135- (1631-1647) فوستينا تعاني نوبات ألم رهيبة من أجل نفوس الخطأة
فلا شيء يستطيع أن يملأ لجة قلبي،
حتى ولو تجمعت كل الأشياء الحسنة من كل أنحاء العالم،
فلن تستطيع-ولو لوقت قصير- أن تملأ مكانك عندي يا رب.
فلم أجد أي حبّ شبيه بحبّ قلبي،
غير أنني نظرتُ إلى عالم الأبدية، طالما هذا العالم هو صغير في عينيّ
فاشتهى قلبي حبّ الأوحد الذي لا يموت.
فوجدت نفسي في منفى، في أرض غريبة.
أرى أن المقرّ السماوي هو منزلي.
هناك فقط سأشعر أنني في أرض أبي.
لقد جذبتَ أنت نفسي إليك يا رب.أيها الكلمة الأزلي، أنت تنازلت من أجلي،
ووهبت نفسي معرفةٌ أكثر عمقًا بك،
هذا هو سرّ الحبّ الذي خلقتني له.
لقد قوّاني وشجّعني الحبّ الصافي.
لا أخاف لا الساروفيم ولا الكاروبيم،
مستلّين السيف في يدهم،
أمرُّ بطمأنينة حيث يرتجف الآخرون،
لأن لا شيء يخيفنا حيث يقودنا الحب.
وفجأة إرتاحت عين نفسي إليك،
أيها الرب يسوع الممدّد فوق الصليب.
هذا هو الحبّ الذي أرتاح إليه في القبر
هو هو عروسي ربي وإلهي غير المدرَك.
(تركت هنا مساحة بيضاء في اليوميّات)
1633- 10 آذار 1938. آلام جسدية دون إنقطاع. أنا على الصليب مع يسوع. قالت لي مرّة الأم الرئيسة [إيرين]: «ينقصك حبّ القريب، يا أختي، لأنك مهما أكلتِ فإنك تتألمين، ثم تزعجين الآخرين في أوقات راحتهم في الليل». غير أنني على يقين أن الأكل لا يتسبّب لي بهذه الآلام في أحشائي. وقد أفاد الطبيب [ربما الطبيب سيلسبرغ] الشيء نفسه. تتأتّى هذه الآلام من الجسم ككلّ وربما هي إستفقاد الرب لي. على كل حال بعد هذه الملاحظة قرّرت أن أتألم بالصمت ولا أطلب أية مساعدة، لأن لا فائدة منها طالما أتقيأ الدواء الذي يُعطى لي.
مرات عديدة كنتُ أتألم من نوبات متتالية يعرفها يسوع وحده. كان الألم قاسيًا وعنيفًا إلى حدّ كنتُ أفقد وعيي. لمّا يُغمى عليّ وأتبلّل بعرق بارد تبدأ الآلام بالتوقف تدريجيًا. كانت تدوم أحيانًا ثلاث ساعات أو أكثر. فلتكن مشيئتك يا يسوع. أقبل كل شيء من يدك أفراح الحب ونشوته إلى حدّ أنني أسهو عمّا يجول حولي. إنه لحقّ أن أقبل هذه الآلام التي تدفع بي إلى الإغماء.
1634- لمّا أتى الطّبيب لم أستطع، لسبب بعض الصّعوبات، النّزول إلى صالة الاستقبال لأراه، مثل باقي الرّاهبات، وطلبتُ أن يصعد إلى غرفتي. دخل إلى غرفتي بعد قليل وفحصني وقال: «سأخبر الممرّضة عن وضعك». بعد مغادرة الطّبيب وصلتْ الأخت الممرّضة وسألتها عن سبب ضعفي وعدم استطاعتي من النّزول إلى صالة الاستقبال، فأبدت كلّ استياء من تصرّفي. حينئذٍ سألتها: «أختي، ماذا أفاد الطّبيب حول آلامي هذه؟» أجابت: «لم يقُل شيئًا». وأضافت: «إن تصرّف هذه المريضة هو مجرّد حَرَدٍ». وغادرت فورًا.
حينئذٍ قلتُ إلى الرّب: «يا يسوع أعطني القوّة والمقدرة لأتألّم واعطني قلبًا طاهرًا لأحبّ هذه الرّاهبة».وبعد ذلك لم تعتنِ بي طوال أسبوع. غير أن الألم عاودني بعنفٍ شديدٍ ولازمني طوال الليل تقريبًا. وكان يبدو لي، من حين إلى آخر، أن هذه النهاية. قرّرتْ الرّئيسات أن يستشرنَ طبيبًا آخر، أكّد لي أنّ حالتي صعبة، وممّا قاله: «يستحيل أن نعيد لكِ الصّحّة الكاملة، نستطيع مداواة هذا الوضع جزئيًا، ولكن لا مجال للشفاء التّام”. وصف لي دواءً ضدّ الألم وبعد أن أخذته توقفت نوبات الألم القاسية. «ولكن إذا أتيت إلى هنا، يا أختي، فسنحاول ترقيع صحّتك نوعًا ما، إذا بدا الأمر ممكنًا». رغب الطّبيب أن يخضعني إلى علاج هناك. يا يسوع كم هي غريبة أحكامك.
1635- أمرني يسوع أن أدوّن كلّ هذا تعزية للنفوس المعرّضة لمثل هذه الآلام.
1636- رغم أنني كنتُ أشعر أنني ضعيفة للغاية ذهبت لأرى الطّبيب [سيسلبرغ] نزولًا عند إرادة الأم الرّئيسة. لم تكن الرّاهبة التي رافقتني راضية عن هذا الأمر. وأفهمتني ذلك عدّة مرّات ثمّ قالت لي أخيرًا: «ما الفائدة من زيارتنا؟ ليس لديّ المال الكافي لأدفع أجرة سيارة النّقل». لم أجبها بشيء. «وما العمل إذا لم نجد سيارة؟ فالطريق طويلة». قالت هذه الاشياء وغيرَها الكثير، لتقلقني فقط، لأن رئيساتنا الحبيبات أعطتنا المال الكافي ولم ينقصنا شيء. ابتسمتُ، وقد أدركتُ في داخلي كلّ هذا الموضوع، وقلت للراهبة: إنني لست قلقة أبدًا “فلنثق بالله”. غير أنني شعرتُ أن طمأنينتي العميقة أثارت عصبيّتها فرحتُ أصلّي على نيّتها.
1637- يا سيّدي. كلّ ذلك هو لأنال الرّحمة للخطأة المساكين. لمّا رجعتُ كنت في غاية التّعب، فاضطررت أن أنام فورًا. إنّما كان يوم الاعتراف الفصلي. حاولتُ أن أذهب إلى الاعتراف، ليس فقط لأنني كنتُ بحاجة إليه، ولكن أيضًا لأطلب نصيحة مرشدي الرّوحي [الأب اندراز].
بدأت أتحضّر. غير أنني شعرتُ بضعفٍ متزايد فقررتُ أن أذهب إلى الأم الرئيسة [إيرين] وأطلب إليها أن تسمح لي بالاعتراف قبل المبتدئات. أجابت الأم الرئيسة: «إذهبي وفتّشي عن مديرة المبتدئات [الأخت كاليستا]، فإذا سمحت لكِ أن تمرّي قبل المبتدئات فلا مانع من قبلي». غير أنه لم يكن أمامي إلّا ثلاث راهبات ينتظرن دورهنّ للاعتراف. فانتظرت لأنه لم يكن لديّ القوّة الكافية لأذهب وأفتّش عن مديرة المبتدئات. لمّا بدأت بالاعتراف، ثقل عليّ المرض ولم أتمكّن من أن أؤدي حسابًا عن حالة نفسي، وبصعوبة أنهيتُ اعترافي. لاحظتُ، عند هذا الحدّ، كم نحن بحاجة إلى الرّوح وأن الحرف لا ينمّي الحبّ [2 قور 3\6].
1638- في ذلك اليوم حصل بعض سوء تفاهم بين الأم الرّئيسة وبيني. ولم يكن أحد منّا ليُلام. غير أنّ الألم المعنوي لازمني، لأنّني لم أستطع أن أعطي إيضاحًا حول الموضوع. طالما كان ذلك سرًّا. هذا ما تسبّب لي بالألم، رغم أنه كان باستطاعتي أن أكشف عن الحقيقة بكلمة واحدة.
1639- اليوم العشرين من شهر آذار. رافقت اليوم بالرّوح إحدى النّفوس المنازعة. وحصلت على الثّقة برحمة الله لها. كانت تلك النّفس على حافّة اليأس.
1640- أنتَ وحدك يا رب تعرف هذه اللّيلة. لقد قدّمتها لأجل الخطاة المتحجّرين كي أنال لهم رحمتك. أجلدني هنا، أحرقني هنا، طالما أنت تعطيني نفوس الخطاة لا سيّما يا يسوع أن لا شيء يضيع معك، خُذ كلّ شيء واعطني نفوس الخطاة.
1641- قال لي الرّب في عبادة الأربعين ساعة: «يا ابنتي دوّني، إن اهانات النّفوس غير المتعمّدة لا تمنع عنها حبّي ولا تمنعني من أن أتّحد بها. ولكن الاهانات المتعمّدة، حتى أصغرها، تعيق نعمي، فلا استطيع أن أغدق هِباتي على مثل هؤلاء النّفوس».
1642- افهمني يا يسوع كيف كلّ شيء يرتبط بإرادته ممّا اعطاني طمأنينة عميقة بالنسبة إلى سلامة عمله.
1643- «اسمعي يا ابنتي، رغم أن الأعمال التي تأتي إلى الوجود هي معرّضة لآلام صعبة، اعتبري أن لا عمل بينها لاقى صعوبات، أكثر ممّا لاقى عملي الخاص، أي عمل الفداء. لا يجب أن تقلقك كثيرًا الصّعوبات. ليس العالم قويًّا كما يبدو. إنّ قوّته هي محدودة للغاية. إعلمي يا ابنتي، أنه إذا ملأت نار حبّي نفسكِ، فكلّ المِحن تتبدّد كالضّباب أمام أشعّة الشّمس ولا تجرأ أن تلامس النّفس. تخاف تلك المِحن أن تبدأ حربًا مع مثل هذه النّفس لأنّها تعلم أن النّفس هي أقوى من العالم كلّه».
1644- “يا ابنتي، اعملي من أجل عمل الرّحمة هذا بقدر ما تسمح لك الطاعة، ولكن اعرضي إلى معرّفك بوضوح ملّ طلباتي حتّى الأصغر منها. وهو سيقرّر. لا يجب على كلّ حال أن تتقاعسي. ولكن تمّمي كلّ شيء بأمانه وإلّا لن أرضى عنكِ».
1645- 25 آذار 1938. رأيت اليوم يسوع معذّبًا. انحنى نحوي وهَمَس بهدوء: «يا ابنتي ساعديني على خلاص النّفوس». وَلَجَ نفسي فجأة توقٌ متوهّج لخلاص النّفوس. لمّا استعدت حواسي أدركت كم يتوجّب عليّ أن أساعدهم فحضّرت نفسي لآلام أكثر قساوة.
1646- اليوم ربّما يوم الجمعة 25 آذار 1938. تضاعفت آلامي وشعرتُ بالاضافة بجروحات في يديّ وقدميّ وجنبي. تحمّلت ذلك بصبرٍ تحسّستُ حقد عدو النّفوس، ولكن لم يلمسني.
1647- أول نيسان 1938. مرة ثانية أشعر بضعف متزايد اليوم. بدأت الحمّى المرتفعة تلتهمني ولا استطيع أن أتناول أي طعام. أريد مرطّبًا ما أشربه، ولكن لا أجد حتى نقطة ماء في ابريقي. كلّ ذلك يا يسوع كي أنال الرّحمة للنفوس.
في حين كنتُ أجدّ نواياي بحبّ كبير، دخلت إليّ إحدى المبتدئات وأعطتني ليمونة كبيرة أرسلتها مديرة المبتدئات [الأخت كاليسيتا]. رأيت يدَ الرّب في ذلك. وتكرّر الحدث عدّة مرّات. طيلة ذلك الوقت وبينما حاجاتي أصبحت معروفة، لم أستلم شيئًا مرطّبًا لآكله. رغم أنّني طالبتُ بذلك. غير أنني عرفتُ أن الله يطلب منّي الألم والتّضحيات. لا أكتب بالتّفصيل عن هذه القضايا لأنّ هناك أمور دقيقة يصعب تصديقها. يستطيع الله على كل حال أن يطلب مثل هذه التّضحيات.