84- (770-754) وعدُ الله: «إنّ رحمتي ستغمُرُ النفوس التي تتلو هذه السبحة، طوال حياتها ولا سيّما في ساعة موتها»
754- وعدُ الله: «إنّ رحمتي ستغمُرُ النفوس التي تتلو هذه السبحة، طوال حياتها ولا سيّما في ساعة موتها».
755- يا يسوع علّمني أن أفتح صدر الرحمة والمحبّة لكلّ من يطلبها. يا يسوع، رئيسي علّمني أن أحمّل كل صلواتي وأعمالي وصم رحمتك.
756- 18 تشرين الأول 1936.
حاولتُ اليوم أن أتمّم كل تماريني الروحية قبل زياح القربان لأنّني شعرتُ بالمرض أكثر من المعتاد. وهكذا ذهبتُ فوراً إلى النوم بعد الزياح. ولكن ما إن دخلتُ غرفتي حتى تحسَّستُ أنّه ينبغي لي أن أزور غرفة الأخت س. ن. لأنّها كانت بحاجة إلى مساعدة. دخلتُ غرفتها حالاً فقالت لي: «إنّه لشيء رائع أن يرسلك الله إلى هنا، يا أختي». وكدتُ لا أسمع صوتها لفرط ضعفه. وقالت لي: «أرجوكِ أن تعطيني شيئاً من الشاي ممزوج بالحامض لأنّني شديدة العطش ولا أستطيع أن أتحرّك من شدة الألم». وكانت بالفعل متألّمة جدًّا وحرارتها عالية. هدَّأتُ اضطرابها فاستطاعت أن تُروي عطشها بقليل من الشاي الذي حمَلْتُهُ لها. لمّا عدتُ إلى غرفتي، غمر نفسي حبّ الله الكبير وأدركتُ أنّه يجب دائماً أن نصغي إلى إلهاماتنا الداخلية ونعمل بها بأمانة، وأنّ هذه الأمانة تجلب النعم إلى الآخرين.
757- 19 تشرين الأول [1936].
رأيتُ وقت القداس الرب يسوع الذي قال لي: «كوني بسلام، يا ابنتي، إنّني أرى جهودَكِ التي ترضيني جدًّا». وتوارى الربّ وحان وقت المناولة المقدسة. وبعد أن تناولتُ القربان المقدّس رأيتُ فجأة العليّة وفي داخلها يسوع والرسل. ورأيتُ رسم السرّ الأكثر قداسة. وسمح لي يسوع أن ألِجَ في داخله وحدث أن تعرَّفتُ إلى عظمة جلاله وفي الوقت نفسه تواضعه العميق، وأنّ النور الخارق العادي الذي أتاح لي أن أرى عظمته، كشف لي، في الوقت نفسه، عن حالة نفسي.
758- أتاح لي يسوع أن أُدرك عمق وداعته وتواضعه وأن أعرف بوضوح أنّه يطلب إليّ الشيء نفسه. شعرتُ أنّ الرب يحدّق في نفسي، ممّا ملأني بحبّ لا يوصف. ولكن فهمتُ أنّ الرب كان ينظر بحبّ إلى فضائلي وإلى جهودي الجبّارة. وأدركتُ أنّ هذا ما جذب الله إلى قلبي. وتعلَّمتُ من ذلك أنّه لا يكفي أن أسعى فقط إلى الفضائل العادية، بل عليّ أن أحاول ممارسة فضائل بطوليّة. ورغم أنّ الأمور تبدو عادية في الخارج، إنّما الفرق هو في [طريقة القيام بها] التي تراها عين الله وحده. يا يسوع، إنّ ما أكتبُ ليس إلاّ ظلاًّ شاحباً لِما أدركُ في نفسي. هناك أمور محض روحية، ولكن، كي أكتبَ شيئاً عمّا علّمني إياه الرب، يجب أن أستعمل كلمات لا أرتضي أبداً بها، لأنها لا تعبّر تماماً عن الحقيقة.
759- لمّا اختبرتُ الآلام لأوّل مرّة بدا الأمر هكذا: ذات يوم، بعد النذورات السنوية، رأيتُ، وقت الصلاة، نوراً ساطعاً. خرَجَتْ منه شعاعات غمرتني بكلّيتي. ثمّ شعرتُ فجأة بألمٍ قاسٍ في يديّ وقدميّ وفي جنبي، ووخز أشواك إكليل الشوك. شعرتُ بهذه الآلام يوم الجمعة، وقت القداس، إنّما لم يدم ذلك طويلاً. وتكرّر الشيء لعدّة أيام الجمعة. ومنذ ذاك الوقت وإلى الآن، لم أعد أشعر بأي ألم، أي لغاية نهاية شهر أيلول من هذه السنة. في غضون مرضي الحالي، وفي يوم جمعة وقت القداس، شعرتُ بنفس الآلام تحرُّ فيَّ، وتكرّرت هذه الآلام في كل يوم جمعة، وأحياناً لمّا كنتُ ألتقي بنفس دون حالة النعمة. رغم أنّ الآلام لم تكرّر إلاّ نادراً ولم تدم إلاّ قليلاً، فقد كانت قاسية وقد لا أستطيع تحملّها لولا نعمة خاصة من لَدُنِ الله. لم يكن من أثر خارجي لهذه الآلام ولا أعلم ماذا سيأتي فيما بعد إنّما كلّ ذلك هو من أجل النفوس.
760- 21 تشرين الثاني [1936].
يا يسوع أنت ترى أنني لستُ في مرض عضال ولا في صحّة جيّدة. تملأ نفسي بالحماس للعمل وليس لديّ قوّة. إنّ نار محبّتك تلتهبُ في داخلي. فالحبّ يعوّض عمّا لا أستطيعُ أن أحقّقه بالقوّة الجسدية.
761- يا يسوع، إنّ روحي تتوقُ إليك وأرغبُ كثيراً أن أتّحد بك. ولكن عملك يدفع بي إلى الوراء. لم يكتمل بعد عدد النفوس التي عليّ أن أرجعها إليك. أرغب في العناء والألم. حقّق فيّ يا سيدي وخالقي كلّ ما صمّمته لي منذ القديم، لا أفهم سوى كلمتك فهي وحدها تقوّيني. إنّ روحك يا سيدي، هي روح السلام. لا شيء يعكّر داخلي لأنّك تسكن فيه يا رب.
أعرف أنني تحت نظرك الخاصّ يا رب. فلا أتفحّص بخوف تصاميمك العائدة لي. إنّ مهمّتي هي أن أقبل كلّ شيء من يدك. لا أخافُ شيئاً رغم أنّ العاصفة تثور والبرق المخيف يتكسّر حول، فإنني أشعر أنني وحدي. غير أنّ قلبي يتحسّسك وتنمو ثقتي وأرى قدرتك اللامتناهية تساندني. أسيرُ معك يا يسوع في الحياة، في وسط العواصف وأقواس القزح، بأصوات الفرح، مرنّمة أنشودة لرحمتك. فلن أتوقّف عن ترنيم أنشودة الحب إلى أن تلتقطها أجواق الملائكة. فلا قوّة تستطيع أن تعوق تحلّقي نحو الله. لا أتعجّب من أن الرئيسات بالذات لا يُدرِكْنَ السبيل الذي يقودني فيه الله.
762- رأيتُ مرّة الأب سوبوكو يصلّي وهو يتأمّل بهذه الأمور. حينئذ أبصرتُ فجأة هالة نور فوق رأسه. ورغم المسافة التي تفصلنا فإني غالباً ما أراه، لا سيّما عندما يعمل في مكتبه، رغم تعبه.
763- 22 تشرين الثاني [1936].
هذا اليوم وقت الاعتراف، حدّثني يسوع على لسان أحد الكهنة. لم يعرف هذا الكاهن نفسي، واعترفتُ فقط بخطاياي. غير أنّه خاطبني بهذه الكلمات: «تمّمي بأمانة ورغم الصعوبات كلّ ما يطلبه إليكِ يسوع، إعلمي أنّ يسوع لم يغضب منك ولن يغضب أبداً، رغم أنّ البشر قد يغضبون. فلا تهتمّي برأي الناس». تعجَّبتُ أولاً لهذه التعليمات. ولكن أدركتُ أنّ الله يتكلّم من خلاله دون أن يعلم الكاهن بذلك. فيا أيها السرّ المقدّس، كم من الكنوز تختبئ فيك، أيها الإيمان المقدّس، أنت منارة طريقي.
764- 24 تشرين الثاني.
استملتُ اليوم رسالة من الأب سوبوكو. علمتُ منه أنّ الله بذاته يدير كل هذه القضية. وكما بدأها الرب فهو يكمّلها حتى النهاية. ويزداد اطمئناني بازدياد الصعوبات التي أواجهها. آه! لو لم تكن هذه القضية لمجد الله ولخير النفوس لما عارضها الشيطان بهذه القوّة. إنّه يتحسّس ما سيخسر من جرّاء ذلك. أدركتُ اليوم أنّ الشيطان يكره الرحمة أكثر من أي شيء آخر. فالرحمة هي عذابه الأقسى. إنّما كلمة الله لن تزول. كلمة الله هي حيّة ولن تقمع الصعوبات أعمال الله، بل تؤكد أنّ هذه الأعمال هي حقًّا إلهيّة.
765- في إحدى المناسبات رأيتُ دير الجمعية الجديدة. وبينما كنتُ أتمشّى فيه، مُراقِبَةً كلّ شيء، رأيتُ فجأة جمهور أطفال تتراوح أعمارهم بين الخامسة والحادية عشر. ولمّا رأوني أحاطوا بي وراحوا يصرخون: «احمينا من الشرير». وقادوني إلى الكنيسة الكائنة داخل الدير. لمّا دخلتُ الكنيسة رأيتُ يسوع حزيناً. نظر إليّ بحنان وقال إنّ الأطفال تمادوا في إهانته: «عليكِ أن تَحْمِيَهُم من الشرير». ومنذ ذلك الحين بدأتُ أصلّي من أجل الأطفال. ولكن شعرتُ أنّ الصلاة وحدها لا تكفي.
766- يا يسوع أنت تعلمُ كم يتطلّب من جهد كي نعيش بصدق ودون أن نتأثّر مع الذين تنفر منهم طبيعتنا أو مع الذين، بقصد أو بدون قصد، تسبّبوا لنا بالعذاب. هذا أمر مستحيل بشريًّا. أحاولُ، في مثل هذه الأوقات، أكثر من أي وقت آخر، أن أكتشف الرب يسوع في مثل هؤلاء الأشخاص، وأقدّم لهم كل شيء من أجل يسوع. فالحبّ يتنقّى في مثل هذه الأعمال. وإنّ ممارسة المحبّة هذه تزيد النفس مناعة وقوّة. لا أنتظر شيئاً من الخلائق غير أنّ أملي لم يخِب. أعرفُ أنّ الخليقة هي مسكينة بحدّ ذاتها، فماذا نتوقّع منها إذاً؟ الله هو لي كلّ شيء. أريدُ أن أقيّم كل شيء حسب طرق الله.
767- إنّ اتّحادي بالله هو الآن روحيّ محض. لقد لامس الله نفسي، فاستغرَقَتْ فيه بكاملها، حتّى نسيان ذاتها التامّ. لقد نفذ الله إلى عمق أعماقها فغمرها بجماله وذابت فيه كليًّا. لا أستطيعُ أن أصف ذلك لأنّ الكتابة تستعين بالحواس، ولكن في هذا الاتّحاد، ليست الحواس ناشطة. هناك فقط اندماجُ الله والروح. وإنّ حياة الله التي أتيحَ للنفس أن تلِجَها، هي في غاية السموّ، فلا يستطيع لسان بشريّ أن يعبّر عنها.
لمّا تعودُ النفس إلى وضع حياتها العادية تكتشف أن الحياة هي كلها ظلام وضباب وارتباك أحلام وقماطات أطفال. في مثل هذه الأوقات لا تستعين النفس إلاّ بالله، لأنها لا تستطيع شيئاً من ذاتها. ولا تقوم بأقلّ جهد. كلّ ما فيها هو من صنع الله. وعندما تعود النفس إلى حالتها العادية ترى أنها لا تستطيع أن تثابر في هذا الاتّحاد بفضل قوّتها فقط.
هذه الأوقات هي قصيرة إنّما يدوم تأثيرها، فلا تستطيع النفس أن تبقى طويلاً في هذه الحال وألاّ تتخلّص إلى الأبد من رباطات الجسد. حتى كما هي عليه، فإنّ آيةً من لَدُنِ الله تدعمها. يُتيحُ الله للنفس أن تدرك فرط محبّته لها، لأنّ ذاك هو موضوع رضاه. تعلمُ النفس ذلك بوضوح ودون أيّ غموض، إذا جاز التعبير. تسعى نحو الله بكل قوّتها، ولكنّها تشعر كأنها طفلة فتعلم أنّها لا تستطيع إلى ذلك سبيلاً. إنّما الله يتنازل إلى النفس ويضمّها إليه بشكل … عليّ أن أصمت هنا لأنني لا أتمكّن من وصف ما تختبره النفس.
768- فيا للعجب، إنّ الإنسان الذي يعيش اختبار اتِّحادٍ بالله، لا يجد الكلام ليصفه. بينما عندما يلتقي بإنسان آخر يعيش نفس الاختبار، يتمّ بينهما تفاهم على أكمل وجه حول هذا الموضوع دون أن يتبادلا الكلام. إنّ النفس المتّحدة بالله تتعرّف بسهولة إلى نفس شبيهة بها، رغم أنّ هذه لا تُعلنُ عن [حياتها] الداخلية ولا تتكلّم عن ذاتها إلاّ القليل وبشكل عاديّ. فيتولّد بينهما نوع من القرابة الروحية. والنفوس المتّحدة هكذا بالله هي قليلة، وأقلّ بكثير ممّا نظنّ.
769- لاحظتُ أنّ الله يهب النفوس هذه النعمة في حالتين. الحالة الأولى عندما يطلب إلى النفس أن تُنجز عملاً جبَّاراً، يفوق بكثير قدراتها البشرية. والحالة الثانية، عندما يهب الله نعمته، كما لاحظتُ، إلى النفوس المتقرّبة منه، ليقودها ويطمئنها، رغم أنه يستطيع أن يهب هذه النعمة كما يشاء وإلى من يختار. لقد تأكَّدتُ من هذه النعمة عند ثلاثة كهنة، أحدهم كاهن أبرشي [ربما الأب سوبوكو] والاثنان الباقيان، راهبان [ربما الأب ألتر Elter والأب أندراز]. وكذلك عند راهبتين [ربما الأم مايكل والأخت ماري جوزف] ولكن على درجات متفاوتة.
770- فيما يخصّني، أُعطيتُ هذه النعمة للمرّة الأولى ولوقت قصير لمّا كنتُ في عمر الثمانية عشرة من حياتي، في ثمانيّة عيد الجسد [18 ـ 25 حزيران 1925]. وقت صلاة المساء لمّا التزمْتُ أمام الرب بنذر العفّة المؤبّدة. كنتُ آنذاك في العالم. ولكن دخلتُ الدير بعد ذلك الوقت بقليل. دامت النعمة وقتاً قصيراً جدًّا ولكن كان تأثيرها قويًّا. ومضى وقتٌ طويل على هذه النعمة. وبالفعل لقد أغدق عليّ الرب نعماً عديدة في هذا الوقت، إنّما كانت من نوع آخر، كانت وقت التجارب والتنقية. كانت التجارب مؤلمة جعلتني أشعر كأنّ الله أهملني تماماً أو كأنّ ظلمة كثيفة تغمرني. وأيقنتُ وتأكَّدتُ أنّه قد لا يستطيع أحد أن ينشلني من هذه الآلام حتى ولا أن يفهمني.
لقد غمر اليأس نفسي مرّتين: المرّة الأولى لمدّة نصف ساعة، والمرّة الثانية لمدّة ثلاثة أرباع الساعة. كما لا أستطيعُ أن أصفَ عظمة النِّعَم، كذلك لا أتمكَّنُ من وصف هذه الصعوبات التي أرسلَها إليّ الرب. ومهما كانت الكلمات التي أستعملُها، فليست إلاّ ظلاًّ شاحباً [للحقيقة]. غير أنّ الله نشلني من تلك العذابات كما سبق وأغرقني فيها. دامت تلك النعمة بضع سنوات، أُعطيتُ بعدها النعمة الفائقة للاتّحاد مع الله والتي دامت إلى هذا اليوم. غير أنّه في المرحلة الثانية من هذا الاتّحاد، عانيتُ بعض الانفصامات. ولكن منذ وقت غير قصير حتى اليوم لم أختبر أبداً أيّ انفصام. إنّما بالعكس، لقد زدتُ استغراقاً في الله. إنّ النور الذي أضاء فكري جعلني أتعرَّفُ إلى عظمة الله. ليس كما أدركتُ سابقاً صفاته الخاصة، لا، فالأمر يختلفُ اليوم. لقد اكتشفتُ بلمح بصر كامل كيان الله.