الدفتر السادس

133- بداية الدفتر السادس – سأمجّد رحمة الله إلى الأبد

الأخت فوستينا للقربان الأقدس

من جمعيّة راهبات سيدة الرّحمة

سأمجّد رحمة الله إلى الأبد

الدفتر السادس

+ي.م.ي.

1591- إمدحي، يا نفسي، رحمة الله غير المُدركة، وليكن كل شيء لمجده

 كراكوف 10 شباط 1938
 الدفتر السادس
الأخت فوستينا للقربان المقدّس
من جمعيّة راهبات سيّدة الرّحمة

1591- يغرقُ قلبي حيث يختبئ الله
         حيث يسكن معنا ليلًا نهارًا،
         مرتديًا البرشانة البيضاء،
         يحكم العالم كلّه ويتواصل معنا.

         يغرق قلبي حيث يختبئ الله،
         ذُبح حُبّه.
         إنّما يشعر قلبي أن ماء الحيّ هو هنا،
         هو إلهي الحيّ، رغم أنه يتوارى عنّي.

1592- شباط 1938. وقت التأمّل، جعلني الله أدرك سعادة السّماء والقدّيسين، عندما نصل إلى هناك. يحبّون الله كموضوع حبّهم الوحيد ولكن يكنّون لنا حبًّا قلبيًّا صافيًا. وتفيض هذه السّعادة من وجه الله على الجميع لأننا نراه وجهًا لوجه. وإن وجهه هو في غاية العذوبة، تُخطَف النّفس مُجدّدًا إليه.

1593- دفعني الرّب ذاته أن أكتب أناشيد بموضوع الرّحمة، فتنطلق هذه الأناشيد من شفتيّ رغمًا عنّي، لقد لاحظتُ أن كلمات مجد الله حاضرة في ذهني فقرّرت أن أعبّر عنها كتابة بقدر استطاعتي. أشعر أن الله يدفعني إلى الكتابة.

1594- أتتْ إحدى الرّاهبات إلى غرفتي لوقت قصير. بعد محادثة وجيزة عن الطّاعة قالت لي: «أفهم الآن كيف يتصرّف القدّيسون. شكرًا يا أختي. لقد أنرتِ عقلي واستفدتُ كثيرًا ».

1595- يا يسوع خاصّتي، هذا هو عملك، لقد تحدّثت أنت بهذا الشكل إلى تلك الرّاهبة لأنها عندما أتت إلى غرفتي، كنتُ غارقة في الله. وفي هذه اللحظة بالذات انطلق منّي هذا التأمّل العميق. يا يسوع، إنني أدرك أن عليّ أن أسعى إلى الإتحاد بك، أنت الحبّ الأزليّ، إلى أبعد حدّ ممكن كي أستطيع أن أفيد الآخرين. إن كلمة واحدة تنطق بها نفس متّحدة بالله هي أكثر تأثيرًا من خطب ونقاشات تنطق بها نفس ينقصها الكمال.

1596- + قد رأيت إعجاب الأب [أندراز] من أعمالي. ولكن أعيد كل شيء إلى مجد الله. كم هي عظيمة نعمتك، يا ربّ، التي رفعت نفسي إلى أعلى الأعالي. إنني مُدينة إلى الربّ الذي أعطاني كاهنًا مستنيرًا. كان بإمكانك أن تتركني في التردّد والغموض ولكن صلاحك تدبّر الأمر. يا يسوع لا أستطيع أن أحصي كل إنعاماتك.

1597- «يا ابنتي، سيدوم صراعك حتى الموت. وإنّ نَفَسَك الأخير يعلن عن نهاية هذا الصّراع. عليكِ أن تنتصري بالوداعة ».

1598- 13 شباط 1983. رأيت كيف يأتي يسوع إلى بعض النّفوس رغمًا عنه. وقال لي هذه الكلمات: «إني أدخل بعض القلوب وكأنّي أعاني ألمًا جديدًا ».

1599- كنت أحاول أن أقوم بساعة سجود، رأيت يسوع متألّمًا وحدّثني بهذه الكلمات: «يا ابنتي، لا تهتمّي بأناء النّعمة اهتمامك بالنّعمة ذاتها التي أهبك لك. لأنك لا ترضين دائمًا بالإناء فتفقد النّعمة عملها. أريد أن أحذّرك من أن تُعيري انتباهًا إلى الإناء الذي أرسل فيه النّعمة. ركّزي اهتمامك على التّجاوب مع النّعمة بكلّ أمانة مستطاعة».

1600- +يا يسوع خاصّتي، إذا لم تهدّئ أنت شوق نفسي فلا أحد يستطيع أن يهدّئه أو يقوّيه. كلّ اقتراب منك يثير انخطاف حبّ جديد في نفسي، لكن نزاعًا جديدًا أيضًا. لأنني، رغم كلّ اقتراباتك منّي، حتى غير العاديّة منها، ما زلت أحبّك من بعيد ويموت قلبي في اختطاف حبّي. رغم أنّك تتحدّث معي غالبًا علنًا [وجهًا إلى وجه] فلم أبلغ بعد إلى الإتّحاد الكامل والأبدي. غير أنك تحفر في قلبي ونفسي لجّة حبّ وشوق لك يا الله، وهذه الهوّة السحيقة، لا يمكن أن تُملئ هنا على الأرض ولا الشّوق المتزايد لك يا الله.

1601- جعلني الرّب أدركُ شدّة رغبته في أن يرى النّفوس المختارة تسير نحو الكمال. “إن النفوس المختارة هي في يديّ، أضواءً أنشرها في ظلمة العالم فتنيره. كما النّجوم تُنير السّماء هكذا النّفوس المختارة تُنير الأرض. ويزداد إنتشار نورها بازدياد كمال النّفس. يمكن أن يراها أو يدركها أقرب النّاس إليها إنّما تنعكس قداستها على النّفوس حتّى على الأكثر بعدًا عنها”.

1602- قال لي الرّب اليوم: «يا ابنتي، عندما تذهبين إلى الإعتراف إلى نبع رحمتي، فإن الدّم والماء اللّذين يتدفّقان من قلبي ينسابان دائمًا إلى نفسكِ ويشرّفانها. كلّ مرة تذهبين إلى الاعتراف إستغرقي كلّيًا في رحمتي بثقة كبيرة. حتى أستطيع أن أغدق صلاح نعمتي على نفسك. عندما تقتربي من كرسي الإعتراف إعلمي أنني أنتظرك هناك. إنني أختبئ في الكاهن ولكن انا أعمل في نفسك. هنا تلتقي حقارة النّفس برحمة الله. إخبري النّفوس، أنها تستقي من نبع الرّحمة هذا فقط النِّعم بإناء الثقة. فإذا كانت ثقتها كبيرة فلا حدود إذًا لكرمي. إنّ سيول الرّحمة تغمر النّفوس المتواضعة. يبقى المتكبّر دائمًا في فقره وتعاسته لأنّ نعمتي تبتعد عنه إلى النّفوس المتواضعة».

1603- 14 شباط 1938. سمعت هذه الكلمات وقت العبادة: «صلّي من أجل إحدى الطالبات التي هي بحاجة ماسّة إلى نعمتي». علمتُ أنّه يعني ن. فصلّيتُ بحرارة وغمرت رحمة الله نفسها.

1604- لمّا قرّرتُ وقف العبادة، وصلاة “قدّوس أنت يا الله” سيطر عليّ فجأة حضور الله واختطفتُ بالرّوح أمام عظمته. ورأيت كيف يمجّد الملائكة والقدّيسون. إنّ مجد الله هو ذو عظمة فلا أتجرّأ أن أصفه، لأنني لا أستطيع ذلك، وقد تظنّ النّفوس أن كلّ ما أكتبه يعبّر عن كلّ الحقيقة. أيها القدّيس بولس، إنني أفهم الآن لماذا رفضت أن تصف السّماء بل قلت: ما لم تَره عين ولم تسمع به أذن ولم يخطر على بال بشر ما أعدّه الله لمن يحبّهم” [راجع ١ قور ٩/٢ وقور ١٢/٧-١]. نعم هي الحقيقة. وكل ما يأتي من الله يعود إليه مثلما أتى، ليؤدّي له مجدًا كاملًا. رأيت الآن طريقة عبادتي لله. آه! كم هي تعيسة. هي أشبه بنقطة صغيرة بالمقارنة مع المجد السّماوي الكامل. يا إلهي، كم أنت صالح حتى تقبل مديحي أيضًا وتدير بوجهك نحوي بحنان وتُعلمني أنك قد ارتضيت بصلاتي.

1605- «إكتبي كلّ شيء يحصل لك بالنسبة إلى صلاحي». فقلت له: «ماذا تعني يا رب، وما سيحدث إذا أفضتُ في الكتابة». أجابني الرّب: «يا ابنتي، إنك لو تحدّثت دفعة واحدة وفي الوقت نفسه بكلّ ألسنة البشر والملائكة، فلن تستطيعي أن تقولي كلّ شيء، بالعكس، تكونين قد نشرت قطعًا صغيرة من تسابيح جودتي، ومن رحمتي غير المدركة».                                            

يا يسوع، عليك أن تضع الكلمات في فمي كي أستطيع أن أمجّدك كما يليق. «يا ابنتي، إطمئنّي واعملي كما أقول لك. إن أفكارك هي متّحدة بأفكاري. أكتبي إذًا ما يخطر ببالك. أنت أمينة سرّ رحمتي. لقد اخترتُ لك هذه المهمّة في هذه الحياة وفي الحياة العتيدة. هذا ما أريده رغم كلّ المعارضات التي تعتريك. إعلمي أن اختياري لن يتبدّل». عندئذٍ استغرقت بتواضع عميق أمام جلالة الله. ولكن ازدادت سيطرة وجود الله عليّ بقدر ما إزددت تواضعًا.

1606- يا يسوع سعادتي الوحيدة. كم هو مخيف هذا المنفى وكم مرعبة هي هذه الصحراء التي عليّ أن أجتازها. تجابه نفسي من خلال أجمّةٍ مخفيّة كل أنواع الصّعوبات. فإذا لم تقوّيني أنت يا رب، فأفقد كل عزمٍ في السّير قدمًا.

1607- 16 شباط 1938. لمّا كنت أصلّي لقلب يسوع الحيّ في القربان المقدّس على نيّة أحد الكهنة، أفهمني يسوع فجأة صلاحه وقال لي: «لن أرسل له شيئًا يفوق قوّته».

1608- +لمّا علمت أن شخصًا يعاني الكثير من الألم والاضطراب من جرّاء ارتباطه بكل عمل الله هذا سألت الرّب قل المناولة المقدّسة، أن يعلمني إذا كنتُ قد تسبّبت أنا صدفة بهذه الآلام. «يا يسوع الكلّي العذوبة، أضرع إليك بحقّ جودتك ورحمتك اللامتناهيتين، أن تُعلمني عن أي شيء لا ترضى عنه في هذا الموضوع أو إذا كان صدر عنّي أي خطأ. إذا كنت قد أخطأت بشيء، فاملأ قلبي قلقًا عندما تدخل إليه وأخبرني عمّا لا يرضيك. وإذا لم أكن مخطئة فثبّتني في الطمأنينة”. لمّا قبلت الرّب، طفحت نفسي بالسلام وأفهمني الرّب أنّ هذا العمل يلاقي بعض الصعوبات. غير أن رضى الله عنه لم ينقص شعرت بفرح كبير وضاعفتُ صلواتي حتى يجتاز هذا المشروع الصعوبة دون أن يتأذى».

1609- يا يسوع كم يطيب لي أن أكون على الصليب ولكن معك. إن نفسي هي دائمًا ممدّدة معك، أنت يا حبّي، على الصليب، مليئة بالمرارة. يطيب لي أن يلامس المرّ والخلّ شفتاي لأن قلبك الإلهي امتلأ مرارة طوال حياتك ولم تلقَ بمقابل حبّك إلا نكران الجميل. لقد كابدتَ ألمًا قاسيًا حتى انطلق من شفتيك هذا التشكّي الأليم لمّا كنتُ تنظر حولك إلى من يعزّيك فلم تجد أحدًا. [راجع مزمور ٢١/٦٨].

1610- +لمّا طلبتُ إلى الرّب أن يُظهر جودته ويلقي نظرة على إحدى النّفوس [ربّما الأب سوبوتشيكو] الذي كان يجاهد ضدّ بعض الصّعوبات، أفهمني الرّب، فورًا أن كل الشعوب هي أشبه بغبار تحت قدميه: «لا تضطربي، إعلمي أنهم لا يستطيعون أن يصنعون شيئًا من تلقاء نفسهم، وإذا سمحتُ لهم أن يبدوا بمظهر المنتصرين، فإنني أقوم من أجل تصاميمي التي لا تُدرَك». إختبرتُ سلامًا عميقًا لرؤيتي أن كل الأمور تجري كما يسيّرها الرّب.

 

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق