رسل الرحمة الإلهية

75- يسوع: إنّ أكثر النفوس قداسة هي التي تعمل إرادة الآب ولكن لا يوجد كثير منها

594- ذات مساء، ظهَرَتْ لي إحدى الراهبات المتوفيّة، وقد سبق وزارتني عدة مرات. لمّا رأيتها لأول مرة، كانت معذّبة كثيراً ولكن تضاءلت تلك العذابات تدريجياً. أمّا هذه المرّة، كانت تشعّ بالسعادة. وقالت لي إنّها الآن في السماء. وأنّ الله قد أبلى ديرنا بالعثرات، لأنّ الشك خامَرَ الأم الرئيسة [مايكل] ولم تُصدِّق ما قلتُهُ لها عن هذه النفس. ولكن فيما بعد سيُبارك الله بيتنا، ليعطينا علامة أنها الآن في السماء. ثمّ اقترَبَتْ مني وقبّلتني بإخلاص قائلة: «عليّ أن أذهب الآن». فأدركتُ كيف أنّ درجات الحياة للنفس هي مترابطة في الحياة على الأرض، والحياة في المطهر والحياة في السماء [في شركة القديسين].

595- لاحظتُ مرات عديدة أنّ الله يجرّب بعض الناس بسبب هذه الأشياء التي حدّثني عنها، لأنّ الشكل يغيظ يسوع. لمّا رأيتُ مرة، أنّ الله جرّب أحد رؤساء الأساقفة [جالبر زيكوفسكي]، لأنه عارض القضية وشكّ فيها، أَسِفْتُ له وتوسَّلْتُ إلى الله من أجله، والله خفّف آلامه. إنّ الشك يُهينُ قلبه الأكثر عذوبة، المليء بالصلاح وبحبّ لنا لا يُدرك. على الكاهن أنْ يشُكّ أحياناً حتى يتأكّد جيداً من صحة الهبات المعطاة إلى نفس ما. وعندما يتصرّف بهذه الطريقة كي يوجّه النفس نحو اتحاد أعمق بالله، فينال بالروح مكافأة كبيرة لا تُدرك. ولكن هناك فرق شاسع بين هذا الوضع وبين احتقار النِّعَم الإلهية، المعطاة غلى نفس ما والشكّ فيها، لأننا لا نستطيع أن نُدرك تكل الأمور وأن نفهمها بواسطة العقل فقط. وهذا الموقف الأخير يُغيظ الله. إنني أُشفِق على النفوس التي تلتقي بكهنة دون خبرة.  

596- طلب إليّ مرة كاهن [الأب سوبوكو] أن أصلّي من أجله. وعدتُهُ أن أصلي واستأذنتُ القيام بإماتة ما. لمّا حصلتُ على الإذن للقيام ببعض الإماتات. شعرتُ بشوقٍ كبيرٍ إلى التخلّي عن كل النِّعَم التي قد تخصّصها لي جودة الله، لصالح هذا الكاهن. وطلبتُ إلى الرب يسوع أن يتنازل ويهبني كل الآلام والأحزان الخارجية والداخلية التي قد يتحمّلها الكاهن طوال ذلك اليوم. أجاب الله طلبي جزئيًّا، وفجأة انتصَبَتْ أمامي كل أنواع الصعوبات والمضايقات دون أن أعلم مصدرها، إلى حدّ جعل إحدى الراهبات تُبدي ملاحظتها علناً، إنّ للرب يسوع يدٌ في ذلك، لأنّ كل واحدةٍ كانت تحاول أن تُجرِّب الأخت فوستينا. وكانت تُلصِقُ بي التُّهَم دون أساس. فإذا ما أبدَتْ راهبة ما رأياً، عارضتها راهبة أخرى. وكنتُ أقدِّمُ ذلك، بصمت، من أجل الكاهن.

لم يتوقّف الأمر على ذلك. بدأتُ أشعرُ بآلام داخلية. فانهارت أعصابي أولاً وكرهتُ الراهبات ثمّ أخذ الشك يُقلقني، وتشتَّتْتُ في الصلاة. سيطَرَتْ على أفكاري أمور متنوعة. ولمّا أنهكني التعب دخلتُ إلى الكنيسة فاستولى عليّ تعبٌ غريب، ورحتُ أبكي بهدوء. سمعتُ حينئذ صوتاً في نفسي يقول لي: «لماذا تبكين، يا أختي، لقد اخترْتِ بذاتكِ تحمّل هذه الأوجاع. اعلمي أنّ ما أخذتيه على ذاتك من أجل تلك النفس، ليس إلاّ جزءاً قليلاً. فهو يتعذّب أكثر بكثير». وسأتُ الرب: «لماذا تعامِلُهُ هكذا؟»، أجاب الرب: «من أجل الأكاليل الثلاثة المعدّة له؛ أي البتوليّة والكهنوت والاستشهاد». في هذا الوقت غَمَرَ نفسي فرحٌ كبير لرؤية المجد العظيم الذي ينتظره في السماء. فصلَّيتُ في الحال «ترنيمة الشكر» لأجل هذه النعمة الخاصة من لَدُنِ الله، لا سيّما لمَعرفَتي كيف يُعاملُ الله من يريدُ أن يقرّبهم إليه. وهكذا تُصبح الآلام كَلا شيء بالمقارنة مع ما ينتظرنا في السماء.

597- ذات يوم، بعد القداس، رأيتُ فجاة معرّفي [الأب سوبوكو] يحتفل بالذبيحة الإلهية في كنيسة مار ميخائيل تجاه صورة أم الله. أثناء التقدمة، رأيتُ الطفل يسوع متشبِّثاً به كأنّه هاربٌ من شيء ما وملتجئٌ إليه. ولكن اختفى كالمعتاد أثناء المناولة. ورأيتُ، في الحال، أمّ الله تحمي الطفل يسوع بردائها وقالت: «تشجّع يا ابني، تشجّع» ثمّ قالت شيئاً لم أستطع سماعه.

598- آه! كم أتوقُ إلى أن تُمَجِّد كلُّ نفس رحمتَكَ. طوبى للنفس التي تتَّكلُ على رحمة الرب. سترى أنّ الله سيحتفظ بها لمجده كما قال. ومن يَجرُؤ أن يُجابه الله.
يا جميع البشر مجّدوا رحمة الله لثقتكم برحمته طيلة أيام حياتكم ولا سيّما في ساعة الموت. ولا تخافي شيئاً أيّتها النفس، مهما كُنْتِ. إنّ حقّ الخاطئ برحمتك يا رب، يزداد بازدياد خطيئته. أيها الصلاح الذي لا يُدرَك. إنّ الله هو أول من ينحني نحو الخاطئ. يا يسوع، أودُّ أن أُمجِّد رحمتك من قِبَل ألوف النفوس. أعرف جيداً، يا يسوع، أنني سأُخبرُ دائماً النفوس عن خلاصك، وعن رحمتك التي لا تُدرَك.

599- في إحدى المناسبات بعد أن سألني أحد الأشخاص أن أصلي لأجله، قلتُ للرب لمّا التقيتُ به: «يا يسوع، إنني أخصُّ بمحبتي تلك النفوس التي تحبّها أنت؟» أجابني يسوع: «وأنا من جهتي، أُغدقُ نِعَمي على تلك النفوس التي تتوسّلين لأجلها».

600- أتعجّبُ كيف يحميني يسوع. حقًّا هي نعمة كبرى من لَدُن الله ما زلتُ أختبرُها منذ وقت طويل.

601- ذات مرة داهم مرضٌ قتّال إحدى راهباتنا والتَقَتْ معاً كل الجمعية. جاء أحد الكهنة ليُعطيها المشحة الأخيرة. رأيتُ فجأة عدّة أرواح ظُلمة. نسيتُ حينئذ أنني مع الراهبات، وأخذتُ ماءً مقدَّساً ورشَّيْتُهُ على الأرواح فاختفت للحال. ولكن، لمّا أتت الراهبات إلى غرفة الطعام، لاحظَتْ الأم الرئيسة [بورجيا] أنه كان عليّ أن لا أنضح بالماء المقدس الراهبة المريضة في حضور الكاهن، لأنّ هذا العمل هو من واجبه. قبِلْتُ التوبيخ بروح التوبة مع أنّ الماء المقدّس هو مساعدة كبيرة نقدّمها للإنسان المنازع.

602- يا يسوع، أنت تعلمُ كم أنا ضعيفة إذا تُرِكْتُ لذاتي. إنّما أنت بذاتك دبّر أموري. واعلَمْ أنني بدونك يا يسوع لا أستطيعُ أن أنجز عملاً. ولكن معك، آخذ على عاتقي أصعب الأمور.

603- 29 شباط 1936. عند المساء بينما أنا في حجرتي رأيتُ فجأة نوراً ساطعاً ثمّ صليباً رماديّ السَّواد داخل النور إلى الجهة العُليا. ورأيتُ نفسي فجأة مجمّدة قرب الصليب. تفرَّسْتُ فيه فلم أستطِعْ أن أفهم شيئاً فصلَّيْتُ وسألتُ عن معنى ذلك. رأيتُ حينئذ الرب يسوع وقد اختفى الصليب. كان يسوع جالساً في نور ساطع، وقدماه غارقتان في النور إلى الركبتين فلم أستطع أن أراهما. انحنى يسوع نحوي ونظر إليّ بحنان وحدّثني عن إرادة الآب السماوي. وقال لي إنّ أكثر النفوس قداسة هي التي تعمل إرادة الآب ولكن لا يوجد كثير منها وأنّه ينظر بمحبة خاصة نحو النفس التي تحيا بإرادته. وقال لي يسوع: «إنني أصنعُ إرادة الله على أكمل وجه … ولهذا السبب إنني أتَّحِدُ بِكِ وأتواصلُ معكِ بشكل خاص وودّي».

يشملُ الله بحبّه غير المُدرَك النفسَ التي تحيا بإرادته. أُدرِكُ كم يحبُّنا الله وكم هو سهلٌ بينما هو لا يُدْرَكْ. وكم يهونُ التواصل معه رغم عظمة جلاله. لا أشعرُ بحرية مع أحد ولا أرتاحُ إلى أحد كما أشعرُ بحرية معه وأرتاح إليه. فلا الأمُّ ولا ابنها المحبّ حقاً يستطيعان أن يفهما أحدهما الآخر كما أفهمُ الله ويفهمني. لمّا كنتُ في حالة تواصل مع الله رأيتُ شخصين فريدَين وقد انكشَفَتْ لي حالتهما الداخلية الحزينة. كانا في وضع كئيب ولكنني أثقُ أنهما، هما أيضاً، سيمجّدان رحمة الله.

604- في الوقت نفسه رأيتُ شخصاً [الأب سوبوكو] ومَظهراً من حالة نفسه والصعوبات التي أرسلها له الله. كانت آلامه عقلية وقاسية إلى حدّ جعلني أُشفِق عليه فقلتُ للرب: «لماذا تعاملُه هكذا؟» أجابني الرب: «بسبب أكاليله الثلاثة». وأفهمني الرب أيضاً أيُّ مجد لا يوصف ينتظر الذي يتشبّه بيسوع المتألّم هنا على الأرض. سيتشبّه هذا الشخص بيسوع في مجده. إنّ الآب السماوي سيتعرّف على نفسنا ويمجّدها بقدر ما يرى فينا صورة ابنه. وفهمتُ أنّ التشبّه بيسوع يُعطَى لنا، بينما نحن هنا على الأرض. رأيتُ نفوساً طاهرة وبريئة مارَسَ الله عليها عدالته. تلك النفوس هي ضحايا تُقوِّي العالم وتُكمِّل ما ينقص من آلام المسيح. أليست تلك النفوس عديدة، وأبتَهِجُ جدًّا لسماح الله لي أن أعرف تلك النفوس.

605- أيها الثالوث الأقدس، الإله الأزلي أشكرك لسماحك لي أن أعرف عظمة المجد ودرجاته المتنوعة التي تبلغ إليها النفوس. آه! كم تختلف معرفة الله عمقاً بين درجة وأخرى. آه! لو استطاع الناس أن يعرفوا هذا الفرق. لو كان باستطاعتي أن أبلغ إلى درجة أعلى لتحَمَّلْتُ لهذه الغاية كل مجموعة آلام الشهداء. بالواقع، تبدو لي كل هذه الآلام كلا شيء بالمقارنة مع المجد الذي ينتظرنا طوال الأبدية. أيها السيد، أغرِق نفسي في محيط ألوهيتك وامنحني نعمة معرفتك. يزداد شوقي إليك ويكبر حبي لك، بقدر ما تزداد معرفتي بك. أشعر في نفسي لجّة لا تُسْبَر، لا يملؤها إلاّ الله وحده. تضيع نفسي فيه مثل نقطة ماء في محيط. لقد انحنى الرب نحو تعاستي مثل شعاع شمس فوق صحراء صخرية وقاحلة. غير أنّ نفسي، تحت تأثير شعاعاته، تغطّت بالخضار والزهر والفاكهة وأصحبت جنينة جميلة يرتاحُ فيها.

606- يا يسوع، رغم كّل نعمك، إني أرى تعاستي وأشعر بها. أبدأُ يومي بالعراك وأنهيهِ بالعراك. ما أن أتغلَّبُ على صعوبة حتى تحلّ محلّها عشرُ صعوبات. ولكن لست قلقة لأنني أعلمُ أنّ هذا وقت العراك لا السلام. عندما يثقُلُ عليّ عبء المعركة، أرمي بنفسي كطفل بين ذراعي الآب السماوي، حينئذ أثق أنني لن أهلك. يا يسوع كم أنا ميّالة إلى الشرّ، ولكن يجبرني هذا أن أكون دائماً يقظة. لا أفقد شجاعتي. إني أثق بنعمة الله التي تفيض في الحقارة الأكثر تعاسة.

607- في وسط الصعوبات والمضايقات الأكثر سوءاً، لا أفقد سلامي الداخلي ولا اتّزاني الخارجي، وهذا ما يهبط عزيمة أعدائي. إنّ الصبر في المضايقات يُقوّي النفس.

 

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق