الدفتر الخامس

132- القديسة فوستينا تحظى برؤية أُمّ الله

1576- «إعلمي، يا ابنتي، أنه بيني وبينك هوّة لا تُقاس، هوّة تفصل الخالق عن الخليقة. إنما رحمتي تملأ هذه الهوّة. أرفعك إليّ، لا لأنني بحاجة إليك، بل فقط بدافع الرحمة أهبك نعمة الإتحاد بي».

1577- «قولي للبشر أن لا يضعوا في قلبهم عراقيل في وجه رحمتي التي تريد أن تعمل في داخلهم. إن رحمتي تعمل في كل تلك القلوب التي تفتح أبوابها لها الخاطىء والصالح كلاهما بحاجة إلى رحمتي. الارتداد والمثابرة هما على السواء نعمة من رحمتي».

1578- «دعي النفوس التي تسعى للكمال أن تخصّ رحمتي بالعبادة، لأن فيض المراحم التي أغدقها عليها يتدفّق من رحمتي. أرغب أن تتميّز تلك النفوس بثقة لا حدّ لها في رحمتي. سأعتني أنا بذاتي بتقديس مثل هذه النفوس. سأوفّر لها كل ما تحتاج إليه لتبلغ إلى القداسة. تُستَقَى نِعم رحمتي بوعاء وحيد ألا وهو الثقة. بقدر ما تثق النفس تنال. إن النفوس التي لا حدود لثقتها بي هي بمثابة تعزية كبيرة، وأفيض عليها كل كنوز نعمي. أبتهج بطلبها كثيرًا لأنني أرغب أن أعطي كثيرًا وكثيرًا جدًا. ومن جهة ثانية أحزن عندما تطلب النفوس قليلًا، عندما تُضيّق قلبها».

1579- + «يبلغ ألمي أقصاه عندما أصادف الخبث. أفهمك الآن، يا مخلّصي، لمّا وبّخت الفرّيسيين بقساوة لخبثهم. إنك أكثر لطفًا بمعاملتك الخطأة المتحجّرين عندما يقتربون منك تائبين».

1580- يا يسوع أعلم الآن أن كل مراحل حياتي سائرة ورائك: الطفولة، الفتوّة الدعوة، العمل الرسولي، طابور، الجسمانية، وها أنا معك الآن في الجلجلة. سمحتُ بملء إرادتي أن أُصلَب وأنني بالواقع مصلوبة. رغم أنني أستطيع أن أمشي قليلًا فإنني ممدّدة على الصليب، وأشعر بوضوح أنّ قوة من صليبك تتدفّق فيّ وأنني لمثابرة، بفضلك أنت وحدك. رغم أنني أسمع صوت التجربة يناديني: «إنزلي عن الصليب»، فقوّة الله تشجّعني. ورغم أن الوحدة والظلمة وكل أنواع الألم تثقل على قلبي فقوّة الله السريّة تدعمني وتشجّعني، أريد أن أشرب الكأس إلى آخر نقطة، أن أثق بشدّة.  إن نعمتك التي ساندتني في بستان الزيتون هي تساندني أيضًا وقد بلغت الآن إلى الجلجلة.

1581- يا يسوع خاصّتي، يا معلّمي أريد أن أضمّ رغباتي إلى رغباتك وأنت على الصليب. أرغب في أن أتمّم إرادتك المقدّسة. أرغب في إرتداد النفوس. أرغب في أن تُعبَد رحمتك. أرغب في أن يُستَعجل إنتصار الكنيسة. أرغب إقامة عيد الرحمة في كل العالم. أريد القداسة للكهنة، أريد أن تصبح إحدى راهبات جمعيّتنا قدّيسة، أرغب في أن تتحلّى جمعيتنا بروح الغيرة لمجدك ولخلاص النفوس. أرغب في أن لا تهين الله النفوس المقيمة في بيتنا. بل أن تثابر في عمل الخير. أريد أن تنزل بركة الله على أهلي وكل عائلتي. أرغب في أن يخصّ الله بنوره الإلهي مرشديّ الروحيّين لاسيّما الأب أندراز والأب سوبوتشيكو. أرغب في أن تحلَ بركات خاصة على رئيساتي اللواتي أعيش تحت إدارتهن وبالأخص الأم الرئيسة العامَة مايكل والأم إيرين ومديرة المبتدئات والأم ماريجوزف.

1582- يا يسوع خاصّتي، إنني أضمَ الآن العالم كلّه وأسألك الرحمة له. عندما تقول لي يا الله،كفى، وإن إرادتك قد حُقَقَت، حينئذ يا مخلّصي، متَحدة بك، أعهد بنفسي إلى يديَ الأب السماوي مليئة ثقة برحمتك غير المدركة. وعندما أقف على أقدام عرشك فإن أوّل نشيد أرنّمه يكون نشيدًا لرحمتك. أيتها الأرض لن أنساك. رغم أنني أشعر أنني سأستغرق فورًا بالله كما في بحر سعادة، فلن يكون ذلك عائقًا لعودتي إلى الأرض كي أشجّع النفوس وأحثّها على الثقة برحمة الله. لا شكّ أن إستغراقي بالله سيوفر لي إمكانية التحرّك دون قيد.

1583- بينما كنتُ أكتب هذه الأسطر سمعت صرير أسنان الشيطان. لا يستطيع أن يطيق رحمة الله. راح يقرقع على باب غرفتي. غير أنني أشعر بشدة بقوّة الله في داخلي فلم أضطربْ من غضب عدوّ خلاصنا. وتابعت الكتابة بهدوء.

1584- يا جودة الله غير المدركة التي تحمينا في كل خطوة، فلتتمجّد رحمتك دون إنقطاع. أن تصبح أخًا للبشر لا للملائكة، تلك هي آية سرّ رحمتك الذي لا يُسبر. إن كل ثقتنا هي فيك، يا أخانا بكر الخلائق، يسوع المسيح، إله حقّ وإنسان حقّ. يدغدغ الفرح قلبي لرؤية جودة الله نحونا نحن البشر الحقيرين، وناكري الجميل. برهانًا لحبّه لنا، أعطانا ذاته، هبة لا تدرك، في شخص إبنه. لن نستطيع طوال الأبدية أن نستنفد سرّ الحبّ هذا.

أيّتها البشرية، لما لا تعطي الأهمية لوجود الله بيننا؟ يا حمل الله، لا أدري ماذا أقدر فيك أولًا، لطفك، حياتك الخفية، إفراغ ذاتك من أجل الإنسان أم الآية المتواصلة لرحمتك التي تحوّل النفوس  وترفعها إلى الحياة الأبدية؟ رغم أنك تختبئ بهذا الشكل فإن قدرتك ظاهرة هنا أكثر ممّا هي ظاهرة في خلق الإنسان. ورغم أن قدرة رحمتك هي ناشطة لتبرير الخاطىء فإن عملك هو خفيّ ولطيف.

1585- رؤية أمّ الله

في وسط بهاء ساطع رأيت أمّ الله مرتدية قميصًا إبيض محاطًا بزنار ذهبي، ومرصّعًا كله بنجوم صغيرة ذهبية وإكمامًا مرقطة ومزيّنة أيضًا بخطوط ذهبيّة. كان مشلحها أزرق سماويّ اللون معلّقًا على كتفيها. وكان وشاح شفّاف يغطي رأسها بأناقة، بينما كان إكليل ذهبي مطرّزة أطرافه بصلبان صغيرة يلامس إنسياب شعرها ويزيده جمالًا. كانت تحمل الطفل يسوع على ذراعها الأيسر. لم أرَ أبدًا مثل هذه الأمّ المباركة.

نظرت إليّ بلطف وقالت لي: «أنا الأم شفيعة الكهنة». أنزلتْ يسوع عن ساعدها إلى الأرض ورفعتْ يدها اليمنى نحو السماء قائلة: يا رب، بارك بولونيا، بارك الكهنة. وتوجّهت إليّ مرة ثانية قائلة: «أخبري الكهنة عمّا رأيتِه». قرّرتُ أن أخبر الأب أندراز في أول مناسبة أراه فيها. ولكن لم أفهم شيئًا من هذه الرؤية.

1586- يا يسوع خاصّتي، أنت ترى كم أنا مدينة للأب سوبو تشيكو الذي يسرع عملك. كان على هذه النفس المتواضعة أن تتحمّل كل العواصف. فلم يسمح لنفسه أن ييأس من الخصومات ولكن تجاوب بأمانة مع نداء الله.

1587- +عُيِّنتْ إحدى الراهبات مسؤولة عن العناية بالمرضى غير أنها كانت مهملة إلى حدّ يدفع إلى ضرورة تحمّل الإماتات. قررتُ يومًا أن أخبر الأم الرئيسة عن أمرها ولكن سمعت حينئذ صوتًا في داخلي: «تحمّلي بصبر، وسيُخبر شخص آخر الأم الرئيسة». وبقيتْ مهملة في خدمتها طوال الشهر بكامله. لمّا تمكّنتُ أخيرًا من النزول إلى المائدة وإلى النزهة، سمعتُ هذه الكلمات في داخلي: «الآن ستُخبر بعض الراهبات عن إهمال هذه الراهبة في خدمتها، ولكن عليك أن تحافظي على الصمت ولا تتحدّثي عن الموضوع». وهنا انطلقتْ موجة إنتقادات ضدّ الراهبة. فلم تجدْ ما تقوله لتدافع عن ذاتها. فصرخت جوقة من الراهبات بصوت واحد: «أيتها الراهبة، الإجدر بك أن تحسّني خدمتك للمرضى». وجدتُ أن الله لا يريدنا أن نقول شيئًا عن ذاتنا. فله أساليبه وهو يعلم متى يحين وقت الكلام.

1588- سمعت اليوم هذه الكلمات: «في العهد القديم أرسلتُ أنبياء يحسنون إستعمال التهديد لشعبي. أما اليوم فإنني أرسلك مع رحمتي إلى كل شعوب العالم. لا أريد أن أعاقب بشرية متألمة بل أريد أن أشفيها ضامًّا إياها إلى قلبي الرحوم. ولا أستعمل القصاص إلا ساعة يجبرونني عليه. تتقاعس يدي في حمل سيف العدالة. أستبق يوم الحكم بيوم الرحمة». أجبتُ: «يا يسوع تحدّث أنت مباشرة إلى النفوس، لأن لا معنى لكلامي».

1589- لا أعلم يا ربّ في أية ساعة ستأتي لذا أتيقّظ دائمًا وأسمع كعروسة مختارة لك،
تعرف أنك تحبّ أن تأتي على غفلة منا.
إنما القلب الطاهر يتحسّس من بعيد مجيئك يا الله.أنتظرك يا رب بالهدوء والصمت
وبتوق شديد في قلبي،
وبرغبة لا تُقهَر.
أشعر أن حبّي لك يتحوّل إلى نار.
ستصعد إلى السماء كشعلة نهاية الحياة.
حينئذ تتحقّق كل رغباتي.تعالى إذًا يا سيدي العذب،
وخذ قلبي العطشان
إلى مقرّك في المناطق العليا في السماء،
حيث الحياة الأبدية لا تزول.ليست الحياة على هذه الأرض إلّا نزاعًا
إن قلبي، حسبما يشعر، هو مخلوق للأعالي
وبينما الأراضي المنخفضة للحياة لا تهمّنا،
فإن منزلنا الأبوي هو في السماء- هذا ما أؤمن به بثبات

(نهاية الدفتر الخامس)

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق