الدفتر الأول

70- جعلَني حبُّكِ وتواضُعُكِ أتركُ عرشي السماويّ لأتّحدَ بِكِ بحبٍّ يملأُ الهوَّة بين عظمتي وحقارتِكِ

كراكوف 25 تشرين الأول 1935
مقاصد الرياضة

504- لا أصنعُ شيئاً دون إذنِ معرِّفي وموافقة رئيساتي في كل شيء، لا سيّما بما يتعلّق بهذه الإلهامات وبطلبات الرب. سأصرفُ كل وقتي الحرّ مع الضيف الإلهي في داخل نفسي. سأحافظ على السكون الداخلي والخارجي كي يستريح يسوع في قلبي.
إنّ راحتي العذبة ستكون في خدمة وإرضاء الراهبات، في نسيانِ ذاتي والتفكير بما يُسِرُّ الراهبات. سوف لا أعطي تبريرات من داخل ذاتي ولن أدافع عن ذاتي عندما أُنتَقَدُ. سأتركُ الآخرين يحكمون عليّ كما يشاؤون. لي صديقٌ واحدٌ أمينٌ أعْهَدُ به في كل شيء، ألا وهو يسوع في الإفخارستيا ومعرّفي ممثّله. سأبقى صامته مثل يمامة ودون تذمّر في وسط الآلام الجسدية والروحية وكذلك في الظلمة واليأس. سأُفرِغُ ذاتي دون انقطاع على قدميهِ حتى أنال الرحمة للنفوس التعيسة.

505- غرِقَتْ كلُّ تفاهتي في بحر رحمتِكَ. بثقة طفل، أرمي بنفسي على ذراعيكَ، يا أب الرحمة، حتّى أُعَوِّضَ عن شكّ نفوس عديدة تخاف أن تثق بِكَ. آه! كم هي قليلة النفوس التي تعرِفُكَ. كم أتوقُ أن تتعرّف النفوس إلى عيد الرحمة. الرحمة هي إكليل أعمالِكَ. إنّك تزوِّدُ الجميع بمحبّة الأمّ الأكثر حناناً.

+ ي.م.ي
كراكوف 27 تشرين الأول 1935
الأب أندراز – مرشد روحي

506- «لا تصنعي شيئاً دون موافقة الرئيسات. يجب أن تمعني التفكير بهذا الموضوع وأن تصلّي كثيراً. يجب أن تتيقّظي كثيراً في هذه الأمور، يا أختي، لأنّ إرادة الله، في وضعِكِ الحالي، هي أكيدة وواضحة. إنّكِ بالواقع مرتبطة بهذه الجمعية بنذورات، لا سيّما بنذورات مؤبّدة. فلا مجال للشّك. إنّ ما تختبرينه في الداخل، يا أختي، هو مجرد وميض مشروع. يمكن أن يُحدِث الله بعض التغييرات، ولكن هذه الأشياء هي نادرة فلا تستعجلي، يا أختي، إلى أن تحصلي على معرف أكثر دقة. إنّ أعمال الله تسيرُ ببطء، إذا كانت هي حقاً أعماله فستتعرّفين إليها بوضوح، وإن لم تكن منه فستتلاشى بسرعة. وأنتِ بطاعَتِكِ لن تضيعي. تحدّثي بصراحة إلى معرّفِكِ عن كل شيء وأطيعيه طاعة عمياء».

«في الوقت الحاضر، يا أختي، ما من شيء تصنعيه أكثر من أن تتحمّلي الألم، إلى أن يحين الوقت ليتّضح كل شيء، أي كل الأمور تنحلّ. أنتِ على استعداد كلّي بالنسبة إلى هذه المواضيع. تابعي إذاً ببساطة وبروح الطاعة. تلك هي علامة صالحة. إذا ثابرْتِ في هذه الحال، فلن يسمح الله لك أن تقعي في خطأ. على كل حال ابتعدي، قدر المستطاع، عن هذه الأمور ولكن إذا تعثّرَتْ طريقك، رغم ذلك، فتقبّليها بهدوء ولا تخافي شيئاً. أنتِ بين أيادٍ سليمةٍ لإلهٍ كلّي الصلاح. لا أجد أي وهم أو أي شيء ضدّ الإيمان في كلّ ما قلتِهِ لي. هي أمور جيدة بحدّ ذاتها، وكم يستحسن لو كان هناك مجموعة من النفوس تضرعُ إلى الله من أجل العالم، لأننا كلّنا بحاجة إلى الصلاة. لديكِ مرشد روحي صالح، ابْقَيْ معه واطمئِنِّي. أثبُتي في أمانتِكِ لإرادة الله ونفّذيها. أما بما يتعلّق بواجباتِكِ، فقومي بها دائماً كما يُطلَبُ منكِ، وكما يُطلبُ منكِ أن تقومي بها مهما كانت مُذِلَّة أو مُضنِكة. اختاري دائماً المكان الأخير، حينئذٍ يقولون لك: (اذهبي إلى مكانٍ أعلى). اعتبري ذاتك الأخيرة في الروح وفي تصرفاتِكِ، في كل الدير وفي الجمعية كلّها. كوني أمينة لله في كل شيء وفي كلِّ وقت».

507- أتمنّى يا يسوع خاصّتي، أن أتألّم وأحترق في لهيب حبّك في كل المناسبات في حياتي، أنا خاصّتُكَ، أنا بكلّيتي خاصّتك، وأرغب أن أختفي فيك يا يسوع، أرغب أن أضيع في جمالك الإلهي أنت تلاحقُني بمحبّتكَ يا رب. إنّك تلجُ نفسي مثل شعاع الشمس، وتبدّل ظلمتها إلى نورِكَ. أشعر بكلّ حيوية إنني أعيش فيك كشرارة صغيرة تبتلعُها النار التي لا توصف والتي لا تُحرق بها، أيها الثالوث غير المدرك. ما من سعادة أكبر من سعادة حب الله، نستطيع منذ الآن أن نتذوّق هنا على الأرض سعادة الذين هم في السماء باتحادٍ وثيقٍ بالله، اتّحاد خارق العادة لا نستطيع أن ندركه غالباً. نستطيع أن نصل إلى هذه النعمة بالذات من خلال أمانة بسيطة للنفس.

508- عندما يبدأ الكره أو الضجر في واجباتي أن يتملّكني، أتذكّر أنني في بيت الله حيث لا شيء صغير، وحيث مجد الكنيسة، وتقدّم العديد من النفوس يتعلّق بعملي الصغير هذا، الذي أُنجِزُهُ بطريقة إلهية. على كل حال، ما من شيء صغير في جمعيّة رهبانية.

509- أتذكّرُ وقت الصعوبات التي أختبِرُها، إنّ وقت المعركة لم ينتهِ بعد. أتسلَّحُ بالصبر، فأنتصرُ بذلك على مهاجميّ.

510- لا أُفتِّشُ إطلاقاً عن الكمال بطريقة فضوليّة، ولكن أتمحَّصُ في روح المسيح، وأركِّزُ عيني على أعماله كما يختصرها الإنجيل، حتى ولو عشتُ ألف سنة فلن أستنفذ كل ما يحتويه.  

511- لا أتعجَّبُ كثيراً عندما لا تُقَدَّرُ جهودي، بل تُشْجَب، لأنني أعرف أن الله وحده يَسْبُرُ قلبي. لن تموت الحقيقة ويسترجع القلب الجريح السلام في الوقت المناسب، وتتقوّى روحي عبر الصعوبات. لا أسمعُ دائماً إلى ما يقوله قلبي لي، ولكن أستلهِمُ دائماً الله، وعندما أشعُرُ أنني استرجعْتُ اتّزاني، حينئذٍ أقولُ أكثر.

512- يوم تجديد النذورات. غمر حضور الله نفسي. رأيتُ يسوع وقت القداس وقال لي: «أنتِ فرحي الكبير. جعلَني حبُّكِ وتواضُعُكِ أتركُ عرشي السماويّ لأتّحدَ بِكِ بحبٍّ يملأُ الهوَّة بين عظمتي وحقارتِكِ».

513- يغمرُ الحبُّ نفسي. أنا غارقة في محيط حبّ. أشعر أنني أتلاشى وأضيعُ فيه تماماً.  

514- يا يسوع، اجعل قلبي شبيهاً بقلبِكَ، أو بالأحرى حوّله إلى قلبِكَ أنتَ، حتى أشعُرَ بحاجات قلوب الآخرين، لا سيّما الحزانى منهم والمتألّمين. فلتسترح شعاعات الرحمة في قلبي.

515- عند المساء، لمّا كنتُ أتمشّى في الجنينة وأتلو سُبحتي، اقتربْتُ من المدافن، فتحتُ البوابة قليلاً، وبدأتُ أصلي لوقت قصير، وسألتهم في داخلي: «أنتم سعداء، أليس كذلك؟». سمعتُ حينئذٍ هذه الكلمات: «نحنُ سعداء بقدر ما أتممنا إرادة الله». وساد الصمتُ من جديد. عدتُ إلى ذاتي أفكر لوقتٍ طويلٍ كيف أنا أتمّم إرادة الله، وأستفيدُ من الوقت الذي أعطاني إياه.

516- في مساء ذلك اليوم، وقد ذهبْتُ إلى النوم، جاءت إليّ إحدى النفوس وأيقظتني بضربات خفيفة على الطاولة قرب السرير، وطلبَتْ إليّ أن أصلي من أجلها. أردْتُ أن أسألها من أنتِ، ولكن سيطَرْتُ على حشريَّتي، وأضفْتُ هذه الإماتة إلى صلاتي، وقدّمتُها كلَّها من أجلها.

517- زرتُ مرة، راهبة مريضة في الأربع والثمانين من عمرها، مشهورة بفضائلها المتعدّدة، وسألتُها: «أنتِ، يا أختي، مستعدّة ولا شكّ أن تقفي في حضرة الرب، أليس كذلك؟». فأجابت: «لقد حضّرتُ ذاتي طوال حياتي لهذه الساعة الأخيرة». ثم أضافت: «لا يعفينا العمر الطويل من المعركة».

+يوم تذكار الموتى

518- ذهبتُ باكراً إلى المدافن، ورغم أنّ البوابة كانت موصدة، تدبّرتُ الأمر لأفتحها قليلاً وقلت: «إذا كنتِ، أيتها النفوس العزيزة، تريدين شيئاً، سأكون سعيدة لمساعدتِكِ بقدر ما يسمحُ لي النظام». سمعتُ حينئذٍ هذه الكلمات: «اصنعي إرادة الله، نحنُ سعداء بقدر ما أتممنا إرادة الله».

519- عند المساء، جاءت تلك النفوس، وطلبت إليّ أن أصلي من أجلها، وصلَّيتُ كثيراً من أجلها. وبينما نحن راجعات باحتفال من المدافن، رأيتُ عدداً كبيراً من النفوس تمشي معنا إلى داخل الكنيسة وتصلّي معنا، صلّيتُ كثيراً لأنني قد حصلتُ على إذن رئيستي لأصنع ذلك.

520- وفي الليل زارتني نفسٌ كنتُ قد رأيتُها سابقاً. غير أنها لم تطلب إليّ الصلاة، ولكن وبّختني قائلة إنني كنتُ متكبِّرة ومتعجرفة «وأنتِ تتوسّلين اليوم من أجل الآخرين، بينما ما تزال النقائص تتملَّكُكِ». أجبتُ أنني بالواقع كنتُ متكبِّرةً ومتعجرفةً، ولكن قد اعترفتُ بذلك وكفَّرتُ عن حماقتي، وأنني أثِقُ بصلاح الله، وإذا كنتُ ما أزالُ أسقُطُ من حينٍ إلى آخر، فلا أفعل ذلك عمداً، ولا عن سابق تصميم، حتى في الأمور الصغيرة. غير أنّ النفس ما انفكَّتْ توبّخني قائلة: «لماذا لا تريدين أن تقدِّري عظمتي؟ لماذا أنتِ وحدَكِ لا تُمجِّدين، كما يفعلُ الآخرون، أعمالي العظيمة؟». رأيتُ حينئذٍ أنه كان الشيطان الذي أخذ شكل نفسٍ، فقلت: «يحقُّ المجد لله وحده، فاذهب يا شيطان». فسَقَطَتْ حينئذٍ هذه النفسُ فجأة في هوّةٍ رهيبةٍ أبعد من أن توصف. فقلتُ للنفس التعيسة إنني سأخبِرُ الكنيسة كلها بهذا الأمر.

521- غادَرْنا، يوم السبت، كراكوف وعُدنا إلى فيلينوس – وزُرنا في النهار زيستوكوفا (Czestochowa). بينما كنتُ أصلي أمام الصورة العجائبية، شعرتُ أنني … أُرضي … (جملة غير مكتملة).

انتهى بنعمة الله الدفتر الأول من اليوميات

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق