الدفتر الخامس

131- كل مرّة تسمعين الساعة تدقّ الثالثة، إستغرقي كليًا في رحمتي

1558- 2 شباط 1938 ظلمة النفس.
اليوم هو عيد أم الله. يغشى الظلام نفسي. لقد اختبأ الله وها أنا وحدي، نعم وحدي لقد اكمدّ فكري ولا أرى غير الأشباح حولي. لا يلج نفسي شعاع واحد من نور. لا أفهم ذاتي ولا أفهم الذين يتحدّثون إليّ. تهاجمني تجارب مخيفة ضدّ إيماني. يا يسوع خلّصني. لا أستطيع أن أقول شيئًا آخر. لا أستطيع وصف هذه الأمور بتفاصيلها خوفَ أن أشكّك قارئها. إنني أدهش من عذابات كهذه تحلّ بالنفس. يا عاصفة! ماذا تصنعين بسفينة قلبي؟ دامت هذه العاصفة طوال الليل والنهار.
ولما جاءت الأم الرئيسة [إيرين] لتراني سألتني: «هل تريدين أن تستفيدي من هذه المناسبة، يا أختي، طالما الأب [أندراز] هو آت لسماع الإعترافات؟» أجبتها كلا. وبدا لي أن الأب أندراز لن يفهمني وأنني لن أستطيع أن أعترف.
أمضيتُ الليلة كلها مع يسوع في الجسمانية. وكان يصعد من صدري تأوه متواصل. إن الموت الطبيعي لأكثر سهولة، لأنها عندما ننازع نبلغ إلى الموت، بينما ننازع هنا ولا نستطيع ان نموت. يا يسوع لم أفكّر أبدًا أنه يوجد مثل هذا العذاب. العدم: هذه هي الحقيقة. يا يسوع خلّصني. أؤمن بك من كل قلبي. لقد رأيت مرات عديدة بهاء وجهك، أما الآن أين أنت يا رب؟ أؤمن، نعم أؤمن، حقًا أؤمن بك الإله الثالوث، الأب والإبن والروح القدس. وأؤمن بكل الحقائق التي تعطيني إياها الكنيسة لأؤمن بها. غير أن الظلمة لم تتراجع وغرقت روحي في نزاع أكثر قساوة. وفي هذا الوقت بالذات، سيطر عليّ عذاب مخيف حتى تعجبتُ من أنني لم ألفظ بعد أنفاسي الأخيرة. غير أن ذلك لم يدمْ إلا وقتًا قصيرًا.
1559- عندئذ رأيت يسوع وانبثق من قلبه الشعاعان نفسهما اللذان غطّياني بكاملي وكلّيتي. واضمحلّت في الوقت نفسه كل عذاباتي. «يا ابنتي، قال لي الرب: إعلمي أنك- إذا تُرِكت لذاتك- لست إلا ما بلغتِ إليه. غير أنه بفضل نعمتي فقط أصبحتِ شريكة الحياة الأبدية وكل ما أغدقت عليك من هبات». ومع كلمات الرب هذه أدركت حقيقة ذاتي. أعطاني يسوع أمثولة في التواضع العميق، وفي الوقت نفسه، ثقة تامّة به. تحوّل قلبي إلى تراب ورماد ولو أعطي لكل الناس أن يدوسوني تحت أقدامهم، فما زلت أعتبر ذلك إنعامًا لي.
أشعر- كما بالواقع- أنني مقتنعة كل الإقتناع أنني لا شيء لذا أعتبر أن كل إذلال هو منعش لنفسي.
1560- 3 شباط 1938. أعطاني يسوع اليوم بعد المناولة المقدسة بعض التوجيهات: «أولًا: لا تحاربي التجربة وحدك بل أكشفيها فورًا إلى معرّفك فتفقد التجربة كل قوّتها. ثانيًا: لا تفقدي طمأنينتك خلال هذه التجارب، عيشي في حضرتي. أطلبي المساعدة من أمّي ومن القديسين. ثالثًا: ثقي أنني أراقبك وأساعدك. رابعًا: لا تخافي لا معارك النفس ولا التجارب لأنني أساعدك. إذا أردت أن تحاربي فاعلمي أن النصر هو دائمًا حليفك. خامسًا: إعلمي أن جهادك بشجاعة يمجّدني كثيرًا ويجمع لك الاستحقاقات. توفّر لك التجربة المناسبة لتُظهري لي أمانتك».
1561- «والآن أقول لك شيئًا يهمك كثيرًا: صدقٌ لا حدّ له مع مرشدك الروحي. إذا لم تستفيدي من هذه النعمة الكبرى حسب توجيهاتي فسأبعده عنك وتُترَكين لوحدك. وتعود عليكِ كل العذابات التي تعرفينها جيدًا. أحزن عندما لا تستفيدين من الفرص السانحة لك لتري مرشدك وتتحدّثين إليه ساعة تستطيعين إلى ذلك سبيلًا. إعلمي أنها هبة كبيرة من لدني لمّا أعطي نفسًا ما مرشدًا روحيًّا. طلبت منّي نفوس عديدة ذلك ولكن لم أهب هذه النعمة للجميع. منذ أن أعطيتك هذا الكاهن كمرشد روحي، منحته نورًا جديدًا كي يتمكّن من معرفة نفسك ومن فهمها بسهولة».
1562- يا يسوع خاصّتي، يا رحمتي الوحيدة، إسمح لي أن أرى الرضى على وجهك علامة المصالحة مع ذاتي لأن قلبك لا يستطيع أن يتحمّل جدّيتك. إذا ما تابعت هكذا سيتفجّر قلبي حزنًا. أنت ترى أنني سُحقتُ الآن حتى التراب.
1563- في هذا الوقت بالذات رأيت ذاتي في شبه قصر. مدّ لي يسوع يده، جلس إلى جنبي وقال لي بحنان” «يا عروستي إنني أرتضي دائمًا بتواضعك. إن التعاسة القصوى لا تردعني من الإتحاد بالنفس، ولكن أنا لا أكون حيث يوجد التكبر». لما عدت لذاتي وفكرت بما جال في قلبي، شكرت الرب على حبّه ورحمته التي أظهرها لي.
1564- يا يسوع خبّئني كما خبّأت ذاتك تحت شكل الخبز، هكذا خبّئني عن العيون البشرية، لا سيّما خبّىء الهبات التي أغدقتها عليّ، كي لا أخون خارجيًا ما حقّقته في نفسي. أنا برشانة بيضاء أمامك أيها الكاهن الإلهي. كرّسني أنت فلا يعرف تحوّلي الجوهري إلى قربان، إلّا أنت. أقف أمامك كل يوم كبرشانة ذبيحة أسأل رحمتك للعالم، بالصمت والخفية أفرغ ذاتي أمامك. سيحترق حبّي الطاهر وغير المجزأ، بصمت عميق كقربان. وليفح عطر حبّي على أقدام عرشك. أنت سيد السادات ولكن تبتهج بالنفوس المتواضعة والبريئة.
1565- لما دخلت الكنيسة إلى وقت قصير قال لي الرب: «ساعديني يا ابنتي لأخلّص خاطئًا ينازع. صلّي السبحة التي علّمتك إياها لأجله». لمّا بدأت بتلاوة السبحة، رأيت الشخص المنازع يفارق الروح في غمرة العذاب والعراك. كان ملاكه الحارس يدافع عنه ولكن كان في وضعه، عاجزًا أمام فظاعة خطايا تلك النفس. كان ينتظر النفس جمهور من الشياطين ولكن بينما كنتُ أصلّي السبحة رأيت يسوع مصوّرًا في الرسم. غطّت الأشعّة المنبثقة من قلب يسوع الرجل المريض فهربت قوات الظلمة مرتعبة. ولفظ المريض أنفاسه الأخيرة بسلام. لما عُدتُ إلى ذاتي أدركت أهمية صلاة السبحة على نيّة المنازع فهي تهدىء غضب الله.
1566- بينما أعتذر إلى الرب يسوع لبعض أعمال قمتُ بها تبيّن فيما بعد أنها يشوبها بعض النقص طمأنني يسوع بهذه الكلمات: «يا ابنتي أكافئك على صفاء نيّتك عندما قمتِ بهذه الأعمال. وابتهج قلبي لأنك، بنوع خاص، أخذت حبي، آنذاك، بعين الإعتبار، وما زلت تستفيدين من تصرّفك، أي من تواضعك. نعم، يا ابنتي، أريدك دائمًا أن تتحلّي بمثل صفاء النيّة هذه حتى في الأمور الصغيرة التي تتمّميها».
1567- عندما حملتُ القلم في يدي، وجّهت هذه الصلاة الصغيرة إلى الروح القدس وقلت: «يا يسوع، بارك هذا القلم حتى يأتي كل ما تأمرني أن أكتب عنه، لمجد الله». عندئذ سمعتُ صوتًا: «نعم أباركه، لأن هذه الكتابة تحمل طابع الطاعة لرئيسك ومعرّفك، وإنني لأتمجد بذلك وستستفيد منها نفوس عديدة: أطلب، يا ابنتي، أن تكرّسي كل أوقاتك الحرّة للكتابة عن جودتي ورحمتي. تلك هي مهمّتك. وواجبك طوال حياتك أن تثابري في أعلام السرّ عن الرحمة العظمى التي أكنها لهم وأن تحثّيهم على الثقة بهذه الرحمة غير المحدودة».
1568- يا يسوع خاصتي، إنني أؤمن بكلماتك وقد تبدّد منّي كل شك لأنه في سياق حديثي مع الأم الرئيسة [إيرين] قالت لي أن أكثر من الكتابة عن رحمتك، وهذا الرأي يتوافق مع طلبك. يا يسوع خاصّتي، إنني أدرك الآن أنك إذا طلبت شيئًا من نفس ما، فإنك تلهم رئيساتها ليسمحوا لها بتلبية طلبك، رغم أنه قد يحدث أن لا نحصل فورًا على الإذن بذلك، مما يضع صبرنا على المحك.
1569- +يا يسوع، الحبّ اللامتناهي الذي حبست نفسك في البرشانة وقد خبّأت فيها ألوهيّتك واخفيت جمالك. أقدمتَ على ذلك كي تعطي ذاتك بكاملها إلى نفسي وكي تُرعبها بعظمتك. أيها الحبّ اللامتناهي، يا يسوع، يا من حبستَ نفسك في الخبز، أيها النور الأزلي نبع الفرح والسعادة التي لا تُدرَك لأنك أردتَ أن تكون السماءُ على الأرض. هكذا أنت حقًا يا الله عندما تفضي بحبّك إلى قلبي.
1570- أيها الإله العظيم الرحمة، أيّها الجودة اللامتناهية، تستغيث اليوم برحمتك كل البشرية من هوّة تعاستها، تستغيث برأفتك يا الله. وتصرخ إليك بأعلى صوت حقارتها. أيها الإله الرحوم، لا تنبذ صلاة المنفيين في الأرض. يا الله، أنت الجودة التي تفوق إدراكنا، أنت تعرف جيدًا حقارتنا وتدرك أننا بقوّتنا وحدها لا نستطيع أن نرتفع إليك. نضرع إليك بادرنا برحمتك وثابر في مضاعفة رحمتك علينا كي نستطيع أن نتمّم إرادتك المقدّسة طوال حياتنا وفي ساعة الموت. فلتحمنا قوّة رحمتك من سهام أعداء خلاصنا، حتى نتمكن، كأبناء لك، أن ننتظر بثقة مجيئك الأخير، ذاك اليوم الذي لا يعرفه أحد سواك. نتوقّع أن ننال رغم كل حقارتنا، كلّ ما وعدنا به يسوع. لأنه رجاؤنا. نعبر إلى السماء من خلال قلبه، كما من خلال باب مفتوح.
1571- لاحظت أنني، منذ دخلت الدير، أُرهقتُ بأمر واحد، وهو أنني (قديسة). ولكن كانت تستعمل هذه الكلمة بسخريّة. ممّا آلمني كثيرًا في بادىء الأمر ولكن بعدما أن ترفّعت عن ذلك، لم أعد أعرها أي إنتباه. إنّما لمّا تألم، أحدهم، [ربما الأب سوبوتشيكو] في إحدى المناسبات بسبب قداستي، تألّمت أنا أيضًا، لأنّني تسبّبتُ بالإنزعاج للآخرين. ورحتُ أشتكي عند الرب، سائلة إياه لماذا هو الأمر كذلك فأجابني الرب: «أهذا يحزنك؟ بالواقع أنت قدّيسة. وقريبًا سأظهر ذلك فيك، وسيلفظون هذه الكلمة بالذات (قديسة) إنما هذه المرة سيلفظونها بحبّ».
1572- «اذكرك يا ابنتي أن كل مرّة تسمعين الساعة تدقّ الثالثة، إستغرقي كليًا في رحمتي لتمجيدها وتعبيدها. إسألي قوّتها إلى العالم كلّه ولا سيّما إلى الخطأة المساكين. لأن في تلك الساعة تفيض الرحمة على كل نفس. في تلك الساعة يمكنك أن تحصلي على ما تسألينه لك وللآخرين. كانت ساعة النعمة للعالم كله. فيها إنتصرت الرحمة على العدالة.
حاولي يا ابنتي أن تقومي بدرب الصليب في تلك الساعة، إذا سمحتْ لك واجباتك وإذا لم تتمكّني من القيام بدرب الصليب، أقدّه، توقّفي في الكنيسة برهة واعبدي في القربان المقدّس، قلبي المليء رحمة. وإذا لم تتمكّني من التوقف في الكنيسة فاستغرقي في الصلاة حيث تكونين ولو لبرهة قصيرة. أطلب العبادة لرحمتي من كل خليقة وفوق كل شيء أطلبها منك لأنني أعطيتك المعرفة الأكثر عمقًا لهذا السر».
١٥٧٣- + يا إلهي يشتدّ اليوم توقي إليك ولا من شوق سواه يحتلّ قلبي. فالأرض لم تعدْ تعني لي شيئًا. يا يسوع، لقد أخذ يثقل عليّ هذا المنفى وتطول أيامه. أيها الموت، رسول الله، متى تحمل إليّ بشري إقتراب ذلك الوقت المنتظر منذ زمن طويل، الذي فيه سأتّحد بإلهي إلى الأبد؟
١٥٧٤- يا يسوع خاصّتي، ليت تمرّ الأيام الأخيرة لمنفاي تمامًا وفق إرادتك الكلّيّة القداسة. أضمّ آلامي، ومرارتي ونزاعي الأخير إلى آلامك المقدّسة. أقدّم ذاتي من أجل العالم كلّه طالبة وفرة رحمة الله للنفوس ولا سيّما لنفوس المقيمات في أديرتنا، أثق بثبات بإرادتك المقدّسة التي هي الرحمة بالذات وأعهد بذاتي إليها. ستكون رحمتك لي حسب وعدك بمثابة كلّ شيء في ساعتي الأخيرة.
1575- +سلام عليك أيها الحبّ الأزلي يسوع العذب الذي تنازلت لتسكن في قلبي. إنني أحيّيك أيتها الألوهية الممجّدة التي تفضّلتِ وتنازلتِه إلى مستواي، وقد أفرغتِ ذاتك حبًا واتخذتِ شكلًا عاديًا من الخبز، هو أطيب إليّ من عبير الياسمين. إن صداقتك هي أطرى وأرقّ من عطر الورد، رغم أنها أقوى من الموت. يا يسوع، الجمال غير المدرك. إن أفضل إتّحاد بك هو مع النفوس الطاهرة لأنها وحدها هي قادرة على البطولة والتضحية. يا دم يسوع العذب لون الورد، عظّم دمي وبدّله إلى دمك أنت، وليكن ذلك حسب رضاك المقدّس.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق