الدفتر الثاني

95- يا يسوع، اعطنا كهنة غيورين وقديسين. آه! كم هي عظيمة كرامة الكاهن

10 شباط 1937

931- اليوم هو أربعاء الرماد، شعرت في القداس، لوقت قصير، آلام يسوع في أعضائي. الصوم هو زمن خاص لعمل الكهنة. علينا أن نساعدهم في إنقاذ النفوس.

932- لأيام خلت كتبتُ إلى مرشدي [ربما الأب أندراز] وطلبتُ إليه أن يسمح لي بالقيام بأماتات صغيرة طيلة الصوم. ولمّا لم يسمح لي الطبيب أن أذهب الى المدينة، طلبتُ ذلك كتابة. وقد بلغنا إلى أربعاء الرماد ولم القَ جوابًا. صلّيت هذا الصباح بعد المناولة الى يسوع أن يلهم مرشدي بنوره كي يجيبني. وعرفت في داخلي ان المكان لا يعارض ممارسة هذه الاماتات التي طلبت، وأنه سيسمح لي بها. وهكذا بدأتُ هذه الممارسات بطمأنينة. وبعد الظهر من اليوم ذاته، استلمت رسالة من الكاهن يقول فيها أنه قد سمح لي ممارسة الاماتات التي طلبت الإذن للقيام بها. وسررتُ أن حدسي الداخلي توافق مع رأي مرشدي الروحي.

933- ثم سمعتُ هذه الكلمات في نفسي: «ستنالين مكافأة لطاعتك وخضوعك لمعرّفك، أكبر مما ستنالينه لممارسة ما تحققينه. إعلمي هذا يا ابنتي واعملي بموجبه، كل شيء، مهما كان صغيرًا، هو موسوم بطابع الطاعة لممثّلي، يسرّني ويكبر في عينيّ».

934- ممارسات صغيرة لأيام الصوم. رغم أنني أرغب في القيام بإماتات كبيرة فلا أستطيع الى ذلك سبيلًا. لأنني ما زلت تحت مراقبة الطبيب الدقيقة. ولكن أستطيع ممارسة أمور صغيرة: أولًا، أن أنام دون مخدة، أن أبقى جوعانة قليلًا، أتلو كل يوم السبحة التي علمني ياها الرب، ويداي ممدودتان. وفي بعض الحالات اصلّي ويداي ممدودتان دون تحديد وقت. النية: طلب الرحمة الالهية للخطأة المساكين وطلب القوّة للكهنة كي يُرجعوا القلوب الخاطئة الى التوبة.

935- إن علاقتي مع المنازعين هي- كما في السابق- وثيقة جدًا. أرافق غالبًا الى البعيد شخصًا منازعًا. إنما يكمن فرحي الكبير في رؤية الوعد بالرحمة يتحقق في تلك النفوس. فالرب أمين وهو ينفّذ ما يصمم.

936- + بدأت امراة في مقرّنا تنازع. ودامت تعاني آلامًا مريرة في نزاع دام ثلاثة أيام وكانت تستعيد وعيها احيانًا.  ذهب كل احد لزيارتها وتمنيت أن أزورها بدوري. ولكن منعتني الأم الرئيسة من زيارة المنازعين، لذا صليتُ لأجل تلك النفس المسكينة في غرفتي. ولما سمعت أنها لا تزال تنازع ولا يعرف أحد كم يدوم نزاعها، شعرتُ فجأة بإلهام في نفسي وقلت للرب: «يا يسوع ،اذا كان كل ما اقوم به يرضيك فأوقف آلام هذه النفس وانقلها بسرعة الى سعادتها الابدية». وبعد دقائق علمتُ أن تلك المرأة قد توُفيت بطمأنينة وبسرعة فلم يتمكن أحدٌ حتى من إضاءة شمعة.

937- + سأقول كلمة أخرى، عن مرشدي الروحي [الأب أندراز أو الاب سوبتشكو]. أتعجّب كيف أنه يوجد عدد قليل من الكهنة الذين يعرفون كيف يسكبون القوّة والمقدرة والشجاعة في النفس، حتى تتابع تقدّمها دون تعب. إن النفس التي تتبع هذه الارشادات، ولو كانت ضعيفة القوى، تحقّق الكثير لمجد الله. واكتشفت هنا سرًّا، وهو أن المعرّف أو المرشد الروحي لا يستخفّ بالتوافه التي تحملها اليه النفس وعندما تلاحظ النفس أنها مراقبة في ذلك، تجهد ذاتها ولا تترك أصغر المناسبات تمرّ دون أن تمارس الفضيلة وان تتحاشى أصغر الأخطاء.

ومع هذه المساعي التي هي بمثابة حجارة صغيرة، تبني النفس في داخلها هيكلًا جميلًا. وبالعكس إذا لاحظت النفس أن المعرّف يهمل هذه الامور الصغيرة، فتهملها هي بدورها دون أن تؤدي عنها حسابًا. وما هو أسوأ من ذلك، فإنها تزداد إهمالًا لها، وهكذا، بدل أن تسير فرحًا فهي تتأخر تدريجيًا ولا تدرك حالها إلا بعد أن تكون قد سقطت في ورطة صعبة وهنا يطرح سؤال جدّي، على من تقع الخطيئة، على النفس المعنيّة ام على المعرّف أي المرشد؟ يبدو أن كل اللوم يقع على المرشد العديم الفطنة، وان خطأ النفس يقتصر على اختيارها المعرّف. فأن باستطاعة المعرّف أن يقود النفس في طريق إرادة الله نحو القداسة.

938- ينبغي على النفس أن تصلّي بحرارة ولوقت طويل لأجل مرشد، وأن تطلب هي الى الرب ان يختار لها مرشدًا روحيًا. فكلّ ما يبدأ بالله هو إلهيّ وكل ما يبدأ بطريقة محض بشرية يبقى بشريًا. إن الله هو كثير الرحمة فيساعد النفس لتختار هي بذاتها، الموجّه الروحي، ويلهمها إلى من يجب عليها أن تكشف أمامه أعماقها الأكثر خفية، كما تراها هي بذاتها أمام يسوع عينه. وعندمت تعتبر النفس وتتأكّد أن الله قد دبّر كل شيء يتوجّب عليها ان تصلّي بحرارة لأجل المعرّف كي يُعطى النور الإلهي ويطّلع هو ايضًا على واقع الحال. ولا يجب ان تبدّل المعرّف إلا لأسباب جديّة. وكما صلّت بحرارة ولوقت طويل لتعلم ارادة الله قبل ان تختار معرّفًا، كذلك يجب أن تصلّي بحرارة ولوقت طويل كي تميّز اذا كانت حقًا ارادة الله ان تترك هذا المعرّف وتختار غيره. واذا لم تتضّح لها كليًا ارادة الله، فلا يجب أن تغيّر، لأن الانسان لا يستطيع ان يذهب بعيدًا وحده، وهذا ما يريده ابليس: أي أن الانسان الذي يتوق الى القداسة، يوجّه ذاته، حينئذ، وبدون شك، لا يصل أبدًا الى تلك القداسة.

939- إنما هناك شواذّ [لذلك] أي عندما يوجّه الله نفسه الانسان. ولكن على المعرّف أن يدرك فورًا أن الله يقود نفسه هذا الانسان بالذات. ويُتيح الله للمعرّف أن يدرك ذلك بوضوح ودقّة، فيصبح الانسان تحت رقابة المرشد أكثر ممّا هو تحت أي رقابة أخرى. في هذا الحال لا يهتمّ المرشد بالتوجيه والاشارة الى الطريق التي تسير عليها النفس، بل بالأحرى يحكُم ويثبّت أن النفس تسير في الطريق المستقيم وأن روحًا صالحًا يقودها فيه. في هذا الوضع على المرشد ان لا يكون  فقط قديسًا، بل أيضًا حكيمًا محنّكًا. وعلى النفس أن تفضّل رأيه على رأي الله، فتُصبح بأمان من الأوهام والضلال. وان النفس التي لا تخضع كليًا الى الهامات الكنيسة وتوجيهاتها الدقيقة، اي توجيهات المرشد، تُظهر بوضوح أن روحًا شريرًا يقودها. على المرشد أن يكون على غاية الفطنة في مثل هذه الحالات، ويختبر طاعة النفس. يستطيع ابليس ان يرتدي لباس التواضع ولكن لا يعرف ان يلبس لباس الطاعة. لأن خططه الشريرة تنكشف حالًا. لا يجب أن يتخوّف كثيرًا من مثل هذه النفس المميزة، لأن الله الذي وضعها تحت عنايته هو يُفضي عليه أيضًا نوره الالهي بالنسبة لها. وإلا كيف يستطيع أن يتصرّف بحكمة مع هذه الأسرار العظيمة التي تحتلّ مكانًا بين النفس والله.

940- لقد تألّمتُ وجُرّبتُ كثيرًا في هذا المجال. ولا أكتب إلا عما أختبرته بذاتي. ولم يرسل الله كاهنًا يفهم نفسي إلا بعد تساعيات وصلوات وأعمال توبة عديدة. آه! قد يوجد عدد أكثر من النفوس القديسة لو وجد معرّفون أكثر خبرة وصداقة. كم من النفوس تسعى جاهدة نحو القداسة ولا تستطيع وحدها أن تتدبّر أمرها في اوقات المِحَن، فتهمل الطريق نحو الكمال.

941- يا يسوع، اعطنا كهنة غيورين وقديسين. آه! كم هي عظيمة كرامة الكاهن. ولكن كم هي كبيرة ايضًا مسؤوليته. لقد أُعطيتَ الكثيرَ أيها الكاهن، ولكن سيُطلَب منك الكثير ايضًا.

يوم الجمعة 1 شباط 1937

942- لقد تألّمت، وقت القداس، في جسدي في رجليّ ويديّ وجنبي. يرسل لي يسوع هذا النوع من الألم لأعوّض عن الخطأة. كان الألم لوقت قصير ولكن قاسيًا. لم اتألم أكثر من بضع دقائق ولكن بقي التأثير شديدًا لوقت طويل.

943- +أشعر اليوم باكتئاب في نفسي، فلا استطيع ان اشرحه حتى لذاتي. أرغب أن أختبىء عن العالم ولا أنقطع عن البكاء ما من أحد يستطيع أن يفهم قلبًا جرحه الحب ولمّا يشعر هذا القلب أن الجميع اهملوه، فلا يجد من يقوّيه. يا نفوس الخطأة لقد أخذتم الله مني، فلا بأس، لا بأس، لقد توصلت أن تعرفي عذوبة الرب وليفِض على قلب كل بحر المرارة. لقد أعطيتكم كل ما وهبني الله من قوّة.

944- + احيانًا أفقد الثقة بذاتي وذلك لمّا أدرك كل ضعفي وحقارتي في عمق أعماق كياني. ولاحظت أنني لا أستطيع تحمّل مثل هذه الاوقات إلّا بفضل ثقتي في رحمة الله اللامتناهية. الصبر والصلاة والسكوت، هذا ما يقوّي نفسي. هناك اوقات تلزم السكوت وتجعل الكلام مع الخلائق في غير نطاقه. وتشعرنا بعدم الرضى عن ذاتنا وتُشعر النفس بضعفها كطفلة صغيرة. بتتعلّق بالله بكلّ قوّتها. أعيش آنذاك بالإيمان وأتقوّى بنعمة الله فأتشجّع على الحديث والتواصل مع قريبي.

945- قال لي الرب عند المساء: «استريحي يا ابنتي على قلبي، ارى انك تعبتِ في حقلي». ففاضت نفسي بالفرح الإلهي.

12 شباط 1937

946- لقد إخترقني حضور الله كشعاع الشمس. يشتدّ توقي إلى الله فيُغمى عليّ من وقت إلى آخر. أشعر أن الحبّ الإلهيّ يلامس قلبي فلا تستطيع حقارتي أن تتحمّله ممّا يتسبب لي بالإغماء. غير أن قوّتي الداخلية هي كبيرة وترغب نفسي أن تضاهي الحب الذي يغمرها. فتدرك النفس آنذاك عمق معرفة الله، وبقدر ما تزداد معرفتها به، يتطهّر حبّها له ويتأجج. كم هي عميقة اسرار النفس والله.

947- قد تمرّ ساعات طويلة تضيع نفسي فيها بالإعجاب من عظمة الله اللامتناهية التي تتنازل الى مستوى نفسي. ولا حدّ لإندهاشي الداخلي، ممّا يجعل الله يبوح لي أنه يرتضي به. ويزداد استغراقي بحقارتي عمقًا لأنني أعرف ذاتي. إنّما عليّ أن أقول، بالمقابل، أنني أحبّ خالقي حبًا جنونيًا بكل نبضة من نبضات قلبي وبكل وتر من اوتاره. فتستغرق وتستغرق نفسي فيه دون وعي. وأشعر أن لا شيء يفصلني عن الرب، لا السماء ولا الارض، لا الحاضر ولا المستقبل. فقد يتبدّل كل شيء ولكن الحب لن يتبدّل ابدًا، أبدًا؟ فهو دائمًا كما هو عليه فالله الكلّي القدرة والخالد يعلّمني إرادته، إن باستطاعتي أن أخصّه بحبّي وهو يجعلني قادرة على هذا الحبّ الذي يريدني أن أكنّ له.

أدفن ذاتي أكثر فأكثر فيه. ولا أخاف شيئًا. لقد قبض الحبّ على كل قلبي. ولو أخبرتُ عن عدالة الله وعن اضطراب الأرواح السماوية التي تُخَبّىء وجهها أمامه مردّدة دون انقطاع «قدوس»، مما يوحي إن إلفتي مع الله وهي على حساب إكرامه ومجده،[أجيب], كلا، كلا، وألف كلا، لان في الحب الصافي مكانة لكل شيء للتمجيد الأكثر عظمة، وللعبادة الأكثر عمقًا. ومع ذلك تستغرق النفس في الله من خلال الحب بطمأنينة عميقة، فيفتقد كلام الناس، الذين يحكمون من الخارج، كل تأثير على النفس وما تسمعه منهم عن الله ليس إلا ظلًا شاحبًا بالمقارنة مع ما تختبره معه. ومن دواعي العجيب أن أناسًا آخرين يُصعقون ذهولًا ممّا يُقال عن الله، في حين لا تجد النفس في هذا القول شيئًا مميزًا، لأنها تدرك أن ما نصنعه في الكلمات ليس على ذات اهمية. إنما تصغي باحترام الى كل شيء في حين أنها تمتاز بحياتها الخاصة مع الله.

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق