117- بداية الدفتر الخامس من يوميات القديسة فوستينا – بدء الرياضة الروحية
الأخت فوستينا للقربان الأقدس
من جمعية راهبات سيدة الرحمة
الدفتر الخامس
+ي.م.ي.
1322- تبحُر مركبة حياتي في ظلمات الليل وظلاله،
فلا أرى مرفأ وأنا أمخُر الأمواج العالية،
وإن أضعف العواصف قد تُغرقني،
وتبتلع الأعماق الهائجة مركبتي
إذا لم تحرسني أنت يا الله
في كل لحظة من حياتي ومن كل برهة.
أبحر بسلام و بثقة وسط الأمواج الغاضبة.
وأنظر إلى البعيد، دون خوف، كطفلة صغيرة
لأنك أنت يا رب منارتي.
يحيط بي الرعب والخوف
ولكن سلام نفسي في الداخل هو أعمق من قعر البحر.
لأنّ حبّك يؤكد لي يا الله، أن من يكون معك لن يهلك.
رغم أن موكبًا من الأخطار يحدّق بي
فلا أخاف من أحدها،
لأنني أحدّق بالسماء المرصعة بالنجوم
وأبحر بحرأة وبكل بساطة
كما ينبغي أن يتصرف القلب النقي.
وإذا كانت مركبة حياتي تسير بسلام،
يعود الفضل بذلك إلى شيء واحد
وهو أنك يا رب قائد السفينة،
وأقرّ بذلك بكل تواضع.
1323- ي.م.ي.
يا إلهي، أنا أحبّك
الأخت فوستينا للقربان الأقدس
كراكوف في 20 تشرين الأول 1937
1324- +أنحني أمامك يا قوات الملائكة
بإيمان عميق ورجاء وحبّ
وأعبدك من أعماق نفسي
رغم أنني لا شيء.
أنحني أمامك أيها الاله الخفي
وأحبك من كل قلبي
ولا تحجبني عنك أقنعة السرّ
أحبّك مثلما يُحبّك مختاروك في السماء.
أنحني أمامك يا حمل الله.
الذي يغفر خطايا نفسي
أنتَ يا من أقبلك في قلبي كل صباح
أنت عضدي المنقذ.
كراكوف 20 تشرين الأول 1937
1325- يا إلهي ليمدحك كل ما فيّ يا سيدي وخالقي.
أريد أن أمدح رحمتك التي لا تسبر بكل دقّة من دقّات قلبي. أريد أن أخبر النفوس عن صلاحك وأشجعها على أن تثق برحمتك. تلك هي رسالتي التي أوكلتها إليّ، يا سيدي، في هذه الحياة وفي الحياة العتيدة.
1326- نبدأ اليوم الرياضة الروحية لمدة ثمانية أيام، يا يسوع معلّمي، ساعدني لأتمّم تمارين هذه الرياضة بأكثر ما أمكن من تقوى. ليفدْني روحك يا الله، إلى أبعد الأعماق معرفتك، ومعرفة ذاتي ايضًا. لأنني سأحبّك بقدر ما سأعرفك. وسأحتقر ذاتي بقدر ما أكتشف حقارتي أنا أدرك يا ربّ أنك لن تمنع عنّي مساعدتك. أريد أن أخرج من هذه الرياضة قديسة رغم أن الأعين البشرية لن تلاحظ ذلك حتى ولا أعين الرئيسات. إنني استسلم كليًا الى فعل نعمتك فلتتمّ فيّ مشيئتك بكاملها، يا رب.
1327- اليوم الأول
يسوع : «يا إبنتي، ستكون هذه الرياضة تأمّلًا متواصلًا. أدعوك الى هذه الرياضة كما إلى مأدبة روحية. ستتأملين، وأنت قريبة من قلبي، بكل النعم التي قبِلتها وسيرافق سلام عميق نفسك. أريد أن تركّزي نظر نفسك دائمًا على إرادتي المقدّسة، لأن ذلك هو أكثر ارضاء لي. ليس من تضحيات تضاهي ذلك، ستكونين قريبة من قلبي طوال كل التمارين. لا تبادري الى اي تبديل، لأنني سأتصرّف بكل حياتك كما أراه مناسبًا. وإن الكاهن الذي سيلقي مواعظ الرياضة، بن يتفوّه بأية كلمة تقلقك».
1328- يا يسوع، لقد قُمت لغاية الآن بتأمّلين وتأكدتُ، من خلالها، أن كل ما قلته لي هو صحيح. إنني أختبر سلامًا عميقًا وينبثق هذا السلام من شهادة ضميري، أي إنني أصنع دائمًا ارادتك يا رب.
1329- لقد أدركتُ في التأمل عند هدف الإنسان أن هذه الحقيقة هي مجذّرة في نفسي وأن اعمالي هي بالواقع أكثر ما تكون كمالًا. إنني أعرف لماذا خُلقت. ولن تستطيع كل الخلائق مجموعة، أت تحلّ فيّ محلّ الله. إنني أعرف أن الله هو هو في النهاية وأنني، في كل ما اعمل، آخذ الله بعين الاعتبار.
1330- + آه! كم يطيب أن نُمضي الرياضة قريبين من قلب الله الكلي العذوبة. إنني مع حبيبي في صحراء ولن يعكّر أحد حديثي معه.
1331- أنت يا يسوع تنازلتَ لتضع أساسات قداستي ولا أعتبر مساهمتي في ذلك كافية. لقد علّمتني أن لا أدّخر إستعمال واختيار الاشياء المادية لأن قلبي هو ضعيف بحد ذاته. لذلك أطلب إليك أن لا تهتمّ بآلام قلبي بل أن تُزيل كل ما يبعدني عن طريق حبّك. إنني لم أفهمك يا رب في ساعات الحزن، لمّا كنتُ تحقّق أعمالك في نفسي. ولكن اليوم أفهمك وأبتهج بحرية روحي. لقد رأى يسوع بذاته أن أشراك الشهوة لم تقبص على قلبي. لقد أدركتُ جيدًا من أي خطر خلّصني لذا لا حدود لعرفان جميلي لله.
1332- اليوم الثاني:
لما كنت أتأمّل بخطيئة الملائكة وعقابهم الفوري سألت يسوع: «لماذا عوقب الملائكة فور خطئوا». فسمعتُ هذا الصوت: «بسبب معرفتهم العميقة بالله. لا أحد على الأرض، حتى ولا أكبر قدّيس، يعرف الله كما عرفه الملائكة». غير إنك قد أظهرت لي رحمتك يا الله، مع كل حقارتي، مرّة تلو الأخرى. إنك تحملني في حضن رحمتك وتسامحني كل مرّة أطلب منك السماح بقلب منسحق.
1333- يغمر نفسي هدوء عميق. فلا تحجب عني غيمة واحدة الشمس. أعرض نفسي كلها إلى أشعّتها كل يحقّق فيّ حبّه تبديلًا كاملًا. أريد أن أخرج من هذه الرياضة قدّيسة وذلك رغم كل شيء، أي رغم تعاستي، أريد أن أصبح قديسة وإنني على يقين أن رحمة الله هي قادرة أن تجعل منّي قديسة أنا الحقيرة، لأنني أتمتّع. بكل إرادة صالحة. رغم كل سقطاتي أريد أن أثابر في الجهاد كنفس قديسة. أريد أن أعيش وأن أموت كنفس قديسة وعيناي مسمّرتان عليك يا يسوع، الممدّد على الصليب، نوذجًا لأعمالي. اعتدتُ ان أفتّش حولي عن قدوة فلم أجد شيئًا يكفيني. وبدا لي أن حالة قداستي تتزعزع. من الآن فصاعدًا، أركّز نظري عليك يا يسوع، أنت افضل دليل لي. إني واثقة أنك ستبارك جهدي.
1334- +يجعلني الرب أدرك، أثناء تأملي في الخطيئة، بشاعتها وما تحتويه من نكران جميل. أشعر في داخلي بكره كبير حتى لأصغر الخطايا. على كل حال، إن الحقائق الأزلية التي كنتُ أتأمّل فيها، لم تحمل إليّ أي ظلّ من الانزعاج او القلق في نفسي. ورغم أنني كنتُ أحملها في قلبي، لم يتوقّف تأملي من جراء ذلك. لم أختبر في ذاك التأمل نشوة في قلبي بل سلامًا عميقًا وسكونًا رائعًا. ورغم أن حبّي يتفاقم أشعر باتزان فائق. وأن تناول القربان ذاته لا يخلق فيّ أي شعور، وإنما يحملني إلى اتحاد عميق حيث حبّي وحبّ الله يذوبان معًا ليُصبحا حبًا واحدًا.
1335- جعلني يسوع أدرك أنه ينبغي عليّ أن أصلّي من أجل الراهبات اللواتي يَقُمنَ بالرياضة. وفي الصلاة تعرّفت إلى النضال الذي تخوضنّه فضاعفت صلاتي.
1336- + في هذا الصمت العميق زدتُ مقدرة على الحكم على حالة نفسي، فهي أشبه بماء صافية حيث أستطيع أن أرى كل شيء: حقارتي وإتساع نِعَم الله معًا. وتتقوّى روحي في التواضع العميق بفضل المعرفة الحقيقية لذاتي. أعرض قلبي إلى فعل نعمتك كالبلّور إلى أشعّة الشمس. فلتنعكس صورتك فيه يا الله بقدر ما يستطيع أن يتحمل قلب بشري. فلتشعّ ألوهيتك فيّ، أنت يا من تسكن في نفسي.
1337- لمّا كنت أصلّي أمام القربان المقدّس وأحيّي جروحات يسوع الخمس، شعرتُ عند كل تحية بتدفّق سيل من النعم في نفسي، أعطاني أن أتذوّق مسبقًا طعم السماء وأن أثق برحمة الله.
1338- بينما كنتُ أكتب هذه الكلمات، سمعت صوت الشيطان: «إنها تدوّن كل شيء، إنها تدوّن كل شيء وبذلك نحن نخسر كثيرًا. لا تكتبي عن رحمة الله. هو عادل فقط». وتوارى وهو يولول غضبًا.
1339- أيها الإله الرحوم، أنت لا ترذلنا بل تُغدق علينا نعمك دون انقطاع. تجعلنا أهلًا لدخول ملكوتك وبجودتك تهب الخلائق البشرية إمكانية ملء الأمكنة التي غادرها الملائكة ناكرو الجميل. أيها الإله الكثير الرحمة، يا من أبعدتَ نظرك عن الملائكة المتمردين وأدرته نحو الإنسان التائب فلتتمجّد وتُمدح رحمتك التي لا تُدرَك، أنت يا الله، يا من لا ترذل القلب المتواضع.
1340- يا يسوع خاصتي. رغم كل النعم التي تُغدقها عليّ، أشعر أن طبيعتي، مهما سمت أفكارها، لم تصف تمامًا بعد. لذا أبقى دائمًا على استعداد. عليّ أن أتحارب مع أخطائي، وأنا على يقين أن ليس العراك هو الخسيس، بل الجُبن والسقوط.
1341- عندما تضعف الصحّة يثقل عليها الحمل. ولا يُعتبر مريضًا إلّا من لازم الفراش. على كل حال، ولأسباب عديدة، هناك فُرَص متواصلة للتضحيات وأحيانًا للتضحيات الكبيرة. أدرك الآن أن في الأبدية وحدها سيُعلن عن أشياء كثيرة. ولكن أدرك أيضًا أن الله، إذا ما طلب تضحية، فهو لا يحبس نعمته، بل يعطيها بغزارة الى النفس.
1342- يا يسوع خاصتي، إجعل تضحيتي تحترق أمام عرشك بكل سكون ولكن بملء القوة والحب، عندما أتوسّل إليك أن ترحم النفوس.
1343- اليوم الثالث:
أثناء تأمّلي للموت إستعدّيت كما للموت الحقيقي. فحصت ضميري وتمحّصت في كل أعمالي كما عند اقتراب الموت. وشكرًا لله، كانت كلّ أعمالي متّجهة نحو الهدف الأسمى. فامتلأ قلبي عرفان جميل لله وقصدتُ أن أخدم الله، بأمانة أكبر في المستقبل. هناك شيء واحد ضروري، هو أن أُميت فيّ ذاتي العتيقة وأبدأ حياة جديدة. في الصباح أستعدّ لتناول القربان المقدّس كما لو كان للمرة الأخيرة في حياتي، وبعد المناولة، أتصوّر الموت الحقيقي، وأتلو الصلاة من أجل المنازعين، ثم أتلو من أجل نفسي مزمور (من الأعماق). لقد وضعتُ جسدي في القبر وقلتُ لنفسي «أنظري ماذا حلّ بجسدك، كومة من تراب تعبث فيها الحشرات، هذا هو ميراثك».
1344- إيها الإله الرحوم الذي ما يزال يسمح لي بالحياة، قوّني كي أعيش حياة جديدة، حياة الروح التي لا يسيطر عليها الموت. ومع ذلك، تجدّد قلبي وبدأت حياة جديدة، وأنا ما أزال على الأرض، حياة حبّ الله. غير أنني لا أنسى أنني الضعف بالذات، رغم أنني لا يساورني الشكّ برهة أنني سأنال مساعدة نعمتك يا الله.