الدفتر الرابع

114- أنا الحبّ والرحمة بالذات.

1264- فعل استسلام لإرادة الله التي هي لي المحبة والرحمة بالذات.

فعل تضحية

يا يسوع القربان الذي قبلتُه في هذه اللحظة في قلبي، إنني أقدّم ذاتي للآب السماوي، من خلال الاتحاد بك، كبرشانة ذبيحة، مستسلمة كليا ودون نقصان إلى إرادة الله الكلّية الرحمة والقداسة. من الآن فصاعداً ستكون إرادتك يا رب غذائي. خذ كل كياني وتصرّف به كما تشاء. أتقبّل بطاعة وسلام وفرح كل ما تعطيني إياه يدُك الأبوية. لا أخاف شيئا. أية كانت الجهة التي تقودني فيها. سأنفّذ، بمساعدة نعمتك، كل ما تأمرني به، لن أخاف بعد الآن أيّا من الإلهامات المتأتية منك ولن أستقصي بقلق لأرى إلى أين ستقودني. قُدني يا الله، في أي طريق تروق لك. لقد وضعتُ كل ثقتي في إرادتك التي هي لي الحب والرحمة بالذات.

مُرني أن أبقى في هذا الدير فسأبقى، مُرني أن أباشر العمل، فسأباشره. أتركني في حيرة بالنسبة إلى هذا العمل، حتى أموت، لتكن مباركاً. أرسل لي الموت عندما تبدو حياتي، من وجهة نظر بشرية، ضرورية للغاية، لتكن مباركاً. أتريدُ أن تأخذني إليك، وأنا في صباي، لتكن مباركاً، أتريدني أن أعيش طويلا، لتكن مباركا، أتريد أن تعطيني القوّة والصحة، لتكن مباركاً. أتريدني أن ألازم فراش الألم طوال حياتي، أتريد أن يُحكَم زوراً على نواياي الأكثر نقاوة، فلتكن مُباركاً، أتريد أن تنير عقلي، لتكن مباركاً، أتريد أن تتركني في الظلمة وفي كل أنواع العذابات، لتكن مباركاً. من الآن فصاعداً سأعيش في الطمأنينة الأكثر عمقاً لأن الرب بذاته يحملني في تجويفة كفّه. هو الرب ذو الرحمة غير المدركة يعرف أنني لا أرغب سواه في كل شيء وفي كل مكان وزمان.

1256 – صلاة. يا يسوع الممدّد على الصليب، أتوسّل إليك، أعطني أن أتمّم بأمانة إرادة أبيك الكلية القداسة، في كل شيء وفي كل مكان وزمان. وعندما تبدو لي إرادة الله تلك قاسية جدًّا وصعبة التحقيق، أتوسل إليك يا يسوع أن تتدفّق عليّ، من جروحاتك، المَقدِرَة والقوّة. ولتردّد دائماً شفتاي: «لتكن مشيئتك يا رب». يا مخلّص العالم، يا محبّ خلاص البشر، يا من في مثل هذا العذاب المخيف تنسى ذاتك لتفّكر فقط في خلاص النفوس، يا يسوع الكلّي الرأفة، أعطني نعمة نسيان ذاتي لأعيش كلّيا من أجل النفوس، فأساعدك في عمل الخلاص، حسب إرادة أبيك الكلية القداسة.

1266 – (25) 5 آب 1937. لقد أعلمني الرب كم تدافع عنّي الأم الرئيسة ]إيرين[ ضدّ… ليس فقط من بالصلاة بل بالأعمال. شكراً لك يا يسوع على هذه النعمة، لن أسير دون مشاطرة الحب في قلبي. لمّا أكون مع يسوع فلن أنساها.

1267- 6 أيلول 1937. بدأتُ اليوم مهمة جديدة. أنتقلُ من الجنينة إلى صحراء المدخل. ذهبتُ للتحدث قليلاً مع الرب. طلبتُ إليه البركة والنعم كي أنفّذ بأمانة المهمّات الموكلة لي. سمعتُ هذه الكلمات: «أنا دائما معكِ، يا ابنتي، أعطيكِ الفرصة لتمارسي أعمال الرحمة التي ستنفّذينها بطاعة، ستفرحينني كثيراً إذا ما خصّصتني كل مساء بحديث حول هذه المهمة». شعرتُ أنّ يسوع قد أعطاني نعماً جديدة بالنسبة إلى واجباتي الجديدة. غير أنّني، رغم ذلك، قد أغلقتُ على نفسي في عُمق قلبه.

1268- شعرتُ اليوم بمرض أكثر شدّة. غير أن يسوع قد أعطاني المزيد من الفرص لأمارس الفضيلة. لقد حدث أنني كنتُ منهمكة أكثر من العادة وقد أوضَحَتْ لي الراهبة المكلّفة بالمطبخ كم هي غاضبة من تأخري عن الغذاء، رغم أنه استحال عليّ الوصول في الوقت المحدد. على كل حال لقد شعرتُ بالراحة في فراشي. ذهبتُ لأطلب إلى الأخت ]فلانة[ أن تحلّ محلّي ومرة ثانية وُبِّخْتُ: «ما هذا يا أختي، أأنت منهارة القوى حتى تذهبين مجدداً إلى النوم. دبّري أمرك مع كل هذا وأنتِ مستلقاة على السرير». تحمّلتُ كل ذلك ولم يكن ذلك في نهاية الأمر. بقي عليّ أن أطلب إلى الراهبة المسؤولة عن المرضى أن تجلب لي طعامي. ولمّا قلتُ ذلك، أنبرت من الكنيسة إلى الممرّ لتلقّني شيئا من فكرها: «ولماذا، بالله، عليكِ أن تذهبي إلى النوم، يا أختي … إلخ…». وطلبتُ إليها حينئذ أن لا تزعج نفسها وتحمل لي أي شيء.

دوّنتُ كل ذلك باختصار لأنني لا أقصد الكتابة عن مثل هذه القضايا. أتصرّف بوداعة لأقنع الناس بعدم معاملة الآخرين بهذا الشكل الذي لا يرضي الله. علينا أن نرى في الإنسان المتألم يسوع المصلوب، لا الخامل أو العبء على الجمعية. إنّ من يتألم بخضوع لإرادة الله يجلب نعماً أوفر ممّا يجلبه عمل كل الراهبات في الدير. بالحقيقة، مسكين هو الدير حيث لا يوجد مرضى. إنّ الله يمنح العديد من النِّعم بفضل النفوس المتألمة، وبفضلها وحدها يوقف الكثير من العقاب.

1269 – علينا أن ننظر إلى النفوس بدوافع فكرية أكثر سموًّا. متى تصحُّ أحكامنا؟ تُعطى لنا الفُرص لنمارس أعمال الرحمة إنما نستعمل هذه الفرص، بالعكس، لنطلق الأحكام. كي ندرك إذا كانت محبة الله تنتعش في دير ما، علينا أن نسأل كيف يُعامَل فيه المرضى والمقعدون والمعاقون.

1270 –  10 أيلول [1937]. تعلّمتُ في سياق التأمل أنّ الاتحاد الروحي بالله يزداد بازدياد نقاوة النفس التي لا تعير انتباهاً للحواس واعتراضاتها. فالله هو روح لذا نحبّه بالروح والحق.

1271 – لمّا سمعتُ عن الخطر المُحدق بالمدخل في هذه الأيام بسبب الاضطرابات الثورية، وعن عدد الناس الأشرار الذين يكرهون الدير، ذهبتُ إلى هناك وتحدّثتُ مع الرب وسألته أن يتدبّر الأمر بشكل لا يجرأ أحد من الأشرار أن يقترب من بوابة المدخل. سمعتُ حينئذ هذه الكلمات: «يا ابنتي، منذ أن ذهبتِ إلى بوابة المدخل، وضعتُ ملاكاً ساروفياً ليحرسها فاطمئني». وبعد عودتي من الحديث مع الله رأيتُ غيمة صغيرة بيضاء وفيها ملاك مضموم اليدين. كان نظره يلمع كالبرق وفهمتُ كيف أنّ نار حبّ الله تتأجج في نظره.

1272- 14 أيلول [1937]. عيد ارتفاع الصليب. رأيتُ اليوم المعارضة الصعبة التي يعانيها هذا الكاهن [الأب سوبوكو]، بما يتعلّق بهذه القضية. حتى النفوس التقيّة الغيورة على مجد الله تعارضه. فإذا كان لم ييأس، فذلك فضل نعمة خاصة من لدن الله.

1273- يسوع: «يا ابنتي، أتظنين أنك كتبتِ المقدار الكافي عن رحمتي؟ إنّ ما كتبتيه ليس إلا نقطة ماء بالمقارنة مع المحيط. أنا الحبّ والرحمة بالذات. لا تُقارن أية تعاسة من رحمتي. ولا التعاسة تنضبها، لأن رحمتي تزداد بقدر ما أهبها. فالنفس التي تثق برحمتي تسعد، لأنني أنا بذاتي أهتم بها».

1274 – أشعرُ بآلام مضنكة عندما أرى الله مهاناً. تأكدتُ اليوم أن بعض الخطايا المميتة ترتكب قريباً من بابنا. حدث ذلك عند المساء. صلّيتُ بحرارة في الكنيسة ثم ذهبتُ لأجلد ذاتي. لمّا ركعتُ للصلاة أتاح لي الله معرفة آلام النفس التي يرفضها. بدا لي وكأن قلبي يتمزّق إرباً. وفي الوقت نفسه، أدركتُ كم تجرح مثل هذه النفس قلب يسوع الكلي الرحمة. ترفض الخليقة المسكينة رحمة الله الذي يزداد عدله نحو نفس ما بقدر ما يُغدق عليها رحمته.

1275- «يا أمينة سرّي، أكتبي أنني أكثر كرماً نحو الخطأة من الصدّيقين. نزلتُ من السماء لأجلهم ومن أجلهم أرقتُ دمي. فلا تدعيهم يخافون من الاقتراب منّي فهم بحاجة ماسّة إلى رحمتي».

1276 – 16 أيلول 1937. تمنّيت كثيرا أن أقوم اليوم بساعة سجود أمام القربان المقدس ولكن إرادة الله كانت غير ما أتمنى. في الساعة الثامنة حلّت بي أوجاع قاسية جعلتني أذهب إلى فراشي حالا. لقد أرهقني الألم لمدة ثلاثة ساعات أي إلى غاية الساعة الحادية عشر ليلا. فلم يُفِدْني أي دواء وكنتُ أتقيأ كل شيء أبتلعه. ولقد أفقدني الألم أحياناً وعيي. جعلني يسوع أدرك أنني، في هذا الوضع، أشارك في نزاعه في البستان. وقد سمح هو بتلك الآلام لأقدّمها كفّارة لله عن نفوس الأجنّة المُجهضة في أحشاء الأمهات الشرّيرات.

لقد تحمّلتُ مثل هذه الأوجاع ثلاثة مرات لغاية اليوم. كانت تبدأ دائماً الساعة الثامنة مساءً وتدوم حتى الساعة الحادية عشرة. فلا دواء يستطيع تخفيف هذه الآلام. وعند حلول الساعة الحادية عشرة، تزول لوحدها فاستسلم للرقاد. في اليوم التالي أشعر أنني في غاية الضعف.

لقد حدث ذلك لأول مرّة لمّا كنتُ في المصحّ. ولم يستطع الأطباء تشخيصه ولم يُفِدْني أبداً أي دواء أو حَقْن ولم أستطع أن أفهم أسباب هذه الآلام. وقلتُ للطبيب إنني ما اختبرتُ أبداً في حياتي الماضية مثل هذه الآلام. فأعلن هو أيضاً أنّه لا يعلم من أي نوع هي. أمّا اليوم فإنني أفهم طبيعتها، لأن الله علّمني إياها. غير أنني أرتجف عندما أفكّر أنني ربما قد أختبر مثلها في المستقبل. ولكن لا أعلم إذا كنتُ سأتألّم مرّة أخرى بهذا الشكل. أترك الأمر لله. سأقبل بطاعة وحبّ كل ما يرسله لي. حبذا لو كنتُ أستطيع أن أخلّص نفساً واحدة من الإجهاض بواسطة هذه الآلام.

1277- في اليوم التالي لهذه الآلام أستطيع أن أتحسّس حال النفوس واستعداداتها نحو الله. تغمرني معرفة حقيقية.

1278- قبلتُ المناولة المقدسة على غرار الملائكة، إذا صحّ التعبير. امتلأتْ نفسي بنور الرب وتغذّتْ منه. أشعرُ وكأنني مائتة. هذا اتحادٌ محضُ روحيٍّ مع الله، هو سيطرة تامة للروح على الطبيعة .

1279- لقد جعلني الرب أدركُ كل النعم التي كان يُغدقها عليّ دون انقطاع. لقد اخترقني هذا النور وفهمتُ كل المواهب غير المدركة التي مُنَّ بها عليّ. بقيتُ في حجرتي وقتاً طويلاً في فعل شكر، معفِّرَةً الأرض بوجهي، ساكبةً دموع عرفان الجميل. لم أستطع أن أقف عن الأرض لأنني كلما كنتُ أحاول ذلك، كان الله يعطيني نوراً جديداً حول نعمته. استطعتُ الوقوف في المحاولة الثالثة فقط، وكطفلة شعرتُ أنّ كلّ ما يملكه الله هو لي أيضا بالتساوي رفعني هو من الأرض إلى قلبه. شعرتُ أن كل ما يوجد يخصني وحدي دون سواي. ولكن لا رغبة لي في شيء لأن الله وحده يكفيني.

1280-  علمتُ اليوم بأي اشمئزاز يأتي يسوع في المناولة المقدّسة إلى إحدى النفوس. يأتي إلى قلبها وكأنه آتٍ إلى سجن مظلم ليتحمّل العذاب والألم. لم أنقطع عن طلب السّماح وتقدمة التكفير عن الإهانة التي لحقت به.

1281- أعلمني الرب أنني سأرى أخي [ستنلي] ولكن لم أفهم كيف سيحدث ذلك وكيف سيأتي لزيارتي. علمتُ أن الله وهبه نعمة الدعوة الرهبانية. ولكن لماذا عليه أن يأتي ليزورني؟ غير أنني وضعتُ جانبا هذه الأفكار واقتنعتُ أنه سيأتي طالما أعلمني الله بذلك، وهذا يكفيني. ركزتُ أفكاري على الله واضعة جانبا كل انهماك بالخلائق وموكلة كل شيء للرب.

1282- +عندما يأتي الفقراء ذاتهم مرة ثانية إلى المدخل، أعاملهم بلطف فائق ولا أدعهم يشعرون أنني أعرفهم وأنهم أتوا سابقاً كي لا أحرجهم. ويتحدّثون إليّ بحريّة عن صعوباتهم وحاجاتهم.

رغم أن الأخت [فلانة] تقول لي أن ليس هذا هو الأسلوب الذي ينبغي أن نعامل به المتسوّلين، بل عليّ أن أصفق الباب بوجههم عندما تكون هي غائبة. أعاملهم كما قد يعاملهم معلّمي. أحيانا يكون عطاؤنا أكثر وفرة ولو لم نعطِ شيئاً، مّما لو أعطينا الكثير بطريقة فظّة.

1283- غالباً ما يعطيني الله حَدساً عن الأشخاص الذين ألتقيهِم على المدخل. أرادت إحدى المتسوّلات أن تخبرني شيئاً عن حياتها. استفدتُ من هذه الفرصة وأفهمتُها بأسلوب لطيف حالة نفسها التعيسة، فغادرت باستعدادات أفضل.

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق