الدفتر الثاني

87- سأدافع عن النفس التي تتلو هذه السبحة في ساعة موتها كما أدافع عن مجدي

 11 كانون الأول.

808- لم استطع الإشتراك في القدّاس بكامله. اشتركتُ في القسم الأهمّ منه. وبعد مناولتي القربان المقدّس رجعت إلى عزلتي. غمرني فجأة حضور الله وشعرتُ في الوقت نفسه، بآلام الرب لمدّة قصيرة بلغت خلالها إلى عمق معرفة عمل الرحمة.

809- استيقظت فجأة في الليل وأدركت أن إحدى النفوس تطلب إليّ أن أصلّي من اجلها، فهي بأشدّ الحاجة إلى الصلاة. طلبت لها بإيجاز من كل قلبي رحمة من لدن الرب.

810- بعد ظهر اليوم التالي، لمّا دخلتُ المركز، رأيت راهبة تنازع، وعلمت أنّ النزاع ابتدأ منذ الليل. ولمّا إستوضحت الأمر عرفت أنه بدأ ساعة طلب إليّ أن أصلّي. وسمعت حينئذ صوتًا في نفسي:«أتلي السبحة التي علّمتك إياها». أسرعت لأجلب سبحتي، ركعتُ قرب الراهبة المنازعة وبدأت تلاوة السبحة، وفجأة فتحتْ عينيها ونظرت إلي. وما أن أنهيت تلاوة السبحة حتى فارقت الحياة بسلام فائق العادة. طلبتُ إلى الرب بحرارة أن يفي بالوعد الذي قطعه معي حول تلاوة السبحة. أفهمني الرب أن النفس نالت النعمة التي وعدتني بها. كانت النفس الأولى التي استفادت من وعد الرب. كدت أرى قوة الرحمة تغمر تلك النفس.

811- لمّا دخلت عزلتي سمعت هذه الكلمات:«سأدافع عن النفس. التي تتلو هذه السبحة، في ساعة موتها، كما أدافع عن مجدي. أو عندما يَتلوها أناس على نية النفس المنازعة فإني أهبها نفس الغفران. عندما تتلى قرب سرير المنازع، يهدأ غضب الرب وتغمر النفس رحمته اللامتناهية. إن أعماق رحمتي الحنونة تتأثر من أجل (آلام إبني المحزنة)».

آه! لو يدري كل انسان كم هي عظيمة رحمة الرب وكم نحن بحاجة الى هذه الرحمة لاسيّما في الساعات الصعبة.

812- خضتُ اليوم معركة مع أرواح الظلمة حول إحدى النفوس. كم هو مخيف كره الشيطان لرحمة الله. أرى كيف يعارض دائمًا كل هذا العمل.

813- يا يسوع الرحوم، الممدّد على الصليب، أنظر برأفة إلى ساعة موتنا. يا قلب يسوع الكلي الرحمة، المطعون بالحربة، إحمني من آخر لحظة من حياتي، أيها الدم والماء المتدفقان من قلب يسوع كنبع رحمة لا ينضب. في ساعة موتي، يا يسوع المنازع، رهينة الرحمة، أبعد غضب الرب في ساعة الممات.

+ 12 كانون الأول 1936

814- تناولتُ اليوم القربان المقدّس ومكثت بضع ثوان في القداس. كلّ قوّتي هي فيك أيها الخبز الحيّ. قد يصعب عليّ أن أبقى على قيد الحياة طيلة النهار إذا لم اتناول القربان المقدّس. فهو درعي، لا أعرف كيف أعيش بدونك يا يسوع.

815- يا يسوع، حبّي، أعطني أن أدرك اليوم كم يحبّني الله، رغم الهوّة القائمة بينا، الخالق والخليقة، غير أنّ هناك شيء من المساواة. فالحبّ يطمر الهوّة. لقد تنازل هو ومكّنني من الاتصال به. أحتجب ضائعة فيه كما ينبغي. إنما تستعيد نفسي قوّة وسلطة تحت نظره، كما تزداد وعيًا. إنها تحبّ وبالأخصّ أنّها محبوبة. تعرف أن القدير يحميها. إن هذه الصلاة على إيجازها، تفيد النفس إلى حدّ بعيد وإن ساعات طويلة من الصلاة العادية لا تُنير النفس مثلما يُنيرها هذا النوع السامي من الصلاة.

816 + في عصر هذا اليوم استرحتُ لأول مرة في الهواء الطلق [تحت الشمس على شرفة المصحّ] زارتني الأخت فيليسيا Felicia وجلبت لي بعض الحوائج الضرورية وبعض التفاح الشهي، وتحيّات محبّة من الأم الرئيسة والأخوات العزيزات.

13 كانون الأول 1936 إعتراف أمام يسوع.

817- لما تذكّرتُ أنه قد مضى أكثر من ثلاثة اسابيع على اعترافي بكيتُ لرؤية نفسي الخاطئة ولبعض الصعوبات. لم أذهب إلى الإعتراف لأن الظروف حالت دون ذاك. إضطررت أن ألزم الفراش في اليوم المحدّد للإعتراف. في الأسبوع التالي كانت الاعترافات بعد الظهر وكنتُ قد ذهبت إلى المستشفى منذ الصباح… بعد ظهر اليوم أتى الأب أندراز إلى غرفتي وجلس ليسمع إعترافي. لم نتبادل أي كلمة قبل الإعتراف. سُرِرتُ جدًا لأنني كنتُ في غاية القلق لأذهب إلى الإعتراف. وكالمعتاد كشفتُ عن كل نفسي. أجابني الكاهن عن كل التفاصيل الصغيرة. شعرتُ بسعادة فائقة، لأنني إستطعت أن أقول كل شيء وهكذا صار. طلب إليّ أن أصلّي طلبة اسم يسوع الأقدس، كفّارة عن خطاياي. لمّا هممتُ أن أخبره عن الصعوبة التي تعتريني في تلاوة هذه الطلبة رفع يده وبدأ يعطيني الحلّة. رأيت فجأة نورًا ساطعًا يغطي وجهه ولم أعد أرى الأب أ. إنّما يسوع. كانت ثيابه بيضاء كالثلج. ثم توارت فجأة. كنتُ في بادىء الأمر على شيء من القلق. ولكن بعد حين خالج نفسي نوع من الطمأنينة، فأدركتُ أن يسوع يسمع الإعتراف تمامًا كما يفعل المعرّفون. غير أن شعوراً غريبًا كان يرشح من قلبي من طيلة هذا الإعتراف. لم أفهم أولًا ما معناه.

16 كانون الأول 1936.

818- قدّمت هذا اليوم من أجل روسيا، كما قدّمتُ كل آلامي وصلواتي من أجل هذا البلد المسكين. بعد المناولة المقدسة قال لي يسوع: «لا أستطيع أن أتحمّل بعد هذه البلد فلا تقيّد يداي، يا ابنتي». أدركتُ أن لولا صلوات النفوس المرضية لله لزالت تلك البلاد من الوجود. آه! كم أتألّم لهذه البلاد التي طردت الله خارج حدودها.

819- +يا نبع الرحمة الإلهية الذي لا ينضب، أفض ذاتك علينا. لا حدود لجودك. ثبِّت يا رب قوّة رحمتك فوق لُجّة تعاستي لأنّ رحمتك لا حدّ لها. عظيمة رحمتك ولا مثيل لها وهي تدهش العقل البشري والملائكي معًا.

820- طلب إليّ ملاكي الحارس أن أصلّي على نيّة أحد الأشخاص وعلمتُ عند الصباح أنه رجل بدأ النزاع الأخير في ذلك الوقت بالذات. يُعلمني يسوع بطريقة خاصة عندما يكون أحد بحاجة إلى صلواتي. أعرف، بالأخصّ، متى تحتاج نفس منازعة صلاتي. هذا ما يحدث لي اليوم أكثر من الماضي.

821- جعلني يسوع أدرك كم ترضيه نفس تعيش حسب إرادة الله، ممّا يمجّده إلى حدّ بعيد.

822- أدركت اليوم أنني حتى لو لم أتمّم الأمور التي يطلبها إليّ الرب فسأنال المكافأة على كل حال كما لو قمتُ بها، لأنّ الله ينظر إلى النيّة التي أبدأ فيها العمل. حتى ولو دعاني إليه اليوم، فلن يتأخّر العمل لأنه الرب، هو العمل والعامل معًا. من جهتي، عليّ أن أحبّه حتى الجنون. كل الأعمال ليست أكثر من نقطة صغيرة أمامه. فللحبّ وحده معنى وسلطة وأجرٌ. لقد فتح آفاقًا واسعة في نفسي والحبّ يعوّض عن النقص.

 

 17 نيسان كانون الأول 1936

823- قدّمت هذا النهار لأجل الكهنة. لقد تعذّبت اليوم، داخليًا وخارجيًا أكثر من أي يوم مضى. لم أعلم من قبل إن كان مستطاعًا تحمّل مثل هذه الآلام في يوم واحد. حاولت أن أقوم بساعة سجود، وفي خلالها تذوّقتْ روحي طعم مرارة بستان الجسمانية. أجاهد وحدي، إنما بمساعدة ذراعه، ضدّ كل الصعوبات التي تواجهني مثل أسوار لا تُدكّ. إنّما أثق بقوّة إسمه ولا أخاف شيئًا.

824- في هذه الخلوة يسوع ذاته هو معلّمي فهو يرشدني ويثقّفني. أشعر أنني موضوع عمله الخاص. ففي نواياه التي لا تفحص وقراراته التي لا تسبر يخصّني بالإتحاد به ويسمح لي أن ألج إلى أسراره غير المدركة. هناك سرّ واحد يجمعني بالله، لا يدركه أحدٌ حتى الملائكة- ولو أردتُ أن أبوح به لما أعرف كيف أعبّر عنه. إنّما أعيش فيه وسأعيش فيه إلى الأبد. وهذا السرّ يميّزني عن أية نفس أخرى هنا على الأرض وفي الأبدية.

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق