الدفتر السادس

137- (1656-1672) فوستينا في الزمن الفصحي عام 1938

1656- لا أعرف كيف أصف كلّ ما تحمّلت من ألم، وما كتبته ليس إلّا مجرّد نقطة صغيرة. هناك أوقات آلام لا أعرف كيف أصفها. ولكن هناك أيضًا أوقات تصمت فيها شفتاي، ولا أجد كلامًا لأدافع عن ذاتي فأخضع كلّي لإرادة الله، حينئذٍ يدافع عنّي الله بذاته ويرافع. وإنّ أوامره هي خفيّة فلا يلاحظ أحد من الخارج.

على كلّ حال عندما أدرك مداخلاته السّامية التي يلاحظها أحدٌ من الخارج. التي تظهر بشكل قصاصٍ، حينئذٍ أطلب إليه بإلحاح الرّحمة والمغفرة. غير أنه لا يسمعني دائمًا. يتصرّف الرّب معي بشكل سرّي. هناك أوقات يسمح فيها بعذابات مخيفة، ولكن مجدّدًا هناك أوقات لا يدعني اتألّم فيها وأزيل كلّ ما يؤثّر في نفسي. إنّ طرقه وأساليبه غامضة علينا أن نخضع كلّيًا لإرادته المقدّسة. توجد أسرار هنا على الأرض لن يدركها أبدًا العقل البشري. ستكشفها لنا الأبديّة.

1657- 10 نيسان 1938. أحد الشّعانين.

حضرت الذّبيحة الإلهية ولكن لم يكن لديّ القوّة لأنزل واشترك في الزّياح. شعرتُ أنني في غاية الضّعف ولم أبقَ إلى نهاية القدّاس إلّا بصعوبة. وقت القدّاس جعلني يسوع أدرك آلام نفسه، وشعرت بوضوح كيف أنّ صدى ترانيم “هوشعنا” انعكس ألمًا في قلبه الأقدس. وغمرني أنا أيضًا بحر المرارة وخرقت كل “هوشعنا” إلى أعماق قلبي وشدّت نفسي إلى قرب يسوع وسمعت صوته: «يا ابنتي إنّ رأفتك عليّ تنعشني وإنّ نفسك تتّشح بجمال خاص عندما تتألّمين بآلامي». 

 

1658- تناولت القربان المقدّس في الطبقة العليا. قد استحال عليّ النّزول إلى الكنيسة لأنني كنت مرهقة بعرق كثيف وبعدَه شعرتُ بنوبة حمى تبعتها نوبة برد وقد خارت كلّ قواي. حملَ لنا اليوم أحد الآباء اليسوعيّين [الأب زوكوفيزك Zukowiez] المناولة المقدّسة. أعطى القربان لثلاث راهبات أوّلًا ثمّ أعطاني ايّاه. وإذا كنتُ الأخيرة لأتناول أعطاني قربانتين.

ولكن كانت احدى المبتدئات نائمة في الغرفة المجاورة ولم يبقَ لها قربانة. رجع الكاهن وحمل لها برشانة أخرى ولكن قال لي يسوع: «لقد دخلت قلبها مرغمًا. تناولتِ القربانتين لأنّني أردت أن أؤجّل مجيئي إلى تلك النّفس التي تعارض نعمتي، لا أرضى بزيارة مثل هذه النّفوس».  عند هذا شعرتُ باقترابي من يسوع وأغدق في عمق أعماقي نورًا كثيفًا جعلني أدرك، بالرّوح، كلّ أعمال الرّحمة.كان ذلك أشبه بشهب برق ولكن أكثر وضوحًا ممّا لو عاينته ساعات طويلة بعين الجسد.

1659- ما زلنا في كلّ الأحوال، بحاجة إلى كلمات الكتابة، رغم أنها لا تعبّر عن كلّ ما تبتهج به نفسي لرؤية مجد رحمة الله. إن رحمة الله تدوي، حتّى الآن، رغم محاولات الأعداء وابليس نفسه الذي يكره هذه الرّحمة.

إنّ هذا العمل سيأخذ منه عددًا كبيرًا من النّفوس، لذلك يجرّب الرّوح الشّرير، بعنفٍ، الأناس الصّالحين ويدفعهم أن يعيقوا هذا العمل.

غير أنّني أرى بوضوح أنّ إرادة الله قد تمّت وستكتمل في كل تفاصيلها. إنّ جهود العدو الجبّارة لن تقاوم أصغر التّفاصيل ممّا أقرّه الرّب. لا همّ إذا بدا أحيانًا أنّ العمل قد هدّم بكامله، في هذا الوقت بالذّات يكون قد ازداد ثباتًا.

1660- امتلأت نفسي سلام أعمق من أي شيء اختبرته في السّابق،تأكيد إلهي لا يستطيع شيء أن يزعزعه. سلام عميق لا يستطيع شيء أن يعكّره، حتى ولو اضطررت أن أتحمّل أقصى الصّعوبات، فأنا بسلام. الله نفسه يدبّر كلّ شيء.

1661- أمضيت النّهار كلّه بكامله بالشّكر وظلّ عرفان الجميل يغمر نفسي، يا إلهي! كم أنت صالح وكم عظيمة رحمتك. تزورني مع نِعم عزيزة، أنا، حفنة من تراب وأكثر النّاس حقارة. أعترف بكلّ صدق وأنا ساجدة على أقدامك، أنني لم اعمل شيئًا يستحقّ أصغر هذه النِّعم وهي أن تعطيني ذاتك بسخاء من فيض جودتك اللّامتناهية. غير أنّ قلبي يزداد استغراقًا في التّواضع بقدرِ ما تزداد النِّعم التي ينالها.

1662- + يا يسوع، إنّ الألم معك هو بهجة قلبي وروحي. أطِلْ آلامي إلى اللّانهاية حتى أعطيك اثباتًا عن حبّي. أقبل كلّ شيء تعطيني ايّاه يدك. إنّ حبّك يكفيني. سأمجّدك في الوحدة والظّلمة، في النّزاع وفي الخوف في الألم والمرارة، في قلق الرّوح وحزن القلب، في كلّ شيء فلتكُن مباركًا إنّ قلبي هو كلّي التّجرّد من الأرض، لذا أنت وحدك تكفيني. فلم يبقَ في حياتي وقت للاهتمام بذاتي.

1663- خميس الأسرار 14 نيسان 1938

شعرتُ اليوم بقوّة كافية أتاحت لي أن أحضر الاحتفالات في الكنيسة. وقت القدّاس وقف يسوع أمامي وقال لي: «أنظري الذي داخل قلبي فتَري الحبّ والرّحمة التي أكنّها للبشريّة ولا سيّما للخطأة، أنظري، أنظري وَلِجي إلى آلامي». وفجأة اختبرت كلّ آلام المسيح في قلبي وعشتها. وتعجّبت كيف أنّ هذه الآلام لم تحرمني من الحياة.

1664- قال لي يسوع وقت العبادة: «اعلمي يا ابنتي، أنّ حبّك الحار ورأفتك كانا تعزية لي في بستان الزّيتون». 

1665-  في ساعة السّجود عند المساء سمعتُ هذه الكلمات: «إنّك ترينَ رحمتي للخطأة التي تعلن عن ذاتها في هذا الوقت بالذّات بكلّ قوّتها. أنظري كم كتبتِ عنها القليل، ما كتبته هو نقطة صغيرة إصنعي كلّ ما بوسعك حتّى يرجع الخطأة ويتعرّفوا على جودتي». 

1666- الجمعة العظيمة 15 نيسان 1938

رأيتُ يسوع معذّبًا ولكن غير مسمّر على الصّليب. كان ذلك قبل الصّلب وقال لي: «أنت قلبي، تحدّثي إلى الخطأة عن رحمتي».  وأعطاني الرّبّ معرفة داخليّة لكلّ لجّة رحمته للنفوس وأدركت أنّ ما كتبتُ ليس إلّا نقطة صغيرة.

1667- السّبت العظيم 16 نيسان 1938

قال لي الرّبّ وقت العبادة: «كوني بسلامٍ يا ابنتي، عمل الرّحمة هذا هو عملي، ليس لكِ أيّ دور فيه. يطيب لي أن تحقّقي بأمانة كلّ ما طلبته منك دون أن تزيدي أو تنقصي كلمة واحدة منه».  وأعطاني نورًا داخليًّا أدركت بواسطته أنّ ما من كلمة هي منّي. رغم كلّ الصّعوبات والمعاكسات، كنتُ اتمّم دائمًا ارادته كم علّمني ايّاها.

1668- القيامة

قبل قدّاس القيامة شعرتُ أنّني ضعيفة للغاية حتّى أنّني فقدت كلّ أمل بالاشتراك في الزّياح الذي يُقام في الكنيسة. فقلتُ للربّ: «يا يسوع، إذا كانت صلواتي ترضيك، أعطني القوّة الآن لأتمكّن من الاشتراك في الزّياح».  في الحال شعرتُ بالقوّة وتأكّدتُ أنّه باستطاعتي أن أرافق الرّاهبات في الزّياح.

1669- لمّا بدأ الزّياح رأيت يسوع في تألّق أبهى من نور الشّمس. نظر إليّ يسوع بحبّ وقال لي: «يا قلب قلبي، إمتلئي فرحًا».  وللحال استغرقت روحي فيه.. لمّا عدتُ إلى ذاتي رأيت نفسي سائرة في الزّياح مع الأخوات بينما بقيت روحي غارقة فيه تمامًا.

1670- + عيد الفصح 17 نيسان 1938

شكرت الرّبّ وقت القدّاس لتنازله لخلاصنا ولاعطائنا أكبر نعمة، أعني حبّه في المناولة المقدّسة، أي هو نفسه بالذّات. في هذا الوقت غرقت في أحشاء الثّالوث الأقدس وفي حبّ الآب والإبن والرّوح القدس، يصعب وصف هذه الأوقات.

1671- في هذا الوقت صلّيت إلى الرب من أجل أحد الأشخاص فأجابني الرب: «إن هذا الشخص ينعم بمعزّة خاصة عندي». فغمرني الفرح من جراء ذلك. ملأت سعادة الآخرين نفسي بفرح جديد، وعندما أرى أسمى النِعم في إحدى النفوس، يرتفع قلبي إلى الرب بنشيد عبادة جديد.

1672- 19 نيسان 1938. قالت إحدى الراهبات [الأخت كاجتن Cojtan]: «إن الأخت فوستينا هي ضعيفة للغاية وتكاد لا تستطيع أن تمشي. لكنها ستموت قريبًا لأنها ستصبح قديسة». أجابت إحدى المديرات [الأخت كازيمير]. «إننا نعلم أنها ستموت ولكن أن تصبح قديسة فهي مسألة أخرى». وبدأت حينئذ ملاحظات خبيثة حول هذا الموضوع. سكتُ أولًا ثم تلفّظتُ بكلمة واحدة فرأيت أن الحديث يزداد سوءًا فحافظتُ مجدّدًا على الصمت.

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق