الدفتر الأول

65- ستحضّرين العالم إلى مجيئي الأخير

422- قدرت صبر وتواضع الأب سوبوتشكو لمّا رأيت تضحياته والجهود التي بذلها. لقد دفع ثمن كل شيء غالياً ليس فقط من التعب والصعوبات المتنوعة بل أيضاً من المال. لقد أخذ الأب سوبوتشكو على عاتقه كل المصاريف. أرى ان العناية الإلهية حضّرته لإنجاز عمل الرحمة هذا قبل أن أطلبه إلى الله. كم هي عجيبة طرقك يا الله. وكم هي سعيدة تلك النفوس التي تلبِّي نداء النعمة الالهية.

423- سبّحي الله يا نفسي من أجل كل شيء ومجّدي رحمته لأن صلاحه لا نهاية له. كل شيء يمضي عدا رحمته فهي لا حدود لها ولا نهاية. وبينما للشر قياس فلا قياس للرحمة.
يا إلهي، إني أرى لجّة رحمتك حتى في القصاص الذي ترسله على الأرض ، لأنك بعقابك لنا هنا على الأرض تحرّرنا من العقاب الأبدي. إبتهجي ، أيتها الخلائق كلّها لأنك أقرب إلى الله في رحمته اللامتناهية من طفل الى القلب أمّه. يا إلهي، أنت الرأفة بالذات لأجل كبار الخطأة الذين يتوبون. كلّما تمادى الخاطيء في خطيئة كلّما ازداد حقه بالرحمة الإلهية.

وقت وجيز 12 أيار 1935

424– في المساء، غرقت فوراً في النوم حين دخلت الغرفة. رغم أنني نمت بسرعة استيقظت كذلك بسرعة أكبر. أتى طفل صغير وأيقظني ، بدا وكأن عمره سنة ودهشت لأنه كان يحسن النطق فلا يستطيع الأطفال في هذا العمر أن يتكلموا بوضوح . كان الطفل جميلاً فوق كل وصف ويشبه الطفل يسوع وقال لي: «أنظري الى السماء». نظرتُ الى السماء فرأيت النجوم والقمر مشعّه. فسألني الطفل: «هل تريدين هذا القمر وهذه النجوم؟» ولمّا اجبته بالايجاب ، قال لي هذه الكلمات :«تلك النجوم هي نفوس المسيحيّين المؤمنين والقمر هو نفوس الراهبات. أترين الفرق الكبير بين أشعة النجوم وأشعة القمر؟ فالفرق شبيه في السماء بين نفس راهبة ونفس مسيحي مؤمن». وتابع قوله «العظمة الكبرى هي في حبّ الله وفي التواضع».

425- ثم رأيت نفساً تنفصل عن مجموعتها في عذاب مؤلم . يا يسوع إني أرتجف ، وأنا على وشك كتابة هذه، لرؤية الأشياء المخيفة التي تشهد ضدّ هذه النفس. رأيت نفوس أولاد صغار ونفوس أولاد أكبر منهم سنّاً بعمر التاسعة تقريباً، يخرجون ممّا يشبه لجّة موحلة. كانت النفوس قذرة ومقرفة، شبيهة بأجسام مخيفة وأجساد نَتنة ولكن كانت الأجساد حيّة قد أجهرت بشهادتها ضدّ النفس المنازعة.

وكانت النفس التي رأيتها مليئة من تبجيل العالم ومجده الذي ينتهي في الفراغ والخطيئة. ثم ظهرت أخيراً أمرأة تحمل في وزرتها ما يشبه الدموع وشهدت بقوّة ضدّها.

426- يا لساعة مخيفة عندما يُجبر كل إنسان أن يرى أعماله بعريها وتعاستها. فما من عمل يضيع بل تتبعنا كلّها الى حكم الله. لا أستطيع أن أَجِد كلمات أو تشابيه لأعبّر عن تلك الأشياء . رغم أنه بدا لي أن تلك النفس لم تهلك، غير أن عذابها لا يختلف عن عذابات جهنم . هناك فرق واحد وهي أن تلك العذابات ستنتهي.

427- بعد وقت قليل ، رأيت مرّة أخرى الطفل الذي أيقظني. كان في جمال مدهش وردّد هذه  الكلمات: «عظمة النفس الكبرى هي في محبة الله والتواضع “.سألت الطفل:«كيف تعلم أن عظمة النفس الكبرى هي في محبّة الله والتواضع فاللاهوتون فقط يدركون هذه الأمور وأنت لم تتلقَّن بعد حتى التعليم الديني . كيف تعرف ذلك إذاً؟». فأجاب على ذلك: «أعرف، أعرف كل شيء». ثم توارى.

428- لم اتمكّن من الرقاد بعد. تعبتْ روحي من التفكير بالأشياء التي رأيتها . أيتها النفوس البشرية كم تتأخرين في معرفة الحقيقة. وَيَا لجّة رحمة الله، أنزلي بكل سرعة ممكنة على كل العالم حسب وعدك أنت بالذات.

كراكوف 20 تشرين الأول 1935
رياضة لمدّة ثمانية أيام
شهر أيّار 1935 – في بعض الأحيان

429- لمّا تأكدت من تصاميم الله العظيمة التي رسمها لي إعتراني خوف شديد وشعرت بعجزي عن تنفيذها ورحتُ أتحاشى التحدّث الداخلي معه وأخذت أملأ وقتي بالصلاة الشفوية. قمت بذلك من قبيل التواضع.ولكن سرعان ما ثبتَ لي أنه لم يكن ذلك تواضعاً حقيقياً بل تجربة شيطانيّة عظمى. لمّا ، في إحدى المناسبات استعضتُ عن الصلاة الداخلية، بقراءة كتاب روحي، سمعت بوضوح وبدقّة هذه الكلمات في داخلي: «ستحضّرين العالم إلى مجيئي الأخير».

ورغم وقع هذه الكلمات العميق في نفسي ، تجاهلت سماعها، ولكن فهمتها جيداً ولم يساورني أيّ شكّ حولها. تعبت، مرّة، من عراك الحبّ هذا مع الله ومن اعتذاري المتواصل عن عدم تمكّني من القيام بهذه المهمّة، أردتُ أن أغادر الكنيسة . ولكن قوّة خفية  دفعت بي إلى الوراء ووجدت نفسي عديمة القوة. وسمعت هذه الكلمات: «تحاولين مغادرة الكنيسة ولكن لن تتخلّصي منّي لأنني موجود في كل مكان. لا تستطيعين شيئاً وحدك ولكن يمكنك معي القيام بكل شيء».

430- لمّا ذهبتُ في أحد الأيام الأسبوع ، لأرى معرّفي الأب سوبوتشكو وأكشف له عن حالة نفسي، لا سيّما محاولة محاشاتي التحدّث الداخلي ّ مع الله قال لي يجب أن لا أختصر المحادثة الداخليّة مع الله ، بل عليّ أن أصغي بانتباه إلى كلّ ما يقوله لي

431- تبعتُ نصيحة معرّفي وفي أوّل لقاء مع يسوع، سجدتُ أمام قدميه بقلب منسحق واعتذرت إليه عن كل شيء. رفعني حينئذ يسوع عن الأرض وتركني أتكىء رأسي عن صدره كي أحسن سماع رغبات قلبه الكلّي العذوبة. وقال لي هذه الكلمات: «لا تخافي شيئًا، يا ابنتي، أنا دائمًا معك. لن يستطيع أعداؤك أن يؤذونك إلّا بقدر ما اسمح لهم بذلك. أنت مقرّ إقامتي وراحتي الدائمة. من أجلك سأمسك باليد التي تعاقب. من أجلك ابارك العالم».

432- في هذا الوقت بالذات،شعرتُ بنار تلتهب قي قلبي. شعرتُ بحواسيّ تنازع وغاب عنّي كل ما يجري حولي. شعرتُ بنظر الرب يجتازني من جهة إلى جهة. وثبتتْ لي عظمته وحقارتي. واجتاح نفسي ألمٌ فائق مرفق بفرح لا أستطيع تشبيهه بأيّ شيء. شعرتُ بضعفي في قبضة يد الله. شعرتُ أنني أذوبُ فيه كنقطة ماء في المحيط. لا أستطيع أن أعبّر عمّا حلّ بي. بعد هذه الصلاة الداخلية، شعرتُ بمقدرة وقوّة لممارسة أصعب الفضائل. شعرتُ باحتقار لكل ما يعظّمه العالم. وتمنّتْ نفسي بكل قواها السكون والوِحدَة.

433-  ايار 1935 رأيت، طيلة عبادة الأربعين ساعة وجه الرب يسوع في البرشانة المقدّسة المعروضة في الحِقّ. كان يسوع ينظر بعطف إلى كل من حوله.

434- أرى غالبًا الطفل يسوع طيلة الذبيحة المقدّسة. هو في غاية الجمال. يبدو أنّ له سنة واحدة من العمر. لمّا رأيت، مرّة، الطفل وقت الذبيحة الإلهية في الكنيسة، إعتراني شوق قويّ ورغبة لا تُقاوَم، أن أقترب من المذبح وأحمله. في هذا الوقت وقفَ يسوع إلى جنبي قرب المسجد وانحنى مع يديه الصغيرتين على كتفي وغمرني بنظره اللطيف والمليء بفرح عميق. ولمّا كسر الكاهن الخبز عاد يسوع إلى المذبح وتناوله الكاهن بعد كسره. بعد المناولة المقدّسة شعرتُ بوجود يسوع الجسدي في قلبي طيلة النهار، وسيطر عليّ، لا شعوريًّا، خشوع عميق ولمْ أتبادل الحديث مع أحد. تحاشيتُ، بقدر استطاعتي، ملاقاة الناس، وكنتُ أجيب فقط على الأسئلة المرتبطة بواجباتي، وليس إلّا.

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق