الدفتر الأول

29- (139-135) فوستينا توافق على تقدمة ذاتها ذبيحة وحضور الله يسيطر عليها

135- طيلة مرحلة الاختبار الثالث جعلني الله أفهم أن عليّ أن أقدّم له ذاتي حتى يصنع منّي ما يشاء. كنت واقفة أمامه كتقدمة ذبيحة. خفت أولاً ، لمّا شعرتُ أنني في غاية التعاسة وأنني متأكّدة تماماً من هذه الحالة. أجبت الرب مرة ثانية: «انا التعاسة بالذات وكيف يمكنني أن أكون رهينة».[للآخرين].«إنك لا تفهمي اليوم هذا سأعلنه لك غداً ، وقت العبادة».

إرتجف قلبي ونفسي معاً لأن هذه الكلمات غاصت في عمق نفسي. إن كلمة الله هي حيّة لمّا جئت إلى العبادة شعرت في داخلي إنني دخلت هيكل الله الحيّ ، الذي عظمته هي سامية وفوق الإدراك . وادركت في نظره، حتى الأرواح السماوية الفائقة الطهارة. لقد غمرني حضوره رغم أنني لم أرى شيئاً . فاستنار عقلي في الحال. ومرّت رؤية أمام أعين نفسي، تشبه الرؤية التي شاهدها يسوع في بستان الزيتون . الآلام الجسدية أولاً ثم كل المناسبات التي ضاعفتها [ثم] مجموعة الآلام الروحية وتلك التي لا يدركها أحد. تشابك كل شيء في الرؤية: أوهام خاطئة، وفقدان الإسم الصحيح . اختصرت ذلك هنا، ولكن معرفتي حينئذ في غاية الوضوح ، إلى حدّ أن ما تحمّلته فيما بعدك لمْ يختلفآن أبداً عمّا رأيته آنذاك .أصبح إسمي «ذبيحة».

ولمّا انتهت كدّ عرقٌ بارد جبيني .وأفهمني يسوع أنه يمكنني أن أخلص حتى لو لم أوافق على ذلك. ولن يقلّل من نعمه لي ولكن عليّ أن أحافظ على علاقتي الحميمة معه، كي لا ينقص كرمه حتى لو لم أوافق على تقدمة هذه الذبيحة.

136- وأفهمني الله إن كل السرّ يتعلّق بي وبموافقتي الحرّة على الذبيحة التي أقدّمها بملء كل جوارحي . وفي هذا العمل الحرّ الواعي تكمن كل قوة وقيمة أمام عظمته. وإن لم يحصل شيء واحد مّما قدَّمت ذاتي له، فكأنّ كل الأشياء قد تحقّقت أمام الرب.

فهمت حينئذ أنني قد دخلت في إتحاد مع العظمة غير المدركة. وشعرت أن الله ينتظر كلمتي وموافقتي وغاصت روحي في الرب وقلت:«اصنع منّي ما يرضيك، أتوسل إليك ،يا رب، إبقَ معي في كل لحظة من حياتي».

137- لمّا وافقت على الذبيحة بكل قلبي وإرادتي ، سيطر عليّ فجأة حضور الله.

غاصت نفسي في الله وداخلتني سعادة لا أستطيع أن أدوّن ولو أصغر مظاهرها. شعرتُ أن عظمته تغمرني. وذبت في الله بشكل خارق العادة.

رأيت أن الله قد ارتضى بي وان روحي، في المقابل، قد أغرقت ذاتها فيها. شعرت، وأنا على وعي من إتحادي بالله، أنه خصّني بمحبّة فائقة، وأنا بدوري أحببته من كل نفسي. لقد حلّ سرّ عظيم أثناء هذه العبادة، سرّ بين الله وبيني وبدا لي وكأنني أموت حبّاً [لرؤية] نظره.

تحدثت طويلاً إلى الله دون أن ألفظ كلمة واحدة. وقال لي الرب. «انت فرح قلبي، من اليوم فصاعداً، مهما تعملين، ستقرّ عيناي بكل الأعمال حتى أصغرها، التي تقومين بها». شعرت آنذاك أنني مكرسّة إلى أبعد حدّ. إن جسدي الترابي هو ذاته ولكن نفسي تبدّلت. إن الله يعيش فيها الآن بكامل رضاه. لم يكن ذلك شعوراً إنّما حقيقة ساطعة لا يستطيع شيء أن يحجبها.

138- لقد تمّ سرّ عظيم بين الله وبيني. استقرّت الشجاعة والقوّة في نفسي. في نهاية كل عبادة كنت أخرج وأجابه بهدوء كل شيء كان يخيفني سابقاً.

ولمّا وصلتُ إلى الممشى كان بانتظاري بعض الآلام والتحقير، على يد شخص ما. تقبّلتها بطاعة بالغة السموّ والتصقت قريبة بقلب يسوع الكلّي قداسة. ليعلم إنني مستعدةً أن أقوم بما نذرت له نفسي.

يبدو كأن الألم ينبع من الأرض، حتى تعجّبت الأم مرغريت عينها. بينما تتعلّق أمور عديدة بالآخرين فهي تمرّ دون أن يلحظها أحد، لأنها لم تكن بالواقع تستحق الانتباه؛ لكن فيما يتعلّق بي يُلاحَظ كل شيء وتُحلّل كل كلمة وتراقب كل خطوة. قالت لي إحدى الأخوات: «تحضّري يا أختي أن تتقبّلي صليباً صغيراً على يَديَّ الأم الرئيسة. إنني أشفق عليك». غير أنني فرحت بذلك من أعماق نفسي وكنت مستعدّة له منذ زمن طويل. تعجّبتْ لمّا رأت شجاعتي. أرى الآن أن النفس لا يمكنها أن تحقّق الكثير وحدها ولكن مع الله، تستطيع نعمة الله أن تفعل.

قليلة هي النفوس التي تنتظر دائماً نعمة الله وأقلّ منها النفوس التي تتبع الإلهامات الداخلية.

139- إن النفس الأمينة لله لا تستطيع أن تؤكد إلهاماتها الذاتية،عليها أن تخضعها إلى رقابة كاهن حكيم ومثقّف. وعليها ألا تثق تماماً طالما لم تتأكد من صحّتها. فلا يجب، إنطلاقاً من مبادرة فردية فقط، أن تضع ثقتها في هذه الإلهامات وفي غيرها من النِعَم لأنها تعرّض بذلك نفسها إلى خسائر كبيرة.

حتى ولو استطاعت النفس أن تميّز بين الإلهامات الخاطئة والإلهامات الإلهيّة يبقى أن تكون حذرة لأن أشياء عديدة هي غير أكيدة، إن الله يفرح ويبتهج عندما لا تثق النفس به إكراماً له. لأنها تحبه، ولأنها فطنة وتفتّش وتسأل عن مساعدة لتتأكد أن الله حقاً يعمل في داخلها. وعندما يؤكّد معرّف مطَّلع ذلك تستطيع النفس أن تطمئن وتستسلم لله، حسب توجيهاته، أي حسب تعليمات المعرّف.

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق