل في الموت، طلبت إلى الرب أن يملأ قلبي بالعواطف التي ستكمُن في ساعة الموت. من خلال نعمة الله. تلقّيتُ جوابًا في داخلي أنني قمتُ كل ما بوسعي فيمكنني إذًا أن أطمئن. حينئذ، إستيقظَ في نفسي شعور عميق بالإمتنان لله فتفجّرت في عيني دموع الفرح كطفلة صغيرة. تحضّرتُ لقبول القربان المقدّس في الصباح التالي (رفيقًا لي في السفر) وتلوتُ صلاة المنازعين على نيّتي الخاصة.

1552-
سمعت حينئذ هذه الكلمات: «كما أنت متّحدة بي في هذه الحياة، ستكونين متّحدة بي في ساعة الممات». بعد هذه الكلمات إستيقظت في نفسي ثقة كبيرة برحمة الله الفائقة، دفعتني أشعر أنه ولو ثَقلت على ضميري كل خطايا العالم بأجمعه وخطايا كل الهالكين فلن أشكّ في صلاح الله بل، دون تردّد، ألقي بنفسي في لجّة الرحمة الإلهية المفتوحة دائمًا لنا. وبقلب منسحق للتراب أرتمي على قدميه مستسلمة كليًا إلى ارادته المقدّسة التي هي الرحمة بالذات.

1553-
يا يسوع خاصتي، حياة روحي ومخلّصي وعروسي العذب وفي الوقت نفسه مُحَاكمي. أنت تعلم أن في ساعة الموت الأخيرة هذه، لن أتّكل على إستحقاقاتي الخاصّة بل على رحمتك فقط. ومنذ الآن أستغرق كليًا في لجّة رحمتك المفتوحة دائمًا لكل نفس.
يا يسوع خاصّتي، لدي مهمّة واحدة أنفّذها في حياتي ومماتي وطوال الأبدية، وهي أن أعبد رحمتك التي لا تدرك. لا يستطيع عقل بشري أو ملائكي أن يَسبر أسرار رحمتك يا الله. لقد تاه الملائكة اعجابًا أمام سرّ الرحمة الإلهية دون أن يستطيعوا إدراكها. كل شيء أبدعته يد الخالق يكمن في هذا السرّ غير المدرك أي في عمق رحمته العذبة. لمّا أتأمّل بهذا تتلاشى روحي ويذوب قلبي فرحًا. يا يسوع، لقد وصلت إلينا أشعة رحمتك من خلال قلبك الكلي رأفة، كما من خلال البلور.

1554-
أول شباط 1938. أشعر اليوم بتراجع في صحّتي الجسديّة ولكن ما زلت أشارك في الحياة المشتركة [الصلوات والطعام والنزعات]. إنني أقوم بجهود جبّارة. تعرفها أنت وحدك يا يسوع. على المائدة اليوم ما ظننتُ أنني سأبقى إلى نهاية الطعام. تسبّب لي كل نعمة بألم شديد.

1555-
لما زارتني الأم الرئيسة [إيرين] في الأسبوع الماضي قالت لي: «أنت تلتقطين كل مرض ،يا أختي، لأن جهاز جسدك ضعيف جدًا ولكن ليس الخطأ منك. بالواقع لو أصيبت أي راهبة غيرك بهذا المرض لاستطاعت، دون شكّ، أن تتجوّل في الدير، بينما أنتِ يا أختي عليكِ أن تلازمي الفراش!». لم تجرحني هذه الكلمات. لكن كان من الأفضل أن لا تُعطى هذه المقارنات بين أناس مرضى لأن كأسهم تكون قد طفحت. هناك أمر آخر وهو عندما تزور الراهبات إحدى المريضات، لا ينبغي أن تسألن كل مرة : «ماذا يزعجك؟». «وبماذا تشعرين؟». لأنه أمر متعب أن تردّد المريضة الشيء نفسه عن ذاتها لكل زائرة. وقد تضطرّ أن تكرّر القصّة نفسها مرارًا عديدة في ذات اليوم.

1556-
لما ذهبت إلى الكنيسة لوقت قصير أعلمني الرب أن بين مختاريه، من خصّهم بالإختيار فيدعوهم إلى شكل أسمى في القداسة وإلى اتّحاد غير عادي معه. تلك هي نفوس ملائكية يطلب منها الله حبًّا أكبر ممّا يطلبه من غيرها. ورغم أن كل الراهبات يعشن في دير واحد، فهو يطلب من نفس مختارة درجة أسمى من الحبّ. تُدرك هذه النفس نداء الرب لأنه يفهمها إياه في  داخلها. وتستطيع أن تتبع هذا النداء أو ترفضه. ويتعلّق بالنفس وحدها أن تكون أمينة إلى ملامس الروح القدس هذه أو أن تقاومها. أدركت أن هناك مكانًا خاصًّا في المطهر حيث ستدفع النفوس إلى دَينها إلى الرب عن مثل هذه التعديّات.  وهذا هو أصعب نوع من العذاب.
إن النفس التي ميّزها الله سيتكون مميّزة في كل مكانًا. سواء في السماء أو في المطهر أو في جهنم. ستتميّز في السماء عن باقي النفوس. بمجد أكبر وببهاء أكثر سطوعًا وبمعرفة بالله أكثر عمقًا. في المطهر بعذاب أكثر قساوة لأنّها تعمّقت في معرفة الله فصارت تبتغيه باندفاع أقوى. وفي الجحيم يكون عذابها أكثر شدّة من عذاب الآخرين لأنها تعرف جيدًا من خسرتْ. لا يمكن طمس علاقة حبّ الله الذي خصّ به تلك النفس.

1557-
إحفظني يا رب في خوف مقدّس حتى لا أفقد نعمك. ساعدني كيف أبقى أمينة لإلهامات الروح القدس. هب قلبي أن يتفجّر بالحبّ لك أو بالأحرى ساعدني كي لا أهمل حتى عمل حبّ واحد لك.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق