94- فوستينا تطلب من يسوع نعمة العماد المقدس لسيدة يهودية منازعة
916- اليوم هو يوم خاص بالنسبة لي. رغم أنني لاقيت العديد من الآلام فإن نفسي تطفح بفرح كبير. يوجد في الغرفة المجاورة إلى غرفتي إمرأة يهودية شديدة المرض. ذهبت لرؤيتها منذ ثلاثة ايام وتألّمتُ في العمق لمّا فكّرت أنها ستموت قريبًا، دون أن تتطهّر نفسها بنعمة العماد. لقد اتفقت مع ممرضتها (الراهبة) أنها قد تعمّدها عندما تقترب ساعتها الأخيرة. كان هناك صعوبة وهي أنه يوجد دائما بعض اليهود، معها. إنّما شعرتُ بإلهام أن أصلّي أمام الصورة التي علّمني يسوع كيف ينبغي أن تُرسم. كان معي ورقة مطبوعة مع صورة الرحمة الإلهية على ظهرها. وقلت للرب: «يا يسوع، أنت قلت لي أنك ستمنح نعمًا وافرة بواسطة هذه الصورة، أسألك إذًا، نعمة العماد المقدس لهذه السيدة اليهودية. فلا فرق من سيعمدها طالما ستقبل العماد».
بعد هذه الكلمات شعرتُ بطمأنينة غريبة وكنت متأكدة أنه رغم الصعوبات سيسكب ماء المعمودية على هذه النفس. وفي الليل بينما كانت صحّتها تتدهور، غادرت فراشي ثلاثة مرات لأراها، منتظرة الوقت المناسب لتعطى هذه النعمة. في اليوم التالي بدأت صحتها تتحسن. وبعد الظهر بدأت ساعتها الأخيرة تقترب. قالت لي الراهبة الممرّضة أنه يصعب أن تتعمّد لأن أقاربها هم حولها.
وبدأت الإمرأة المريضة تفقد وعيها، وبالنتيجة وفي سبيل مساعدتها، انطلق كل واحد من جهة، منهم لأيجاد الطبيب ومنهم لإيجاد الطبيب ومنهم من حاول أن يجد لها مساعدة من غير اتجاه.
وهكذا تركت المريضة وحدها، عمّدتها الراهبة وتزيّنت نفسها بنعمة الله قبل أن يعودا الى قربها. وبدأ نزاعها الأخير ولم يطل كثيرًا وكأنها راحت تنام، ورأيت فجأة نفسها تصعد إلى السماء بجمال عجيب. آه! كم هي جميلة النفس مع النعمة المقدّسة. طفح قلبي فرحًا وقد نلت نعمة كبرى بواسطة الصورة لأجل تلك النفس.
917- آه! كم هي عظيمة رحمة الله فلتمجّده كل نفس. يا يسوع خاصّتي، سترتّل لك هذه النفس ترنيمة الرحمة مدى الأبدية. لن أنسى ما تأثرت به نفسي هذا اليوم. هذه هي النعمة الثانية التي نلتها هنا امام الصورة. آه! كم هو صالح الرب ومليء بالرحمة. يا يسوع! أشكرك من كل قلبي على هذه النِعَم.
5 شباط 1937
918- يا يسوع خاصّتي، رغم كل شيء أريد أن أتّحد بك. يا يسوع، خدني إليك، إذا كان ذاك مستطاعًا، يبدو ان قلبي يتفتت توقًا إليك.
آه! كم أنا أشعر أنني في منفى. متى سأجد نفسي في بيت الآب. أنعم بالسعادة التي تتدفّق من الثالوث الكلي قدسه. ولكن، إذا كانت ارادتك أن أبقى في الحياة وأتألم، أتمنّى إذًا ما كتبته لي. أبقني هنا على الأرض بقدر ما تريد حتى ولو كان ذلك إلى نهاية العالم. يا إرادة سيدي، كوني سعادتي، ونشوة نفسي. رغم أن البشر يملأون الأرض، أشعر أنني وحدي وأن الأرض هي صحراء تخيفني. يا يسوع، يا يسوع، أنت تعلم وتدرك تأجّج قلبي، باستطاعتك أنت وحدك أن تملأه.
919- + لمّا حذّرتُ سيّدة شابّة أنه لا يجب أن تقف ساعات في الممر مع الرجال، لأنه لا يليق بسيدة شابّة مهذّبة أن تتصرّف هكذا، إعتذرتْ ووعدت أنها ستنضبط. وأخدت تبكي لمّا تأكّدت من طيشها. بينما كنت أملي عليها هذه الأمور الصغيرة المتعلّقة بالسلوك الأخلاقي، تجمّع كل الرجال المقيمين في المقرّ واستمعوا الى كلمات النصح. وسمع أيضًا اليهود شيئًا يتعلق بهم. وقال لي شخص فيما بعد، أنهم يلصقون آذانهم على الجدران ليستمعوا بانتباه. وكأنني شعرتُ أيضًا أنهم يستمعون، إنما قلت ما ينبغي أن يقال. إن الجدار هنا هو رقيق جدًا ويمكن سماع حتى الأصوات الخفيفة من خلاله.
920- + توجد إمرأة هنا وهي واحدة من تلميذاتنا سابقًا. إنّها تجرّب صبري، عمدًا. تزورني عدّة مرّات في النهار. وأشعر بالتعب بعد كل زيارة. إنما أرى أن يسوع أرسل إلي هذه النفس. فليمجّد كل شيء الله، أيّها السيد، الصبر يمجّدك. آه! كم هي تعيسة النفوس.
6 شباط 1937
921- قال لي الرب اليوم: «يا ابنتي، أخبرت أن لديك الكثير من البساطة، فلما لا تقولي لي كل شيء يتعلق بك، حتى أصغر التفاصيل؟ أخبريني عن كل شيء واعلمي أن ذلك يسعدني». «أنت تعلم كل شيء يا سيدي».أجابني يسوع: «نعم؛ أعلم كل شيء ولكن لا تجدي عذرًا لك في ذلك، إنّما تحدّثي معي عن كل شيء ببساطة الأولاد، لأن أذني تميل إليك وقلبي أيضًا وأن كلماتك هي عزيزة لديّ».
922- + لمّا بدأت التساعية الكبرى من أجل ثلاثة نوايا رأيت حشرة صغيرة على الأرض وفكّرتُ: كيف أتت إلى هناك في غمر الشتاء. فسمعت هذه الكلمات في نفسي: «أتري، أنني أفكّر بها وأقيتها وما هي بالمقارنة معك؟ ولمّا خفت لبعض الوقت؟». إعتذرت الى الرب آنذاك. يريدني يسوع أن أكون دائمًا طفلة وأن أترك له كل عناية وأن أخضع، مكفوفة النظر، إلى ارادته المقدّسة. فهو يأخد على عاتقه كل شيء.
7 شباط 1937
923- قال لي الرب اليوم: «أطلب إليك اليوم تقدمة كاملة وملتهبة: تقدمة الارادة. فليس من تقدمة تضاهي هذه التقدمة. إنني أوجّه حياتك وأتدبّر الامور حتى تصبحين تقدمة دائمة وتصنعين دائمًا ارادتي. ولاتمام هذه التقدمة ستتحدين معي على الصليب. انا اعلم ما تستطيعين عمله، سأعطيك عدة اوامر مباشرة. ولكن سأؤخر تنفيذها واجعلها مرتبطة بالاخرين. ولكن ما لا تفعله الرئيسات، سأحققه مباشرة في نفسك. وفي عمق أعماق نفسك الخفيّة ستتم ذبيحة كاملة، ليس لبعض الوقت، بل إعلمي يا ابنتي، أن هذه الذبيحة ستدوم حتى ساعة مماتك. إنما ما زال هناك بعض الوقت حتى يحقق الرب كل رغباتك. اسعدُ بك كما بقربانة حيّة فلا تخافي شيئًا، أنا معك».
924- تلقيتُ اليوم رسالة من الأم الرئيسة تمنعني من الذهاب قرب فراش المنازعين. لذا سأرسل الى المنازعين الطاعة بدلًا منّي وهذا ما سيساعد النفوس المنازعة. تلك هي ارادة الله وهي تكفيني. فما لا أستطيع فهمه اليوم سأدركه فيما بعد.
7 شباط 1937
925- صلّيت اليوم بحرارة أكثر من أي يوم مضى من أجل الأب الأقدس [بيوس الحادي عشر] ومن أجل ثلاثة كهنة حتى يلهمهم الله حول ما يطلبه مني، لأن تحقيق هذا الطلب يتعلّق بهم. آه! كم انا سعيدة بتحسّن صحة الأب الأقدس. سمعته اليوم يخطب في المؤتمر القربانيّ، وذهبت إلى هناك بالروح لأقبل البركة الرسولية.
9 شباط 1937
ثلاثاء المرفع
926- في اليومين الأخيرين من المرفع، اختبرت فيضًا مضنكًا من القصاص والخطايا. جعلني الرب أدرك، في لحظة، الخطايا المرتبكة في كل العالم طيلة هذه الايام. غُميَ عليّ من الخوف، رغم أنني أعلم عمق رحمة الله، تعجّبتُ كيف أن الله يسمح للبشرية أن تكون هكذا. وجعلني الرب ادرك ما الذي يثبّت البشرية في الوجود : هي النفوس المختارة. وعندما يكتمل عدد النفوس المختارة سيضمحلّ الكون.
927- في هذين اليومين قبلتُ المناولة المقدسة كفعل تعويض وقلت للرب: «يا يسوع أقدّم كل شيء من أجل الخطأة. فلتسقط عليّ ضربة غضبك وليبتلع بحر رحمتك الخطأة المساكين». واستجاب الرب صلاتي. رجعتْ نفوس عديدة الى الرب. ولكن كنت في نزاع تحت نير عدالة الله. شعرتُ كأنني سبب غضب الله العليّ. عند المساء اشتدت عليّ الآلام بشكل حزن داخلي، إلى حد جعل التأوهات تتصاعد تلقائيًا من صدري. أغلقت باب غرفتي وبدأت العبادة، أي ساعة سجود. فالحزن الداخلي هو اختبار لعدالة الله. تلك كانت صلاتي، أما التأوهات التي تصاعدت مع الألم من نفسي حلّت محلّ حديث عذب مع الرب.
928- ثم رأيت فجأة الرب الذي شدّني إلى قلبه وقال لي: «يا ابنتي، لا تبكي، لأنني لا استطيع تحمّل الدموع، سأهبك كل شيء تطلبينه، ولكن أوقفي البكاء». وامتلأتُ بفرح كبير وغرقتْ روحي فيه – كالمعتاد – وكأنه كنزي الوحيد وقد شجّعني عطفه تحدّثت طويلًا مع يسوع.
929- لمّا استرحت قرب قلبه الكليّ العذوبة قلتُ له: «يا يسوع، لديّ الكثير لأقوله لك». فقال لي الرب بحبّ كبير: «تكلمي يا ابنتي». ورحت أعدّد آلام قلبي، أي كم هو كبير اهتمامي بالبشر كلهم. «لأنهم لا يعرفونك جميعًا والذين لا يعرفونك، لا يحبونك كما تستأهل. وأرى أيضًا كيف أن الخطأة يغيظونك بفظاظة، وكيف أن المؤمنين، لا سيّما خدامك يُقهرون ويضطهدون. كذلك أرى العديد من النفوس تتسارع منحدرة إلى هوة الجحيم المخيفة. أنظر يا يسوع، هذا هو الألم الذي يقضم قلبي وعظامي، ورغم أنك تكنُّ لي حبًّا خاصًا وتغمر قلبي بسيل من أفراحك، فلا يهدىء ذلك الآلام التي ذكرت، بل بالأحرى يخترق قلبي المسكين بقساوة متزايدة. آه! كم أتوق أن يعود البشر بثقة إلى رحمتك، حينئذ يتشجع قلبي لرؤية مجد اسمك».
إستمع يا يسوع الى هذا الفيض من قلبي بجديّة واهتمام وكأنه لم يعرف شيئًا عنها ويبدو أنه شاء أن يجعل حديثي معه أكثر سهولة وقال: «يا ابنتي ان كلمات قلبك هذه ترضيني وانك تجلبين البشر أكثر قربًا مني بتلاوتك السبحة». بعد هذه الكلمات وجدتُ نفسي وحدي ولكن حضور الله كان دائمًا في قلبي.
930- يا يسوع خاصّتي، رغم أنني أذهب إليك وتملأني بذاتك فتكتمل سعادتي بك، فمع ذلك لن أنسى البشرية. أرغب أن أزيح استرة السماء، فيضمحلّ الشك عن الارض برحمتك الإلهية. إن راحتي هي في التبشير برحمتك، وتؤدي النفس أكبر تمجيد لخالقها عندما تتجه بثقة نحو الرحمة الإلهية.