الدفتر الأول

25- (113-112) القديسة فوستينا تشرح الحالات التي تعيق النفس من الإستفادة من الإعتراف والمُعرّفين

112- كلمات وجيزة حول الإعتراف والمعرّفين، أتحدّث فقط عمّا اختبرته وعمّا جال في داخل نفسي. هناك حالات ثلاث تعيق النفس من الإفادة من الاعتراف في مثل هذه الاوقات غير العادية.

الحالة الاولى: عندما لا يُدرك المعرّف إلا القليل من طرق الله الخارقة العادة فيتعجّب عندما تكشف له النفس أسراراً عظيمة صنعها الربّ. تخاف النفس الحسّاسة من هذا التعجّب وتلاحظ تردّد المعرّف في إسداء رأيه. وإذا ما لاحظت ذلك فلا تطمئنُّ بل يزداد شكّها بعدها الإعتراف ، عمّا قبله، لأنها تشعر انّ المعرّف يحاول أن يطمئنها بينما هو بنفسه غير واثق. أو كما حلّ بي، يرفض الكاهن سماع إعترافي لانه غير قادر أن يُسبر بعض أسرار النفس، فيظهر شيئاً من التخوّف عندما تقترب النفس في كرسي الاعتراف.

كيف يمكن للنفس ان تجد الطمأنينة في كرسي الإعتراف عندما تتفاقم حساسيتها من كلمة على فم الكاهن؟ في رأيي، أن الكاهن، في أوقات مثل هذه التجارب غير العادية التي يفتقد الله بها نفساً، إن لم يفهم هذه النفس، عليه أن يوجّهها إلى كاهن آخر اكثر خبرة وإطلاعاً. أو عليه بالأحرى ان يستضيء هو نفسه ليتمكن من مساعدة النفس في حاجاتها بدل ان يحجم عنها الاعتراف مباشرة. لانه يعرّض بذلك النفس الى خطر أكبر وتضلّ اكثر من نفس الطريق التي رسمها الله لها في مسيرتها. إنها لمسألة هامّة اختبرتُها بذاتي. بدأتُ اتعثر، رغم النّعم التي خصّني بها الله ورغم أنه بذاته طمأنني، أردتّ دائماً أن أحظى بموافقة الكنيسة أيضاً.

الحالة الثانية: لا يسمح الكاهن للنفس ان تعبّر عن ذاتها بصراحة فينفذ صبره، فتصمت النفس وتحجم عن الكلام (الذي أرادت ان تقوله) يخضعها الى امتحان. فيتسبّب لها بضرر بدل من ان يساعدها. تدرك النفس أن المعرّف لم يفهمها معرفة جيدة،  لأنه لم يسمح لها ان تعبّر بملء الصراحة عن نعمها وعن شقاها على السواء. لذا يأتي الامتحان غير مطابق. لقد أُخضِعتُ الى بعض الامتحانات التي اثارت سخريتي.

وبكلام اكثر وضوحاً، إن الكاهن هو طبيب النفس وكيف يمكن للطبيب ان يصف الدواء الملائم إن لم يعرف طبيعة المرض؟ لا يستطيع أبداً إلى ذلك سبيلاً. أما أن الدواء لا يُعطي النتيجة المتوخّاة، اما ان يَكون قوياً فيتفاقم المرض – وفي بعض الحالات – لا سمح الله – يسبّب الموت. أتحدّث عن خبرتي الشخصيّة لأن الله بذاته – في بعض الحالات – مدَّني مباشرة بعونه.

الحالة الثالثة: قد يحدث أحياناً أنّ المعرّف يتعاطى بخفّة مع الامور الصغيرة. لا شيء صغير في الحياة الروحية. إن بعض الاشياء التي تبدو تافهة، تكشف أحياناً عن نتائج هامّة هي للمعرّف بمثابة دفق نور يساعده على معرفة النفس. كثير من الإشعاعات الروحية هي مخبّئة في أشياء صغيرة. إن بناءاً رائعاً لن يأخذ حجمه إن أهملنا قطع القرميد الصغيرة. إن الله يطلب الى بعض النفوس طهارة فائقة، لذا يعطيها معرفة عميقة لتعاستها. وإن النفس، إذا ما استضاءت بنور من عُلو تعرف ما يرضي الله وما لا يرضيه.

تتعلّق الخطيئة بدرجة المعرفة والنور في داخلنا. وهذا ما يصحّ بالنقائص أيضاً. رغم أنّ النفس تعرف أن ما يسمّى خطيئة – بالمعنى الحصري – هو فقط ما يخصّ سرّ التوبة، فإن للأشياء الصغيرة أهميّة كبرى للنفس التي تسعى إلى القداسة ولا يجوز أن يتعاطى معها الكاهن بخفّة. إن صبر المعرّف وعطفه يفتح الطريق الى عمق أسرار الناس الداخلية. حينئذ تكشف النفس، لا شعورياً، عن عمق الهوّة وتشعر أنها أكثر قوة ومناعة. فتحارب بشجاعة أكبر وتحاول ان تُحسّن أعمالها لأنها تعرف أنه ينبغي عليها أن تؤدي حساباً عنها.

أذكُرُ شيئاً آخر يتعلق بالمعرّف. إن من واجبه أحياناً أن يمتحن ويدرّب ويكلّم سواء كان يتعاطى مع القش أو الحديد أو الذهب الصافي. تحتاج كلّ من هذه النماذج الثلاثة من النفوس أسلوباً مختلفاً في التدريب – ينبغي على المعرّف – وهذه ضرورة لا بدّ منها – ان يكوّن حكماً واضحاً على كل نفس حتى يعرف، كم يمكنها أن تتحمّل من أعباء في بعض الأوقات والحالات والأوضاع الخاصة. بما يخصّني، بعد خبرات عديدة (سلبية) وبعد مرور بعض الزمن، لم أعد أكشف حالة نفسي أو أسمح أن يتعكّر سلامي لا سيّما، لمّا كنت ارى أنني لم أُفهَم بعد. هذا ما حدث، فقط لمّا أخضعتُ كل هذه النِعَم إلى رأي معرِّف حكيم واسع الاطلاع والخبرة. أعرف الآن كيف أتصرّف في بعض الحالات.

113- أريد أيضاً أن أوجّه ثلاث كلمات إلى النفس التي قرّرت أن تسعى إلى القداسة وتقطف ثمارها وذلك بالإفادة من الإعتراف .

الكلمة الاولى: انفتاح وصدق خالص. فلا يستطيع أكثر المعرّفين حكمة وقداسة أن يسكُب في النفس، عنوة عنها، ما ترغب به، إن لم تكن صادقة ومنفتحة. إنّ النفس غير الصادقة والكتومة تتعرض إلى أخطار جسيمة في الحياة الروحية. وإن الله لا يعطي ذاته في درجة رفيعة، إلى مثل هذه النفوس لانه يعلم أنها لا تجني منفعة من النِعَم التي يخصّها بها.

الكلمة الثانية: التواضع. لا تستفيد النفس، كما يجب، من سرّ الإعتراف إن لم تكن متواضعة. الكبرياء يبقيها في الظلمة فلا تعرف النفس ولا تريد أن تعرف كيف تسبر بدقة أعماق حقارتها. تضع على وجهها قناعاً وتتحاشى كل ما من شأنه ان يعيد لها العافية.

الكلمة الثالثة: الطاعة. إن النفس غير المطيعة لن تربح أية معركة. حتى ولو تسنّى أن يكون السيد يسوع نفسه معرّفها. ولا يستطيع معرّف مهما اتّسعت خبرته ان يساعد هذه النفس بشيء. تُعرّض النفس غير المطيعة ذاتها إلى بلايا فظيعة. فلن تخطو خطوة نحو الكمال ولن تنجح في الحياة الروحية. إن الله يُفرّق نعمِه بكرم فائق على النفس شرط أن تكون نفساً مطيعة.

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق