142- (1736-1746) فلتتمجّد يا إله الرحمة لأنك تواضعتَ ونزلتَ من السماء إلى الأرض
1736- كنت مرّة على الشرفة رأيت إحدى الراهبات مضطربة بسبب تجارب قويّة حول الإعتراف المقدّس، مشكّكة بسريّته. رغم أنني عرفت حالة هذه الراهبة لم أبدأ الحديث معها ولمّا أصبحنا وحدنا فتحت لي قلبها وقالت لي كل شيء. وبعد حديث وجيز قالت: «لقد اطمأنت نفسي الآن واستنارت».
1737- أعلمني يسوع اليوم أنه ينبغي أن لا أطيل الكلام مع إحدى الراهبات. لقد ساعدتني نعمة خاصة من لدن الله وقت المحادثة. وبدون هذه النعمة لما عادت محادثتي إلى مجد الله.
1738- قال لي الرب: «أدخلي إلى المطهر لأنهم هم بحاجة إليك هناك». يا يسوع، إنني أفهم معنى هذه الكلمات التي توجّهها إليّ ولكن دعني أولًا أدخل إلى كنز رحمتك.
1739- «أكتبي يا ابنتي، أنا الرحمة بالذات للنفس التائبة. إن الحقارة الأكثر تعاسة للنفس لن تثير غضبي، ولكن بالعكس فإن قلبي يتأثّر برحمة كبيرة نحوها».
1740- يا يسوع أعطني القوّة لأتحمّل الألم فلا يكفهرّ وجهي عندما أشرب كأس المرارة. ساعدني أنت كي ترضيك تضحيتي. ولا تتلطّخ بحبّ الذات ولو دامت سنين عديدة. أرتضي بالنية الطاهرة، البريئة والمملوءة حياة. إن حياتي المتواصلة هي جهاد مستمر وجهد متواصل لأتمّم إرادتك المقدّسة. فليمجّدك يا رب كل شيء عندي، تعاستي وقوّتي على السواء.
وجود الله اللامتناهي في خلق الملائكة.
1741- أيها الرب الإله، أنت سعيد بذاتك ولا تحتاج إلى الخلائق كي تسعدك لأنك أنت ملء الحب. غير أنك من فرط رحمتك التي لا تدرك، دعوت الخلائق إلى الوجود ووهبتها نصيبًا في سعادتك الأبديّة وفي حياتك، هذه الحياة الإلهية التي تعيشها، إله واحد في ثلاثة أقانيم، من فرط رحمتك التي لا تدرك، خلقت الأرواح الملائكية وأدخلها في حبّك وفي مودّتك الإلهيّة. لقد أهّلتهم إلى الحبّ الأزلي. رغم أنك أغدقت عليهم، أيها الربّ، بسخاء تألّق الحبّ والجمال، فلم ينقص كمالك أبدًا ولم يزدْك حبهم وجمالهم كمالًا، لأنك أنت بذاتك كل شيء. وإذا ما أتحتَ لهم أن يشتركوا في سعادتك وأن يحيوا ويحبّوك فذلك فقط بفضل لجّة رحمتك. هذا هو جودك الذي لا يقاس والذي من أجله يمجدونك إلى الأبد، متواضعين على أقدام عظمتك وهم يرنّمون النشيد الأزلي: قدوس، قدوس، قدوس…
1742- كن ممجّدًا أيها الإله الرحوم، إله واحد في الثالوث المقدّس،
أزلي لا يدرك ولا يُسبر.
لا تستطيع عقولهم أن تدرك لذا، وقد إستغرقوا فيك،
يردّدون دون انقطاع «قدوسهم» الأزلي.
كن ممجّدًا يا خالقنا الرحوم، أيها الرب الكلي القدرة،
ولكن المليء رحمة لا تدرك.
إن رسالة حياتنا هي أن نحبّك
مرنّمين النشيد الأزلي: «قدوس…».
كن مباركًا أيها الإله الرحوم، الحبّ الأزلي،
أنت أرفع من السماوات والسارافيم والآفاق.
إن أجواق الأرواح الطاهرة تنشد لك التمجيد بترنيمة أزلية: ثالوث مقدّس.
بينما أحدّق بك وجهًا إلى وجه أيها الرب
أرى أنه كان باستطاعتك أن تدعوا إلى الوجود خلائق قبلها.
لذا يخضعون أمامك بكل تواضع،
لأنهم يدركون أن هذه النعمة إنبعثت فقط من فيض رحمتك.
واحد من أكثر الأرواح جمالًا لم يدرك رحمتك
فقاد، معميًّا بكبريائه، آخرين وراؤه،
فأصبح شيطانًا، ذاك الملاك الساطع جمالًا،
فسقط فجأة من أعلى السماء إلى جهنم.
حينئذ صاحت الأرواح الأمينة: «المجد لرحمة الله».
وصمدت رغم الإمتحان بالنار وصاحت:
«المجد ليسوع المسيح المتواضع».
المجد لأمه العذراء الطاهرة المتواضعة
بعد هذه المعركة، غاصت الأرواح الطاهرة في بحر الألوهية،
متأمّلين بعمق رحمته وممجّدينها،
فغرقوا في رحمته وفي نوره المشع،
مدركين ثالوث الأقانيم، الواحد في الألوهية.
وجود الله اللامتناهي في خلق البشرية
1743- أيها الإله الذي من فيض رحمتك دعوت الإنسان من العدم إلى الوجود ومنحته بكرم النعمة والطبيعة البشرية. وبدا ذلك قليلًا بالنسبة إلى جودك اللامتناهي فأعطيتنا حينئذ من فيض نعمتك أيضًا الحياة الأبدية.
قبلتنا في سعادتك الأبدية وأشركتنا في حياتك الداخلية وصنعتَ ذلك من فيض رحمتك فقط. وأغدقت علينا هبة النعمة وذلك لأنك صالح ومليء بالحبّ. أنا لست بحاجة إلينا أبدًا لتسعد ولكن أردت، يا رب، أن تقاسمنا سعادتك، ولكن لم يحتمل الإنسان الإمتحان. كان بوسعك أن تعاقبه، مثلما فعلت في الملائكة بالنفي الأبدي. ولكن ظهرتْ هنا رحمتك وتأثرتَ في أعماق كيانك برأفة كبرى ووعدتَ باسترجاع خلاصنا. لم تعاقبنا كما نستأهل، إنطلاقًا من لجّة رحمتك التي لا تدرك. فلتتمجّد رحمتك يا رب. سنمجّدها حتى نهاية الأجيال. تعجّبت الملائكة من عظمة رحمتك التي أظهرتها نحو البشرية.
1744- فلتُعبَد يا إلهنا الرحوم،
أيها الرب الخالق الكلي القدرة.
نمدحك في تواضعنا العميق،
مستغفرين في بحر ألوهيتك.
لكن الإنسان لم يثابر في ساعة الإمتحان وبتحريض من الشرير فقد ثقته بك،
فأضاع نعمتك وعطاياك ولم يُترَك له إلّا الشقاء
والدموع والالام والحزن والمرارة إلى أن يرتاح في القبر.
لكن أنت أيها الإله الرحوم لم تدعْ البشرية تهلك ووعدتها بالمخلص.
لم تتركنا نيأس، رغم إهاناتنا الفظيعة
وأرسلت أنبياءك إلى إسرائيل.
وما زالت البشرية تصرخ إليك ليلًا نهارًا
من لجّة التعاسة والخطيئة وكل ألم
إسمع النحيب والدموع أنت المالك في السماء
يا إله الرحمة العظيمة، يا إله الرأفة.
لقد ضلّ الإنسان ولكن لا يستطيع أن يطلب المغفرة
لأنّ هوّة عميقة ظهرت بين الله والإنسان.
بصوت حقارته يستغيث الرحمة، الرحمة
لكن الله لم يستجب… مرّت أجيال بعد أجيال.
إنما توق البشرية ازداد عمقًا،
توق إلى الموعود به.
هلمّ يا حمل الله وامحُ خطايانا البشعة.
هلم وأنرْ ظلمتنا كشعاع نور.
تصرخ البشريّة إليك دون انقطاع، يا رب الأرباب.
تصرخ إلى رحمتك التي لا تدرك وإلى رأفتك
يا يهوه العظيم أتحْ لنا أن نكفّر
تذكّر جودك واغفر خطايانا.
+صلاح الله اللامتناهي في ارساله لنا ابنه الوحيد
1745- أيها الإله، لم تُهلك إنسان بعد سقطته بل سامحته من فيض رحمتك، سامحته بشكل إلهي. أن أنك لم تغفر له فقط ذنبه بل أغدقت عليه أنواع النعم. لقد دفعتك رحمتك إلى أن تتنازل بيننا وترفعنا من تعاستنا. سينزل الله على الأرض. ربّ الأرباب يذلّ ذاته.
ولكن أين ستحلّ يا الله. أفي هيكل سليمان؟ أم ستبني لك مقرًّا آخر؟ إلى أين تنوي أن تنزل؟ وأي مقرّ ينبغي أن نحضّر لك طالما أن الأرض كلها هي موطىء قدميك؟ لقد حضّرت لك حقًّا مقرًّا لك؛ العذراء مريم. إن أحشاءها الطاهرة هي مقرّ إقامتك وحلّت، أيها الرب، الآية غير المدركة لرحمتك. الكلمة صار جسدًا، الله يسكن بيننا، كلمة الله، الرحمة المتجسّدة.
بتنازلك رفعتنا إلى ألوهيّتك. هذا هو فيض حبّك، هذه هي لجّة رحمتك. تنذهل السماء من غمرة حبّك. لا يخاف أحد أن يقترب منك الآن. أنت إله الرحمة. أنت ترأف بالضعيف. أنت إلهنا ونحن شعبك. أنت أبونا ونحن أبناؤك بالنعمة. فلتتمجّد رحمتك لأنك تفضّلت ونزلت بيننا.
1746- فلتتمجّد يا إله الرحمة
لأنك تواضعتَ ونزلتَ من السماء إلى الأرض.
نعبدك بكل تواضع.
لأنك تعطّفت ورفعت كل البشرية.
لقد أخذت جسمًا من العذراء مريم
التي لم تمسّها خطيئة.
لأنك شئت ذلك منذ بدء الأجيال،
من فيض رحمتك التي لا تدرك ولا تقاس.
إن العذراء المباركة، الزنبقة البيضاء كالثلج
هي السبّاقة في تمجيد قوّة رحمتك
وفتحت قلبها الطاهر حبّا لمجيء الكلمة.
لقد آمنت بكلام رسول الله فتوطّدت ثقتها.
لقد تعجّبت السماء من كون الله أصبح إنسانًا،
ومن وجود قلب على الأرض مستأهل الله نفسه.
لما لم تتّحد بملاك، بل بخاطىء يا الله.
آه! لأن هناك سرّ في رحمتك
رغم طهارة حشا العذراء
يا سرّ رحمة الله، يا إله الرأفة،
يا من تنازلت وتركت عرشك السماوي
وانحدرت إلى حقارتنا، إلى الضعف البشري
ذلك لأن الإنسان ، لا الملائكة، يحتاج إلى رحمتك.
نتّحد مع أمك الطاهرة
كي نرفع تمجيدًا يليق برحمة الرب،
فيصبح نشيدًا أكثر إرضاء لك
لأنك اخترتها من بين البشر والملائكة.
لقد مرّت رحمتك إلينا
من خلالها كما من خلال البلور.
من خلالها أصبح الإنسان مرضيًّا لله.
من خلالها فاضت علينا ينابيع الرحمة.