22 – (97-94) معركة النفس أمام التجارب والمحن التي يسمح بها الله
94- يا سيدي، ألهب قلبي بحبي لك حتى لا يخالج السأم روحي في وسط العواصف والعذابات والتجارب أنت ترى كم أنا ضعيفة. الحبّ يستطيع كلّ شيء.
95- معرفة أكثر عمقاً بالله ورعب النفس
أعلن الله ذاته منذ البدء أنه قداسة وعدالة وصلاح أيّ رحمة. ولا تعرف النفس هذا كله مرّة واحدة بل على دفعات وإشراقات متتابعة وذلك عندما يقترب من الله. ولا يطول ذلك كثيراً لأن النفس لا تستطيع أن تتحمّل من هذا النور. تختبر النفس وقت الصلاة هذه الإشراقات فيستحيل عليها آنذاك أن تصلّي كما في الماضي. كلّ محاولة صلاة كما في الماضي تفشل. ولا تتمكّن قطعيّاً متابعة الصلاة كما كانت من قبل تقبّل النور. يعيش هذا النور في داخل النفس التي لمسها ولا شيء يستطيع أن يُطفئه أو يُضعفه. إشراقات معرفة الله تجذب النفس وتُشعل الحبّ له.
ولكن هذا الإشراق، يسمح للنفس في الوقت عينه أن تعرف ذاتها كما هي. فترى النفس كلّ داخلها على ضوء سماويّ فتستفيق خائفة مرتعدة. ولكن لا تبقى تحت وطأة الرعب بل تبدأ بتنقية ذاتها وتتواضع وتُذلّ ذاتها للرب. وتزداد هذه الإشراقات قوّة وتكرارًا ويعمق ولوجها النفس بقدر ما النفس تزداد تنقية. وإذا ما تجاوبت النفس بأمانة وشجاعة مع هذه النِعم الأولى، فإن الله يملأها بتعازيه ويعطيها ذاته بشكل ملحوظ. وفي بعض الأحيان تدخل النفس كما هي في مودّة مع الله فتبتهج جدّاً وتعتقد أنها بلغت درجة الكمال المُعدّ لها، لأن نقائصها وأخطاءها تنام في داخلها فتظنّ أنها لم يعد للأخطاء والنقائص وجود.
فلا يبدو شيءٌ صعب عليها. فهي مستعدّة لكل شيء وتبدأ الغوص في الله وتتذوّق الأنوار الإلهيّة وتؤخذ بالنعمة ولا تحسب أن وقت التجربة والامتحان سيعود. ولكن بالفعل لا يدوم هذا التذوّق طويلًا وستأتي أوقات أخرى. إنما أضيف هنا أن النفس ستتجاوب بأمانة أكبر مع النسمة الإلهيّة إذا التجأت إلى معرّف واسع الاطلاع وباحت له بكل شيء.
96- المِحَن التي يرسلها الله إلى نفس يخصّها بحبّه. تجارب وظلمة، الشيطان.
إن حب نفس (لله) لم تصبح بعد كما يريدها لها. قد تفقد النفس فجأة إدراكها الحسي بوجود الله. قد تستيقظ في داخلها نقائص وأخطاء متنوّعة وعليها أن تحاربها بشراسة. قد تنتصب كل النقائص ولكن يقظة النفس هي قويّة. يترك شعورها السابق بوجود الله مكانة للبرودة والجفاف الروحي. فلا تتذوّق النفس التمارين الروحية ولا تستطيع للصلاة سبيلّا، لا بحالة فتور ولا بالطريقة التي بدأت تصلي بها. فتحارب الحالتين معًا دون أن تطمئنّ.
لقد خبّأ الله ذاته عنها فلا تجد تعزية في الخلائق ولا الخلائق تجد سبيلًا لتعزيتها. تتوق النفس بشغف إلى الله فلا تجد إلا بؤسها فتشعر بعدالة الله. ويبدو لها وكأنها فقدتْ كلّ الهبات التي منحها إياها الله. فيخفت نور عقلها وتملؤه الظلمة ويبدأ عذاب صامت. تحاول النفس أن تشرح وضعها إلى معرّف فلا يفهمها فتزداد اضطرابًا. لقد بدأ إبليس عمله.
97- يتأرجح الإيمان من وطأة التأثير. فالعراك شرس. تحاول النفس مجدة أن تتعلّق بالله بفعل إرادة. فيتمادى إبليس في عمله، بسماح من الله: الرجاء والمحبة هما على المحكّ. تلك هي تجارب مخيفة. والله يدعم النفس خفية، كما يقال، دون أن تدرك النفس ذلك والّا استحال عليها أن تثبت. والله يعلم جيدًا مدى ما يسمح به أن يحلّ بالنفس. وتتجرّب النفس في إيمانها بالحقائق الموحاة وفي ثقتها بصدق حتى العمق. يقول لها إبليس، «أنظري كيف لا يفهمك أحدٌ فلما الحديث عن كل ذلك؟»، كلمات مخيفة ترنّ في آذانها ويبدو للنفس كأنها تردّدها ضدّ الله. فترى ما لا تريد أن تراه وتسمع ما لا تريد أن تسمعه. إنه لشيء مخيف أن لا يكون هناك في مثل هذه الأوقات معرّف ذو خبرة واسعة. تحمل النفس وحدها كل العبء، فيجب إذاً القيام بكل جهد مستطاع لإيجاد معرّف مطّلع، وإلا انهارت النفس تحت العبء وبلغت إلى حافة الهاوية بالذات.
كل هذه التجارب هي صعبة وثقيلة. ولا يرسلها الله إلى نفس لم يتسنى لها بعد أن تلجَ في عمق الألفة معه أو تتذوّق الأنوار الإلهيّة. على كل حال يصعب علينا فهم تصاميم الله. ويحضّر الله لنا غالبًا نفسًا بهذا الأسلوب لتصاميمه المستقبلية وأعماله العظيمة. يريد أن يختبرها كما يُختبر الذهب الصافي. ولكن لم يَنته الامتحان بعد. هناك امتحان الامتحانات: إهمال الله التامّ للنفس.