الدفتر الثاني

93- حوّلني إليك يا يسوع كي أستطيع أن أصبح ذبيحة ترضيك واجعل قوّة رحمتك تغمر النفوس

900- آه! كم الحياة هي قذرة ومليئة بالمغالطات. أتمرّس في الصبر ومنه أكتسب الخبرة. أفهم وأتعلم استياءات عديدة كل يوم لكن أرى أنني أعرف القليل وأكتشف دائمًا أخطاء في مسلكي. غير أنني لم ايأس من ذلك بل أشكر الله على أنه تنازل وأنارني حتى أفهم ذاتي.

901- هناك احدى الراهبات [ستانيسلافا كنيتنيقسكما Stanislava Kwietniewska] تحاول أن تضع صبري على المحكّ. يجب أن أكرّس لها الكثير من الوقت. يبدو إليّ أنها دائمًا تكذب عندما أتحدّث معها. وتستطيع أن تخبّىء كذبها لأنها تخبرني عن أمور غريبة يصعب تأكيدها. أنا على يقين أنّ كل ما تقوله لي يخلو من الحقيقة.

وأذا حدث مرة إن كنت ربما على خطأ، وكانت هي ربما تقول الحقيقة، طلبتُ إلى الرب أن يعطيني العلامة التالية: إذا كانت هي تكذب حقًا، إجعلها تقرّ أنها كذبت عليّ في هذا أو ذاك الأمر الذي تأكّدت في داخلي من عدم صحته. وإذا كانت تقول الحقيقة أبعد عني اقناعي بكذبها. بعد قليل أتت إليّ وقالت: «يا أختي سامحيني لأنني كذبت في هذا وذاك الأمر». وأدركت أن نوري الداخلي بالنسبة الى هذه الراهبة لم يضلّني.

29 كانون الثاني 1937

902- لقد تجاوزت اليوم وقت قيامي من النوم. ولو طال نومي قليلًا بعد، لكنت تأخرت عن المناولة لأن هناك مسافة طويلة تفصل بين الكنيسة ومقرّنا. لمّا خرجت كان الثلج يصل الى الركبة. وقبل أن أفكر أن الطبيب قد لا يسمح لي أن أخرج في مثل هذا الثلج، كنت قد وصلتُ الى عند الرب في الكنيسة. فقبلتُ القربان المقدس ورجعت في الحال. سمعت هذه الكلمات في نفسي: «يا ابنتي إبقي قريبة من قلبي، إنّني أقدّر جهودك». تزداد سعادة نفسي عندما أكون قريبة من قلب الله.

903- لقد توصلت أن أزداد معرفة بعظمة الله وأن أفرح بها. أبقى معه بلا انقطاع في أعماق قلبي. أجد الله بسهولة كبرى في اعماق نفسي.

904- وقت التأمل سمعت هذه الكلمات: «يا ابنتي، انك بخضوعك الصبور لإرادتي تمجّدينني أفضل تمجيد، وتنالين استحقاقات أكثر ممّا قد تنالين بالصوم والإماتات إعلمي، يا ابنتي، انك اذا اخضعت ذاتك لإرادتي تجتذبي كل سعادتي الخاصة. إنني أرتضي بهذه النصيحة المليئة بالعذوبة. إنني أسرّ بها كثيرًا وهي مصدر قوّة».

+ فحص ضمير:

905- متابعة الشيء نفسه: أن أتّحد بيسوع الرحوم. عمليًا: صمت داخليّ أي حفظ دقيق للسكوت.

906- في الأوقات الصعبة، أسمّر نظري على قلب يسوع الصامت الممدّد على الصليب ومن اللهب المتأجج لقلبه الرحوم تتدفّق عليّ القوة والمقدرة للمثابرة في الجهاد.

907- شيء رائع: في الشتاء يزور عصفور كناري شبّاكي ويطلق لبعض الوقت، أجمل التغاريد. حاولت أن اتحقق ان كان هناك كناريّ في ققص في مكان ما حولي ولكن لم أجد شيئًا، حتى ولا في المقرّ المجاور، وقد سمعه إنما لمرة واحدة فقط، أحد المرضى، وتعجّب كيف يستطيع كناري أن يغرد في مثل هذا الفصل المصقع من السنة.

908- + يا يسوع، كم أشعر بالشفقة للخطاة، هبهم يا يسوع، الندامة والتوبة. تذكّر آلامك المحزنة. أُدرك رحمتك اللامتناهية ولا استطيع أن أتحمّل رؤية نفسي تهلك وقد كلّفتك هذا الثمن الغالي. يا يسوع، أعطني نفوس الخطاة، ولتستقرّ عليهم رحمتك. خذْ منّي كل شيء ولكن أعطني النفوس. أريد أن أصبح برشانة ذبيحة من أجل الخطأة. ليخبىء هيكل جسدي تقدمتي لأن قلبك الأقدس أيضًا هو مخبأ في قربانة وأنت ولا شكّ ذبيحة حيّة.

حوّلني إليك يا يسوع كي أستطيع أن أصبح ذبيحة ترضيك. أرغب أن أكفّر كل دقيقة عن الخطأة المساكين. إن تضحية روحي هي مخبأة تحت ستار جسدي. فلا تبصرها أعين بشرية، ولذا فإنها طاهرة ومرضية لك. يا خالقي، وأبي الكثير الرحمة، إنني أثق بك لأنك الصلاح بالذات. لا تخشى النفوس الله بل تثق به، لأنه صالح وتدوم رحمته الى الأبد.

909- + اننا نعرف جيّدًا بعضنا البعض يا سيدي في مقرّ قلبي. نعم أنا أستقبلك اليوم ضيفًا في البيت الصغير لقلبي ولكن سيأتي وقت تدعوني فيه إلى مقرّك الذي حضّرته لي منذ بدء العالم. آه! ما أنا بالمقارنة معك يا سيدي؟

910- يقودني الرب إلى عالم أجهله. يعرّفني إلى نعمته الكبيرة. ولكن أنا خائفة منها ولن أخضع لتأثيراتها بقدر ما هو باستطاعتي، حتى يؤكد لي مرشدي الروحي هدف هذه النعمة.

911- في إحدى المناسبات سيطر حضور الله على كل كياني واستنار عقلي بشكل سرّي بالنسبة الى جوهرة الإلهي. أتاح لي أن أفهم حياته الداخلية. رأيت بالروح الأقانيم الإلهية الثلاثة، إنما جوهرهم هو واحد. فهو واحد وواحد فقط. ولكن في ثلاثة أقانيم. ليس أحدهم أكبر او أصغر من الآخر. ولا فرق في جمالهم أو قداستهم لأنهم واحد. هو واحد على الإطلاق. حملني حبّه إلى معرفته ووحّدني معه. لمّا كنت متّحدة مع الواحد، بالفعل ذاته، نتّحد بالتساوي مع الاثنين الباقيين، كما هو كنّا متّحدين مع الواحد. ارادتهم هي الواحد. اله واحد إنما في ثلاثة أقانيم. لمّا يتواصل احد الاقانيم الثلاثة، مغمورة بالسعادة المتدفقة من الثالوث الكلّي قدسه، تلك السعادة التي تغذي القديسين. وتجعل هذه السعادة النابعة من الثالوث الأقدس  الخليقة بكاملها سعيدة. وتتدفّق منها تلك الحياة المنعشة والواهبة بدورها حياةً مصدرها الثالوث الاقدس. في تلك الأوقات تختبر نفسي غبطة إلهيّة عظمى يصعب عليّ التعبير عنها.

912- سمعت حينئذ الكلمات التالية:«أريد أن تكوني عروستي». فخالجني الخوف ولكن تابعت بهدوء التفكير في ما عسى يكون هذا الإتّحاد الزوجي. إنّما كل مرة يعتريني الخوف، تطمئنّي قوّة من العليّ.

بعد هذا كله قدّمت نذوراتي المؤبّدة وقدّمتها بملء حرية إرادتي. لذا تابعت التفكير في ما عساه يكون ذلك. فأدركت وتحقّقت أن ذاك هو نعمة خاصة. كل مرّة أفكّر بذاتك أستغرق في الله. ولكن في هذا الإستغراق بالذات يبقى تفكيري واضحًا ومستضيئًا. ولمّا أتّحد به يغمى عليّ من وفرة السعادة ويبقى تفكيري واضحًا وساطعًا ومتحرّرًا من كل غموض. لقد تنازلتْ عظمتك لتسكن في خليقة حقيرة.

شكرًا لك يا سيد على هذه النعمة العظيمة التي تسهّل عليّ التواصل معك. يا يسوع، إن اسمك هو بهجتي. إني أحدّث حبيبي من بعيد وترتاح نفسي الهائمة بين يديه. لا أدري كيف أعيش بدونه. أفضّل أن أكون معه في الحزن والألم من أن أكون بدونه في أكبر سعادة سماوية.

2 كانون الثاني 1937

913- منذ الصباح هذا اليوم الباكر سيطر على نفسي استغراق الهي. فكّرت أنني سأرى في القداس الطفل يسوع كما تعوّدت ذلك. إنما رأيت اليوم في القدّاس يسوع المصلوب. كان مسمرًا على الصليب وفي نزاع مرير. إخترقت آلامه جسدي ونفسي بشكل غير منظور، ولكن بأقصى الألم.

914- آه! يا لها من أسرار رهيبة تحدث وقت القداس، يتحقّق سر عظيم في الذبيحة المقدّسة. بأية عبادة عظمى وانتباه علينا أن نشترك بموت يسوع. سنعلم يومًا ما يصنعه الله لنا في كل قدّاس وأيّ نوع من الهدايا يوفّرها لنا. يُتيح الحب الإلهي وحده أن تعطى لنا مثل هذه الهدايا. يا يسوع، يا يسوع خاصّتي، كم هو شديد ألم نفسي لمّا أرى نبع الحياة هذا يتدفّق بعذوبة وقوّة لأجل كل نفس، بينما أرى في الوقت نفسه، نفوسنا تضلّ وتجفّ في أخطائها. يا يسوع إجعل قوّة رحمتك تغمر هذه النفوس.

915- +يا مريم، لقد جاز اليوم سيف مريب نفسك القديسة. فلا أحد يدرك آلامك سوى الله. نفسك لن تتحطم فهي شُجاعة لأنها مع يسوع. أيّتها الأم العذبة، وحّدي نفسي بيسوع لأنني سأستطيع، آنذاك فقط أن أتحمّل كل الصعوبات والعثرات. ولأن تضحياتي الصغيرة لن ترضي الله إلا بالاتحاد مع يسوع. أيتها الأم الكلية العذوبة ثابري في تعليمي الحياة الداخلية، فلن يحطّمني سيف الحزن. أيتها العذراء الطاهرة، أسكبي الشجاعة على قلبي واحفظيه.

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق