الدفتر الرابع

113- القديسة فوستينا تشعر وتعرف حالة النفوس التي تهين الله وتكفّر عنها

1246- 16 آب 1937. بعد المناولة المقدّسة رأيتُ الرب يسوع في كل عظمته وقال لي: «في الأسابيع التي لم تريني فيها ولم تشعري بحضوري، كنتُ أعمق اتحاداً بك من الأوقات [التي اختبرتِ فيها] الانخطاف. ولقد بلغَتْ إليّ أمانتك في الصلاة وعطرها». بعد هذه الكلمات فاضت نفسي بتعزيات الله. لم أرَ يسوع ولم أجد إلا كلمة واحدة أتلفظ بها في ذلك الحين: «يا يسوع». وبعد أن لفظت هذه الكلمة امتلأت نفسي مجدّداً بالنور والتأمل العميق الذي دام ثلاثة أيام دون انقطاع. بينما كنتُ، ظاهراً، أقوم بواجباتي العاديّة، تأجَّج كل كياني في أعماقه السرّية. لا تخيفني عظمة الله بل تبهجني. وأرتفع بتمجيده وأفرح عندما أرى فرحه هو، لأنّ كل ما هو لديه يعود ويتدفق عليّ .

1247- توصّلتُ إلى معرفة حالة إحدى النفوس وكيف أنها تسيء إلى الله. أعلم ذلك بهذا الشكل: أشعر فجأة بألم في يديّ ورجليّ وجنبي في الأمكنة ذاتها حيث طُعِنَت يدا المسيح ورجلاه وجنبه بالحربة. في الوقت نفسه أستوضح حالة النفس وطبيعة الخطيئة المرتكبة.

1248- أشعر برغبة أن أعوّض إلى الرب بالأسلوب نفسه الذي ارْتُكِبَتْ فيه [الإهانة]. لَبِسْتُ اليوم زنار الحديد مدة سبع ساعات كي أنال لتلك النفس نعمة التوبة. في الساعة السابعة شعرتُ بارتياح وكأنّ النفس اختبرت في داخلها مغفرة خطيئتها، رغم أنّها لم تذهب بعد إلى الاعتراف. من أجل خطيئة الجسد أُميتُ جسدي وأصومُ بقدر ما يُسمح لي. ومن أجل خطيئة الكبرياء أصلّي جاثية ورأسي ملصق بالأرض. من أجل خطيئة الحقد أصلّي وأصنع خيراً مع أحد الأشخاص الذي أستصعبه. وهكذا أعوِّضُ حسب نوع الخطيئة التي أتيقّن منها.

1249 – 19 آب 1937. وقت التأمل اليوم، جعلني الرب أدرك كم يشتهي أن تتميز النفس بأعمال الحبّ. ورأيتُ بالروح كم من النفوس تصرخ لنا: «أعطنا الله». فيغلي في داخلي دم الرسل ولا أبخل بذلك. سأهرقه إلى آخر نقطة من أجل النفوس الخالدة، رغم أنّ الله لا يطلب إلينا ذلك جسديًّا. غير أنّ إراقة الدم بالروح هي ممكنة دون أن تكون أقلّ استحقاقاً.

1250 – تحقّقتُ اليوم أنّه لا يتوجب عليّ أن أطلب إذناً بل أن أتجاوب في هذه القضية كما تريدني أم الله أن أتصرف. لا حاجة في الوقت الحاضر للتعليل، استرجعتُ الطمأنينة. هبط عليّ هذا الإلهام بينما كنت في طريقي إلى فحص ضميري. وكنت مضطربة جدا لأنني لم أعرف كيف أتصرّف حيالها. يستطيع النور الإلهي أن يحقق في لحظة أكثر ما نستطيع تحقيقه في أيام عديدة من التعب.

1251 – 22 آب. زارتني اليوم القديسة بربارة العذراء، وأوصتني أن أقدّم المناولة المقدّسة لمدة تسعة أيام لأجل وطني، كي أُهدّئ غضب الله. كانت هذه العذراء تحمل إكليلا من النجوم وتمسك سيفاً في يدها. وإنّ لمعان الإكليل كان أشبه بلمعان السيف. كانت في غاية الجمال بثوبها الأبيض وشعرها المنساب، حتى لظننتُها، لو لم أكن أعرف العذراء مريم، أنها هي العذراء بالذات. أُدرِكُ الآن أنّ لكل عذراء جمالها الخاص، يشعّ منها ويميّزها عن غيرها.

1252 – + 25 آب 1937. وصل اليوم حضرة الأب سوبوكو وسيمكث معنا لغاية الثلاثين من هذا الشهر. كنتُ في غاية السرور لأنّ الله وحده يعرف كم كنتُ أتشوَّقُ لرؤياه من أجل العمل الذي يحقّقه الله من خلاله. ورغم أن تلك الزيارة حملت معها بعض المظاهر المزعجة.

1253 – + بينما كان يحتفل بالذبيحة الإلهية، رأيتُ عند رفع القربان الرب يسوع مصلوباً، ويحاول أن يحرّر يده اليمنى من الصليب ويلامس النور المشعّ من جرح ذراعه. حدث ذلك في القداسات الثلاثة وأدركتُ أنّ الله سيقوّيه لينجز هذا العمل، رغم الصعوبات والمعارضة. هذا الإنسان الذي يُرضي ربّه، هو مصلوب بآلام متنوعة. ولا أتعجّبُ من ذلك ، لأنّ الله يُعامِلُ بهذا الشكل الذين يخصّهم بحبّه.

1254- + حصلتُ اليوم في التاسع والعشرين من الشهر على إذن للتحدث طويلاً مع حضرة الاب سوبوكو. علمتُ، أنّ العمل يسير قُدُماً، رغم الصعوبات، وأنّ عيد الرحمة قد خطا خطوة كبيرة نحو الأمام. سيصبح حقيقة بعد قليل. غير أننا نحتاج إلى الكثير من الصلوات لإزالة بعض الصعوبات.

1255- «بما يتعلق بك، فإنه يحسن أن تبقَيْ في حياد مقدّس في كل أمر يرتبط بإرادة الله ومن الأفضل أن تحافظي على حالة اتزان. إصنعي جهدك لتثبتي في رباطة جأشك. عليكِ في كل هذه القضية، أن تتعاملي فقط مع الأب إندراز. إنني على اتفاق تام معه. لا تصنعي شيئاً من تلقاء نفسك يا أختي، ولكن خذي نصيحة مرشدك الروحي حول كل قضية. أسألك أن تحافظي على اتزان عقلك وعلى القدر المستطاع من الهدوء. شيء آخر، إنني في صدد طبع السُّبحَة على ظهر الصورة، والابتهالات التي تُشبه الطلبة. وسَتُطبع السُّبحة والابتهالات على ظهر الصورة. وقد طبعتُ أيضا صورة كبيرة ومعها عدّة صفحات تتضمّن تساعية للرحمة الإلهية. صلي يا أختي كي تحظي بالموافقة».

1256- 20 آب غادر هذا الصباح حضرة الأب سوبوكو. لمّا كنت غارقة في صلاة شكر من أجل النعمة التي وهبني إياها الله، عنيتُ رؤية الكاهن، شعرتُ باتّحاد بشكل خاص مع الرب الذي قال لي: «هو كاهن يفتّش عن قلبي، وجهوده تُرضيني. أَ ترَينَ يا ابنتي، إنّ على إرادتي أن تنفّذ وإنني سأحقّق كل ما وعدتُ به. أنشرُ من خلاله الشجاعة على النفوس المتألمة والقلقة. يطيب لي أن أعلن من خلاله عبادة رحمتي. سيُقرّب منّي، من خلال عمل الرحمة هذه، نفوساً أكثر عدداً مما يحقّقه من خلال أي عمل آخر. ولو أمضى عمره يعطي الحلّة ليلاً نهاراً، يكون قد عمل طوال حياته فقط. بينما، بِنَشر عبادة الرحمة، فإنه سيعمل حتى نهاية العالم».

1257- كنتُ قد بدأتُ تساعية على نيّة رؤيتي إياه ولكن قبل أن أنتهي منها، وهبني الله تلك النعمة.

1258- يا يسوع خاصّتي، كم أسأتُ الإفادة من هذه النعمة، غير أنّ الأمر لم يتعلّق بي. إنما من وجهة نظر أخرى، قد صنعتُ حسنا.

1259- + خلال المحادثة، قد تعرّفتُ إلى نفسه القلقة التي تشبه المخلّص بصلبها. حيث يأملُ، بمنطق سليم، أن يجد  التعزية، يلقي الصليب. يعيش بين العديد من الأصدقاء إنما له صديق واحد هو يسوع. هكذا يعذّب الله من يخصّه بحبّه.

1260- سمعتُ اليوم هذه الكلمات: «كوني دائماً كطفلة صغيرة نحو الذين يمثلونني، وإلا لا تستفيدين من النعم التي أمنحهم إياها».

1261- أول أيلول 1937. رأيتُ الرب يسوع كملك في كل مجده ينظر إلى الأرض بقساوة جمّة. ولكن بفضل شفاعة أمّه، أطال مدة رحمته.

1262- 3 أيلول. أوّل جمعة من الشهر. كنتُ متّحدة بالله طوال الذبيحة المقدّسة. لقد علّمني يسوع أنه لا يحدث شيء على الارض، حتى أصغر الأمور، دون إرادته. وبعد أن أدركتُ ذلك، دخلَتْ نفسي في راحة فريدة. وجدتُ نفسي بطمأنينة تامة بالنسبة إلى كل معطيات العمل. يستطيع أن يتصرف معي الرب كما يشاء و سأباركه من أجل كل شيء.

1263- كنتُ أتساءل، لغاية الآن، بخوف، إلى أين ستقودني هذه الإلهامات. وازداد خوفي لمّا أفادني الرب أنه ينبغي أن أغادر هذه الجمعية. لقد مضى ثلاث سنوات منذ ذلك الوقت، لقد شعرتُ تارة بالحماس والاندفاع للعمل مما زادني شجاعة وقوّة، وتوراً بابتعاد الله عني. لمّا كان يقترب الوقت المقرر للبدء به سيطر عليّ خوف فوق العادة، أدركت أن الساعة التي قرّرها الرب لمباشرة العمل لم تأتِ بعد. تلك هي آلام لا أُحْسِنُ حتى الكتابة عنها. الله وحده يعلم كم تحمّلتُ ليلاً نهاراً. ويبدو لي أنه قد يسهل عليّ تحمل عذابات الشهداء الأشد سوءاً، أكثر مما أتحمّله الآن، رغم أنني لم أسْفَحْ نقطة دم. كل ذلك من أجل النفوس، من أجل النفوس يا رب…

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق