الدفتر الأول

17- (73-67) الألم يملأ جسد وقلب ونفس القديسة فوستينا فأين كانت تجد الراحة

67- لما مرضت [ربما بدء مرض السل] بعد نذوراتي الأولى، لم أشعر بتحسن أو بتأخر في صحتي، رغم عناية الرئيسات واهتمامهن المحب، بدأت تطرق أذنيّ ملاحظات تتهمني بالتمارض. مما ضاعف فيّ الألم لوقت طويل. فأشتكيت إلى يسوع أنني أصبحت عبئاً عن الراهبات. فأجابني: «أنت لا تعيشين لذاتك بل للنفوس التى تستفيد من آلامك. إن آلامك المتواصلة تعطيها الوعي والقوة لتقبل إرادتي».

68- كان يبدو أن لا صلواتي ولا أعمالي الحسنة ترضي الله، هذه ما زاد آلامي ثقلاً. لم أجرأ أن أرفع عينيّ نحو السماء، فتسبب لي ذلك بآلام مُرّة وقت صلاة الجماعة في الكنيسة، مما دفع بالأم الرئيسة [رافائيل] أن تطلبني يوماً، على حدة، بعد الصلاة لتقول لي: «أيتها الأخت، أطلبي من الله النعمة والتعزية لأنني ألاحظ بذاتي ما تقوله لي الراهبات وهو أن منظرك يستدعي الشفقة. لا أعلم كيف أتصرف معك. آمرك أيتها الأخت أن تعدلي عن تعذيب ذاتك دون سبب».

ولكن لم تجد الأحاديث مع الام الرئيسة نفعاً ولم توضح شيئاً لي. وبالعكس فإن ضباباً اكثر كثافة حجب الله عني. فتّشت عن مساعدة في كرسي الاعتراف ولا هناك وجدتها. أراد أحد الكهنة الأتقياء مساعدتي ولكن كنتُ جدّ تعيسة فلم أتمكّن من تحديد اضطرابي فازددت قلقاً. خالج نفسي حزن مُميت، لم يعد بأستطاعتي إخفاءه وأصبح ظاهراً لكل من هم حولي. فقدت الأمل. وكان الألم وظلام الليل يتفاقم. قال لي الكاهن الذي قصدته لسماع اعترافي: «إني أرى نعمة خاصة لك، أيتها الأخت، ولست قلقاً من وضعك فلماذا تعذّبين ذاتك هكذا». ولكن لم افهم آنذاك كل ما قاله لي. وتعجّبت كثيراً مما أمرني أن اقوم به من كفّارة، وهو أن أصلّي «المجد لله» أو «تعظم نفسي الرب». أو أن أركض عند المساء حول الجنينة او أن اقهقه عشر مرات في النهار. كل تلك الكفّارات كانت مذهلة. ومع كل ذلك لم يتمكّن الكاهن من مساعدتي كثيراً.

لا شكّ أن الله أراد أن أمجّده بآلامي. عزّاني ذلك الكاهن بقوله إنني أرضي الله بوضعي الحالي أكثر مما لو كنت ممتلئة من أكبر التعازي «إنها نعمة كبرى، أيتها الراهبة». قال لي: «إن في وضعك الحالي، مع كل الآلام التي تختبريها في نفسك، لم تغيظي الله أبداً، بل أنك تحاولين ممارسة الفضائل. إني أنظر داخل نفسك فأرى فيها تصاميم الله الكبيرة ونِعَمه الخاصة. فأشكرُ الرب عليها». ورغم كل ذلك بقيت نفسي معذّبة. وفي قلب الآلام المبرحة هذه، كنت أقتدي بالرجل الأعمى الذي يثق بمن يقوده، فيتمسّك بيده بشدّة مطيعاً في كل لحظة. تلك كانت ضمانتي الوحيدة في هذه التجربة المتأججة.

69- يا يسوع أيتها الحقيقة الأزلية، نشّط قواي الضعيفة، فأنت، يا رب قادر على كل شيء. لا تخفي ذاتك عني يا يسوع لأنني لا استطيع أن أحيا بدونك. أستمع الى صراخ نفسي. إن رحمتك لم تنضب بعد يا رب، فأشفق إذاً على تعاستي. إن رحمتك تعلو معرفة كل الملائكة والبشر معاً فلذا، وإن كان يبدو لي أنك لا تسمعني، فإنني أثق في محيط رحمتك وإني أعلم أنك لن تخيّب أملي.

70- إن يسوع وحده يدرك كم يصعبُ ويُتعبُ القيام بالواجبات عندما تكون النفس معذّبة في الداخل والقوى الجسدية ضعيفة والعقل مُظلماً. وفي سكون قلبي أردد على ذاتي: «يا يسوع لتكن لك السعادة والاحترام والمجد وليكن العذاب من نصيبي. فلن أتراجع خطوة واحدة نحو الوراء بينما أنا أسير وراءَك رغم أن الشَوك يُدمي قدميّ».

71- أُرسلتُ إلى بيتنا للمعالجة في بلوك. أسعدني الحظ هناك أن أزيّن الكنيسة بالأزهار. كان ذلك في بيالا(Biala). ولم يكن دائماً للأخت تقلا وقت لهذا العمل، فقمت أنا بتزيين الكنيسة. ذات يوم، قطفت أجمل الورود لأزيّن بها غرفة أحد الأشخاص. لمّا اقتربت من الباب، رأيت يسوع واقفاً هناك وسألني بلطف: «إلى من تأخذين هذه الأزهار يا ابنتي؟» كان سكوتي جواباً للرب، لانني أدركت فوراً أن تعلّقاً خفياً، لم ألحظه من قبل يشدّني إلى هذا الشخص. رميت على الحال الأزهار على الأرض، وذهبت أمام القربان المقدّس وتقدير نعمة معرفة ذاتي، يملأ قلبي. أيتها الشمس الإلهية إن النفس ترى على ضوء شعاعاتك، أصغر حفنة من الغبار التي تغيظك.

72- يا يسوع، أيتها الحقيقة الأزلية، أنت حياتنا، أتّكل عليك وأستجدي رحمتك من أجل الخطأة المساكين، يا قلب ربي المليء بالحنان إنني أتوسّل من أجل الخطأة والمساكين بملء الشفقة وبرحمة لا حدّ لها، يا قلب يسوع الأقدس ينبوع الرحمة الذي تتدفّق منه إشعاعات رحمة غير محدودة على كل الجنس البشري، أطلب منك النور إلى الخطأه، المساكين، يا يسوع تذكّر آلامك المرّة ولا تسمح بهلاك النفوس التى افتديتها بدمك الثمن. لمّا افكر يا يسوع بثمن دمك الغالي، أفرح لأن نقطة واحدة تكفي لخلاص كل الخطأة.

إن الخطيئة هي هوّة ضعف ونكران جميل، ومع ذلك فهي لا توازي الثمن الذي دفعته لأجلنا. فلتُشف كل نفس بآلام الرب ولتضع رجاءها في رحمته. لا يحرم الله أحداً من رحمته. تتبدّل الأرض والسماء ولكن رحمة الله لا تنضب. أي فرح عميق يلهب قلبي لمّا أتأمل في صلاحك غير المدرك يا يسوع. أودّ أن أجلب كل الخطأة الى إقدامك حتى تمجّدَ رحمتك اللامتناهية.

73- يا يسوع، إني أعلم أن الشمس لن تغيب، رغم الألم وسواد الليل الذي يلفّني وتلبّد الغيوم التى تخفي الآفاق. أيها الرب، إنني أثق برحمتك رغم أنني لا أستطيع أن أدركك ولا أن أفهم طرقك. فلتكن يا رب مباركاً لأنها هي إرادتك أن اعيش دائماً في هذه الظلمة. أطلب منك شيئاً واحداً يا يسوع، لا تسمح لي أن أهينك بأي شكل. أنت يا يسوع تعلم توق قلبي وآلامه، إنني سعيدة أن أتألم لأجلك ولو قليلاً. لما أشعر أن الألم يفوق استطاعتي على تحمله فإنني ألجأ إلى الرب في القربان المقدّس وأتحدّث إليه بصمت عميق.

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق