56- مريم أمّ الرحمة ترشد فوستينا ويسوع يعلّمها روح الطفولة
1934 يوم عيد صعود أمّ الله.
325– لم تسمح لي الطبيبة أن أسمع القداس. ولكن صليت بحرارة في غرفتي وبعد قليل رأيت أمّ الله في جمال لا يوصف. قالت لي: «إن ما أطلبه إليكِ يا إبنتي هو الصلاة، الصلاة ثم الصلاة من أجل العالم، ولا سيّما من اجل وطنك. إقبلي المناولة المقدّسة لمدّة تسعة أيام واتّحدي إتحاداً وثيقاً بذبيحة القدّاس تكفيراً. ستقومين أمام الله طيلة هذه المدّة بتقدمة ذاتِك. حيثما تكونين وأينما وُجِدّتِ في كل وقت ومكان، ليلاً ونهاراً وعند الصباح صلّي بالروح. إننا نستطيع أن نصلّي دائماً بالروح».
326- قال لي يسوع مرّة: «يشبه نظري في هذه الصورة نظري من على الصليب».
327- سألني مرّة معرّفي [الأب سوبوكو] أين يجب أن نضع الكتابة على الصورة لأنه لم يبقَ لها مكان. أجبته: «سأصلّي وأعطيك الجواب الأسبوع القادم». لما غادرتُ كرسي الإعتراف ومررتُ أمام القربان المقدّس أدركتُ في داخلي موضوع الكتابة. ذكّرني يسوع بما قاله لي في المرّة الأولى لا سيمّا أنه يجب أن تظهر هذه الكتابة بوضوح: «يا يسوع، إني أثق بك» [Jezu Ufam Tobie]، علمت أن يسوع يريد أن تُكتب العبارة بكاملها، ولكن لم يعطني توجيهات واضحة في هذا الصدد ولا في الكلمات الثلاثة.
«سأقدّم للبشر وعاءاً يستقون به دائماً النعم من ينبوع الرحمة، وهذه الصورة مع العبارة: “يا يسوع إنني أثقُ بك» هي بمثابة ذاك الوعاء».
328- أيها الحبّ الكلّي نقاوة، سيطر بكل قوّتك على قلبي و ساعدني أن أصنع إرادتك المقدّسة بكل أمانة.
329- قرب نهاية رياضة روحيّة دامت ثلاثة أيام، رأيتُ نفسي سائرة في طريق وعرة. كنت في تعثّر متواصل ولكن رأيت صورة شخص يتبعني ولم يتوقّف عن مساندتي. لم أرضَ بذلك وطلبتُ إلى الشخص أن يتركني لأنني أردتُ أن أمشي وحدي. ولكن الوجه الذي لم أتمكّن من معرفته لم يتركني لحظة واحدة. فقدتُ صبري واستدرتُ نحوه ودفعته بعيداً عني. رأيت حينئذ الأمّ الرئيسة [إيرين]، وفي الوقت نفسه أدركتُ أنها لم تكن الأمّ الرئيسة بل الرب يسوع الذي حدّق بي وأفهمني كم هو مستاء من عدم تنفيذ إرادة رئيستي، «حتّى في الأمور الصغيرة، التي هي إرادتي أنا». [قال لي]. سألته المغفرة وعاهدت نفسي أن آخذ جدّياً بعين الإعتبار هذا التنبيه.
330- طلب إليّ معرّفي مرّة أن أصلّي على نيّته، فبدأت تساعيّة لأمّ الله. واشتملت على الصلاة “السلام عليكِ أيتها الملكة القدّيسة”. أتلوها تسع مرّات. وقرب نهاية التساعيّة رأيت أمّ الله حاملة الطفل يسوع على ذراعيها ورأيت كذلك معرّفي يتحدّث إليها ساجداً عند أقدامها. لم أفهم ما كان يقوله لها، لأنني كنتُ منهمكة بالحديث مع الطفل يسوع الذي نزل عن ذراعيها واقترب مني. أخذتُ بجماله الرائع. سمعتُ بعضاً من الكلمات التي قالتها له [أي إلى معرّفي] وليس كل شيء. كانت تلك الكلمات: «انا لست فقط ملكة السماء ولكن أيضاً أمّ الرحمة وامّك». في هذا الوقت بسطت ذراعها الأيمن التي كانت تسدل عليه رداءها وغطّت به الكاهن. وهنا تلاشت الرؤية.
331- آه! أن يكون لدينا مرشد روحي فتلك نعمة عظيمة! ممّا يجعلنا نتقدّم بسرعة في الفضيلة، نرى إرادة الله بوضوح أكثر، ونتممّها بإيمان أكبر ونسير في الطريق الأمين الخالي من المخاطر. يدرك المعرّف كيف نتجنّب الصخور التي تتكسّر عليها النفس: لقد أعطاني الربّ هذه النعمة، ولو متأخّرة، لأرى كيف أن إرادة الله تنسجم مع أمنيات المرشد، ممّا يتسبب لي بفرح كبير. أذكر فقط مثلاً واحداً من ألف، حدث لي، ذات مساء سألت الربّ يسوع كالمعتاد، أن يعطيني نقاط تأمّل لليوم التالي، حصلت على هذا الجواب: «تأمّلي في النبي يونان ورسالته». شكرتُ الربّ ورحتُ أفكّر في داخلي، إن هذا الموضوع يختلف عن غيره ولكن بذلتُ كل جهدي لأتأمّل فيه. لبست شخصيّة النبي، بمعنى أنني أنا أيضاً أحاول غالباً أن أجد أعذاراً للربّ، مدعية أن شخصاً آخر غيري قد يتمّم إرادته [أفضل مني]، دون أن أدرك أن الله يستطيع كل شيء وأن قدرته السامية ستظهر حتماً في الوسيلة الضعيفة التي يستعملها. أبان الله ذلك لي بما يلي: كان وقت بعد الظهر مخصّصاً للإعتراف في الجمعيّة. لما عرضّت على مرشدي الروحي الخوف الذي إعتراني بسبب هذه المهمّة التي أوكلها الله لي، أنا الوسيلة الغبيّة، أجابني المرشد أنه يتوجب عليّ تنفيذ إرادة الله وأعطاني مَثَل النبي يونان. بعد الإعتراف تساءلت كيف عرف مرشدي أن الله قال لي أن اتأمّل في يونان، وأنا بالواقع لم أخبره بذلك، سمعتُ حينئذ هذه الكلمات: «لمّا يتصرف الكاهن من قبلي، فهو لا يتصرف من ذاته بل من خلالي، وإنّ رغباته هي رغباتي». أستطيع أن أرى كيف يدافع يسوع عن ممثّليه، فهو يحرك أعمالهم بذاته.
332- + يوم الخميس. لمّا بدأت ساعة السجود المقدّسة، أردت أن أنسجم مع نزاع المسيح في بستان الزيتون. سمعتُ حينئذ صوتاً في نفسي: «تأملي سر التجسّد». وظهر أمامي فجأة الطفل مشعاً بالجمال. قال لي كم تحسن بساطة النفس لدى الله: «رغم أن عظمتي هي فوق كل إدراك، إنني أتّحد فقط مع هؤلاء الصغار. أطلب إليكِ روح الطفولة».
333- يتضح لي الآن كيف يعمل الله من خلال المعرّف و كيف يحفظ وعوده بأمانة. منذ أسبوعين طلب إليّ معرّفي ان اتأمّل في الطفولة الروحيّة. واجهت صعوبة في البدء ولكن معرّفي، دون أن يكترث لصعوباتي، ألحّ عليّ أن أتابع التأمّل في الطفولة الروحيّة [قال لي] تظهر بهذا الشكل: «إن الطفل لا يهتم بالماضي أو المستقبل بل يعيش في الوقت الحاضر. أريد أن أركّز على الطفولة الروحيّة عندك، يا أختي، وأن أعيرها الكثير من الإهتمام».
أستطيع أن أرى الآن كيف يتنازل الله ليلبّي رغبات المعرّف. لم يظهر لي ذاته آنذاك كمعلّم بالغ النضج والمقدرة بل كطفل صغير. إن الله الذي هو فوق كل إدراك ينحني أمامي بمظهر طفل صغير.
334- لكن عين نفسي لا تتوقّف على هذا المظهر. رغم أنك تأخذ شكل طفل صغير، إني أرى فيك رب الأرباب اللامتناهي، الأزلي الذي تعبده الأرواح الطاهرة ليلاً نهاراً، ومن أجله تلتهب قلوب السارافيم بنار الحب الكلي نقاوة. أيها المسيح، يا يسوع، أريد أن أفوقهم محبّة لك. أعتذر منكِ، أيتها الأرواح الطاهرة، لوقاحتي بتشبيه ذاتي بك، أنا لجّة التعاسة، أنا هوّة الحقارة. و أنت يا الله لجّة الرحمة التي لا تدرك إبتلعني كما تبتلع حرارة الشمس نقطة الندى. أن نظرة حبّ منك تملأ لجّتي. أشعر بفرح فائق لعظمة الله. إن رؤية عظمة الله هي أكثر ممّا يلزم لأسعد طوال الأبدية.
335 – لمّا رأيت مرّة يسوع بشكل طفل صغير سألته: «لماذا يا يسوع، تأخذ شكل طفل صغير عندما تتّصل بي. رغم ذلك إني أرى دائماً فيك الإله اللامتناهي، سيدي وخالقي». أجاب يسوع: «سأظل أتّصل بكِ بشكل طفل صغير إلى أن تتعلمّي البساطة و التواضع».