الدفتر السادس

140- (1704-1725) يسوع: إنني أفتّش عن نفوس ترغب في تقبّل نعمي

1704- +الصراع مع إحدى التجارب
لم ينقطع أحد الأشخاص عن التحرّش بي بكلمات إطراء. وكانَ يعرف متى أذهب إلى الكنيسة أو إلى الشرفة فيقف حينئذ في طريقي. طالما لم يجرأ أن يقترب منّي بنفسه، وجد شخصًا آخر شبيهًا به ولكن لم يجرأ أي منهما الإقتراب منّي. لمّا كنتُ ذاهبة إلى الصلاة شهر أيار، سبقاني ووقفا في طريقي، وقبل أن أقترب منهما بقليل، سمعت كلمات إغراء موجّهة مباشرة إليّ. أتاح لي الرب أن أفهم نوايا قلبهما السيّئة. وشعرتُ أنهما سيقطعان عليّ الطريق بعد الصلاة فأُجبَر على التحدّث معهما، لأنني لم أقل لهما بعد كلمة واحدة.
لمّا غادرت الكنيسة كان هناك على سلاحهما بانتظاري. إعتراني الخوف آنذاك. فوقف يسوع إلى جنبي وقال لي: «لا تخافي أنا معك». ثمّ شعرتُ في داخلي بقوّة غريبة يصعب وصفها، وبينما أنا على بعض الخطوات منهما قلت بصوت عال وجريء: «ليتمجد يسوع المسيح». فانحازا إلى جهة وأجابا «إلى أبد الآبدين، آمين». وأحنيا رأسهما خجلًا وكأهما قد صُعِقا ولم يجرءا حتى على النظر إليّ. كنتُ أسمع بعض الكلمات الشرّيرة بينما كنتُ أبتعد عنهما. ومنذ ذلك الوقت، كلّما رآني ذلك الشخص كان يهرب منّي كي لا يلتقي بي وتُركت بسلام شاكرة الرب.
1705- بعد القدّاس خرجت إلى الجنينة لأقوم بتأمّلي. شعرتُ بارتياح لأنه لم يأتِ بعد، في مثل هذا الوقت، أحد مِنَ المرضى إلى الجنينة. بينما كنتُ أتأمّل في نعم الله إلتهب قلبي بحبّ شديد حتى كاد يتمزّق. وفجأة وقف يسوع أمامي وقال لي: «ماذا تصنعين هنا باكرًا؟» أجبته : أفكّر فيك وبرحمتك وبجودك نحونا». وأنت يا يسوع ماذا تفعل هنا؟ «جئت لألتقي بك لأغدق عليك نعمًا جديدة. إنني أفتّش عن نفوس ترغب في تقبّل نعمي ».
1706– عند صلاة المساء أخبرني يسوع اليوم أنه يرتضي كثيرًا عن القلب الطاهر والحرّ. وشعرتُ أن الله يسعد بمثل هذا القلب ولكن هذه القلوب هي قلوب فوارس فهي معركة مستمرّة.
1707- + في طريقي إلى الشرفة مررتُ بالكنيسة لبعض الوقت. غرق قلبي في عبادة خاشعة ممجّدًا صلاح الله ورحمته غير المدركة. سمعتُ حينئذ هذه الكلمات في نفسي: «سأكون لك كما أنتِ تمجدينني. ستختبرين جودي حتى في هذه الحياة ولكن ستختبرينه بملئه في الحياة العتيدة».
1708- أيها المسيح أنا في غاية السعادة لاسيّما لمّا أرى أنك مُحَبّ، وأن أسمع صدى مجدك ومديحك يتردد لا سيّما مديح رحمتك. أيّها المسيح لن أنقطع إلى آخر لحظة من حياتي عن تمجيد جودتك ورحمتك. أمجّد رحمتك بكل نقطة من دمي وبكل نبضة من نبضات قلبي. أتوق إلى أن أتحوّل إلى نشيد تمجيدك. ولمَا أجد نفسي من نبضات قلبي. أتوق إلى أن أتحوّل إلى نشيد تمجيدك. ولمّا أجد نفسي على فراش الموت فلتتحوّل آخر نبضة من قلبي إلى نشيد تمجيد لرحمتك التي لا تُسبَر.
1709- +قال لي الرب اليوم: «عليك أن تقومي برياضة روحية طوال ثلاثة أيام قبل حلول عيد الروح القدس. سأوجّهك أنا بذاتي، لن تتبعي أي نظام مخصّص للرياضة ولن تستعيني بكتب للتأمل. ستقتصر مهمتك فقط على السماع إلى كلماتي. أمّا بما يتعلّق بالقراءة الروحية، فستقرأين فصلًا واحدًا من إنجيل يوحنا».
(تركت هنا نصف صفحة بيضاء في المخطوطة الأصلية).
1710- 26 أيار 1938 عيد الصعود.
رافقت اليوم يسوع في صعوده إلى السماء. وذلك قبيل الظهيرة. إعتراني شوق شديد إلى الله. يا للغرابة! كان توقي إلى الله يزداد بازدياد شعوري بحضوره. ثم رأيت نفسي في وسط جمهور كبير من التلامذة والرسل، مع أمّ الله، قال لهم يسوع: «… إذهبوا إلى العالم كلّه وبشروا باسمي». ومدّ يَديه وباركهم ثم توارى في الغيوم. رأيت تحسّر سيدتنا العذراء. كانت نفسها مشدودة إلى يسوع بكلّ قوّة حبّها. ولكن كانت هادئة مستسلمة لإرادة الله ولم يكن شعور قلبها إلا وفقًا لإرادته.
1711- لمّا وجدت نفسي وحدي مع العذراء مريم، أرشدتني على الحياة الروحية وقالت: «تكمن العظمة الحقيقية للنفس في حبّ الله وفي التواضع في حضرته، وفي نكران الذات تمامًا وفي اليقين من ضعفنا، لأن الربّ هو عظيم وهو يرضى عن المتواضعين وينبذ المتكبّرين».

1712- زارتني مرّة ثانية إحدى الراهبات التي سبق وذكرتها. لمّا رأيتها أنها بدأت تقع في شراك أكاذيبها، أفهمتها أنني على معرفة من كذبها. فتلبّكت وتوقّفت عن الكلام. حدّثتها عن أهميّة أحكام الربّ. لاحظت أيضًا أنها كانت تقود النفوس البريئة في طريق الضيعان وفي مسالك خطرة. وكشفتُ أمام عينها كل ما كان يجول في قلبها. عندئذ توجّب عليّ السيطرة على شعوري لأحدّثها وأبرهن لها أنني أحبّ أعدائي. أعطيتها وجبة طعامي لبعد الظهيرة. غادرتني سعيدة في داخلها ولكن أعمالها بقيت بعيدة…

1713- هناك أوقات يلبّي فيها يسوع رغباتي الصغيرة. لاحظت اليوم أنني أودّ رؤية سنابل القمح ولكن لا أتمكّن من رؤيتها من المصحّ. غير أن أحد المرضى سمع ملاحظتي. في اليوم التالي ذهب الى الحقل وعاد إليّ بباقة جميلة من السنابل. كانت غرفتي دائمة مزدحمة بالأزهار الطريّة غير أن روحي لم ترضى بشيء. توقي إلى الله هو في ازدياد متواصل.

1714- توسّلت اليوم بحرارة إلى الرب يسوع كي يتنازل ويُبعد عن ديرنا الصليب الذي ثقل عليه أجابني الرب: «أقبل صلواتك عن كل النوايا الأخرى ولكن لن أبعد هذا الصليب قبل أن تدرك الراهبات معناه». غير أنني لم أتوقّف عن الصلاة.

1715- تجربة قويّة.

جعلني يسوع أدرك رضاه عن القلب الطاهر. وبهذا أعطيت معرفة أكثر عمقًا عن ذاتي. لمّا بدأت أتحضّر للإعتراف هاجمتني تجارب قويّة ضدّ الكهنة المعرّفين. لم أرَ إبليس ولكن أكاد أتحسّس غضبه المخيف: نعم! هو رجل عادي… (لا! ليس رجلًا عاديًا فإنه يملك قوّة الله). بالواقع، لا يصعب عليّ الإقرار بخطاياي. ولكن أن أكشف عن عمق أسرار قلبي، أو أؤدي حسابًا عن عمل نعمة الله فيّ، أن أتحدّث عن كل طلب من لدن الله، عن كل ما يحدث بين الله وبيني… أن أقول كل ذلك إلى رجل عادي… هذا يفوق قوّتي. شعرتُ أنني أحارب ضدّ قوّات الشرّ فصرخت: «يا يسوع! أنت والكاهن واحد، سأقترب من الإعتراف لا كما أقترب أمام إنسان، بل أمامك»… لمّا دخلتُ كرسي الإعتراف بدأت بالكشف عن صعوباتي، أجابني الكاهن، إنّ أفضلَ ما كان بوسعي عمله هو أن أكشف عن التجارب اولًا. غير أنها قد توارت بعد الإعتراف ونعمتْ نفسي بالطمأنينة.

1716- ذات مرّة قالت إحدى الأخوات المديرات إن ليس للراهبات المرسلات أي شعور، لذلك يجب معاملتهن بجفاوة. حزنت لضعف معرفة المديرات بالراهبات المرسلات ولحكمهن فقط على الظواهر.

1717- كنت أتحدّث اليوم مع الربّ وقال لي: «هناك نفوس لا أستطيع أن أصنع شيئًا معها. فهي لا تنقطع عن مراقبة الآخرين ولا تعرف شيئًا عن ذاتها. تتحدّث دائمًا عن الآخرين حتى وقت الصمت الكبير المكرّس للتحدّث معي فقط. مسكينة تلك النفوس فهي لا تسمع كلامي ويبقى داخلها فارغًا. لا تفتّش عنّي بقليل بل بأحاديث تافهة حيث لا تجدني. تتحسّس فراغها ولكن لا تقرّ بذنبها، بينما تبقى النفوس التي أسكن فيها مصدر توبيخ ضمير لها. بدل أن تصلح ذاتها، ينتفخ قلبها بالحسد وإذا لم ترجع إلى رشدها يتفاقم الشر فيها. إن مثل هذه القلوب الحسودة تمتلىء حقدًا وقد أصبحت على حافة الهاوية. تحسد الآخرين على هباتي، بينما هي لا ترغب ولا تستطيع أن تقبل هذه الهبات».

1718- إن الجلوس على أقدامك أيها الإله الخفي
هو سعادة نفسي ونعيمها.
هنا تعطيني معرفة ذاتك أنت الأوحد غير المدرك.
تتحدث إليّ بلطف: «أعطني أعطني قلبك».
إن الحديث الصامت معك وحدك
هو اختبار عمّا تنعم به الكائنات السماوية.
وأقول لك يا الله: «سأعطيك، سأعطيك يا قلبي، يا رب».
بينما أنت أيها العظيم وغير المدرك تقبله بحنان.
الحب والوداعة هما حياة نفسي
ووجودك المتواصل في داخلي.
أعيش على الأرض في غربة دائمة.
ومثل ملاك ساروفيمي أردّد «هوشعنا».
أنت أيها الخفيّ، جسمًا وروحًا وألوهية
تحت أشكال الخبز الضعيفة
أنت حياتي حيث تتدفّق نعمك الغزيرة.
وأنت بالنسبة لي تفوق سعادة السماء.
عندما تتحدّ بي المناولة يا الله
أشعر بعظمتي التي لا توصف.
أيتها العظمة المنبثقة منك
أعترف لك، أيها السيد، أنه رغم حقارتي، ولكن بعونك،
أستطيع أن أصبح قدّيسة.

1719- +أدركت وقت الذبيحة المقدّسة أن أحد الكهنة لا يؤثر كثيرًا على النفوس، لأنه يفكر فقط بذاته ولذا يعزل نفسه. وتبتعد عنه نعمة الله. يتّكل على الأمور الخارجية التافهة التي لا قيمة لها في عيني الرب. وهو بتكبّره يضع وقته ويرهق ذاته دون هدف.

1720- هناك أوقات يغدق فيها يسوع المعرفة داخل نفسي، فيصبح كل ما يوجد على الأرض في خدمتي: الأصدقاء والأعداء، النجاح والإخفاق، كل الأشياء، شاءت أم أبت، ينبغي أن تكون في خدمتي. لا أفكّر فيها أبدًا. أسعى أن أكون أمينة لله وأن أحبّه إلى حد نسيان ذاتي الكامل. وهو نفسه يساعدني ويحارب أعدائي.

1721- بعد المناولة المقدّسة، لمّا استقبلت يسوع في قلبي قلت له:«يا حبي، أسكنْ في خفايا قلبي، حيث تتكوّن الأفكار السريّة، ولا يدخل إلّا أنت هناك في عمق الهيكل حيث لا يستطيع الفكر البشري أن يلج. أسكنْ أنت وحدك هناك فيأخذ كل ما أقوم به في الخارج مصدره منك. أتوق بشدّة وأسعى بكل قوى نفسي أن تشعر أنك في هذا الهيكل، وكأنك في بيتك».

1722- سمعت هذه الكلمات «لو لم تكبّلي يَديّ لأنزلت على الأرض العديد من العقوبات. يا ابنتي، إن نظرك يجرّدني من سلاح الغضب. رغم أن شفتيك هي صامتة، فإنّك تصرخين إليّ بصوت يحرّك السماء. لا أستطيع أن أتهرّب من مطالبك لأنّك تتعقّبيني، لا من بعيد، بل من داخل قلبك».

1723- لمّا أتتني ذات ليلة نفس إحدى الفتيات، عرّفتني بذاتها وأخبرتني أنها تحتاج إلى صلاتي، صلّيت لأجلها بعض الوقت. ولكن لم تغادرني في روحها. عندئذ فكرتُ في نفسي: «إذا كنتِ روحًا صالحًا، فاتركيني بأمان، وسأقدّم لك غدًا كل الغفرانات التي سأربحها». وحالًا غادرت الروح غرْفتي وعلمتُ أنها في المطهر.

1724- شعرتُ اليوم، أكثر من أي وقت آخر، آلام المسيح في جسدي. وشعرتُ أنها من أجل نفس منازعة.

1725- علّمني الرب اليوم مرة أخرى، كيف يجب علي أن أقترب من سر التوبة: «يا ابنتي، إصنعي إعترافك أمامي كما لو كنتِ في حضرتي. ليس شخص الكاهن إلا مجرد مرآة بالنسبة لي. لا تسألي عن هوية الكاهن الذي تذهبين إليه. إفتحي قلبك في الإعتراف كما لو كنت تعترفين لي وأنا أملأه سعادة».

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق