الدفتر السادس

144- (1752- 1778) الرب يسوع يرافق فوستينا بإرشاداته ويشرف على رياضة روحية لثلاثة أيام

 

ي.م.ي.
كراكوف رادفيك حزيران 1938
رياضة روحية لثلاثة أيام

1752- هذه الرياضة هي بإشراف المعلم يسوع الذي هو نفسه أمرني أن أقوم بها وعيّن أيامها، أي الأيام الثلاثة التي تسبق عيد العنصرة. وقد أدارها هو بذاته. غير أنني سألت معرّفي [ ربما الأب أندراز] إذا كان بإمكاني القيام بها وسمح لي بذلك. وسألت أيضًا الأم الرئيسة [إيراني] وسمحتْ لي بها كذلك. قرّرتُ أن لا أقوم بهذه الرياضة دون الحصول على إذن مسبّق من الرئيسات، بدأت بتساعية للروح القدس وانتظرتُ جواب الأم الرئيسة. كان عليّ أن أبدأ اليوم بالرياضة ولكن لم أحصل على أية معلومات عن قرار الأم الرئيسة.

لمّا ذهبت إلى الكنيسة لصلاة المساء رأيت الرب يسوع وقت تلاوة السبحة. «يا ابنتي، سنبدأ بالرياضة». أجبت: «يا يسوع يا أعزّ معلّم، أطلب منك السماح ولكن لا أستطيع بدء الرياضة لأنني لم أتلقّى بعد شيئًا عمّا إذا سمحت لي الرئيسة بذلك أم لا». «لا تقلقي يا ابنتي لقد سمحت لك الأم الرئيسة بذلك وستبلغك قرارها في صباح الغد. علينا أن نبدأ الرياضة اليوم».

وبالواقع إتصلت الأم الرئيسة هاتفيًا بالأخت المكلّفة بالعناية بي أثناء مرضي [الأخت دافيد] قائلة لها إنها ستسمح لي بالقيام بالرياضة. لكن نسيت الراهبة أن تبلّغني هذا القرار، ولم تنقله إليّ إلا عند المساء وقد إعتذرت عن عدم إيصاله يوم أمس. أجبتها: «لا فرق فقد بدأت الرياضة وفقًا لرغبة الأم الرئيسة».

+ اليوم الأول

1753- عند المساء أعطاني يسوع موضوع التأمّل. في بادىء الأمر امتلأ قلبي خوفًا وفرحًا. حينئذ ضمّيتُ نفسي إلى قلبه فاضمحلّ خوفي وبقي الفرح وحده. شعرتُ كليًّا أنني إبنة الله وقال لي يسوع: «لا تخافي شيئًا. لقد أعطيتِ ما حُرم منك سواه. إن النِعَم التي لم تعطَ لنفوس أخرى لتميّزها ولو عن بعد، تغذّيك كخبز يومي».

1754- «فكري يا ابنتي بمن إتحدّ به قلبك بالنذورات. قبل أن أنشأت العالم، أحببتكِ بنفس الحب الذي تختبرينه اليوم وستختبرينه مدى الأجيال. لن يتغيّر حبّي أبدًا».

1755- تطبيق. عندما فكّرت بمن خُطبتُ إليه قلبي، غرقتْ نفسي في تأمّل عميق ومضت الساعة وكأنها دقيقة واحدة. في حالة التأمّل هذه توصّلتُ إلى معرفة صفات الله. فاضطرمتْ فيّ نار حبّ داخلي فخرجتُ إلى الجنينة لأستبرد. ولما نظرتُ إلى السماء إلتهبت في قلبي شعلة حبّ جديدة.

1756- سمعت حينئذ هذه الكلمات: «يا ابنتي، هل إستنفدتِ كل الموضوع الذي أعطيتك إياه؟ إذا كان الأمر كذلك سأعطيك موضوعًا آخر».

أيتها العظمة غير المتناهية، لن تكفيني الأبدية لأعرفك كما يجب غير أن حبّي لك يزداد عمقًا. أضعُ قلبي على أقدامك كباقة ورد، عربون معرفتي الجميل لك. فليبتهج عبيرها قلبك الإلهي الآن وإلى الأبد… أية سعادة تغمر النفس عندما يعرف القلب أن الله يحبّه.

1757- «أريدك اليوم أن تقرأي الفصل الخامس عشر من انجيل يوحنا. أريدك أن تقرأيه على مهل».

1758- «يا ابنتي،تأمّلي في حياة الله المنتشرة في الكنيسة لخلاص النفوس وتقديسها. تأملي فيما تجنيه من كنوز نعمتي وفي سعيي المتواصل إلى حبّك».

1759- تطبيق. يا يسوع الكلّي الحنان لم أعرف بعد أن أستفيد من هذه الهبات الثمينة، لأنني أعرتُ القليل من الإنتباه إلى الهبة ذاتها والكثير منه إلى الإناء الذي يحتويها. يا معلّمي الكلّي العذوبة، سأتغيّر من الآن فصاعدًا. سأستفيد من هباتك قدر مستطاع نفسي. وإن الإيمان الحيّ يقوّيني. مهما كان الأسلوب الذي تُرسَل فيه نعمتك سأقبلها كأنها آية مباشرة منك دون أن أعتبر الإناء الذي يحتويها. وإن لم يكن بوسعي قبولها بفرح فسأقبلها طاعة إرادتك المقدسة.

حديث في النضال الروحي

1760- «يا ابنتي أريد أن أعلّمك النضال الروحي. لا تثقي أبدًا بذاتك بل إستسلمي كليًّا إلى إرادتي. في التعاسة والظلمة وكل أنواع الشكّ إلتجئي إليّ وإلى مرشدك الروحي. وهو سيجيبك دائمًا باسمي. لا تساومي مع أية تجربة. أحبسي ذاتك فورًا في قلبي وفي أول مناسبة إعلني عن تلك التجربة إلى معرّفك. ضعي حبّ ذاتك في المرتبة الأخيرة حتى لا يلطّخ أعمالك الحسنة. تصرّفي مع ذاتك بصبر طويل. لا تهملي الإماتات الداخلية. أجدي دائمًا في آراء رئيساتك ومعرّفك أسبابًا محقّة. تجنّبي المتذمّرين كما تتجنّبي الوباء. دعيهم كلهم يتصرفون كما يشاؤون. أما أنتِ فتصرّفي كما أريد أنا».

«إحفظي النظام بالأمانة المستطاعة. إذا أساء إليك أحد، فكّري بما يمكنك أن تصنعي من خير لمن تسبّب لك بالألم. لا تظهري تأثّرك بل إحفظي الصمت عندما تُوبَّخين. لا تسألي رأي أحد بل إسألي فقط رأي معرّفك. كوني معه صريحة وبسيطة كطفلة صغيرة. لا تدعي نكران الجميل يُهبط عزيمتك. لا تدقّقي بحشريّة في الطرقات التي أقودك فيها. عندما يطرق اليأس. الملل على باب قلبك فاهربي من ذاتك واختبئي في قلبي. لا تخافي من النضال. إن الشجاعة تخيف التجارب فلا تجرأ حينئذٍ أن تهاجمها».

«ناضلي دائمًا بقناعة ثابتة إنني أنا دائمًا معك. لا تنقادي الى عواطفك لأنك تستطعين أن تسيطري عليها. بل يكمن كل استحقاق في الإرادة، إتّكلي دائمًا على رئيساتك حتى في الأمور الصغيرة».

«لن أغشّك بمواعيد سلام وتعزيات. بالعكس تحضّري الى معارك قاسية. إعلمي أنك اليوم في درجة عالية حيث تنظر إليك السماء والأرض. ناضلي كفارس حى أستطيع مكافأتك. لا تجزعي لأنك لست وحدك».

اليوم الثاني

1761- «تأملي اليوم يا ابنتي في آلامي المحزنة، في كل أبعادها. تأملي فيها وكأنني تحمّلتها من أجلك أنتِ فقط».

1762- تطبيق. لمّا بدأت أستغرق في آلام إلهية تبيّن لي ثمن النفس البشرية الغالي وشرّ الخطيئة الفظيع. أدركت أنني لم أتعلّم كيف أتألّم. كيف أنال المكافأة، سأتّحد إتّحادًا وثيقًا، من خلال آلامي، بآلام الرب يسوع طالبة منه أن تشمِل نعمته النفوس المنازعة في ساعتها الأخيرة الخطيرة.

التأمل الثاني

1763- «تأمّلي، يا ابنتي، في النظام وفي النذورات التي قدّمتها لي. أنت تعلمين كم أقدّرها. ترتبط في هذا النظام وفي هذه النذورات كلُّ النِعَم التي أغدقتها على الأشخاص المكرّسين».

1764- تطبيق. يا يسوع أشعر بالذنب من جرّاء نقائص عديدة في هذا المجال. ولكن لا أذكر أنني خالفت، عمدًا وبوعي، النظام أو النذورات الرهبانية.

ثابرْ في حمايتي، يا يسوع الصالح، لأنني أنا ضعيفة وحدي.

1765- «ينبغي أن تقرأي اليوم، لا في شفتيك فقط بل من كل قلبك الدرس التاسع عشر من إنجيل يوحنا».

1766- في القراءة امتلأت نفسي ندامة عميقة. رأيت كل جحود الخلائق نحو خالقها وسيدها. طلبت من الرب أن يحميَني من العمى الروحي. محاضرة في التضحية والصلاة

1767- «يا ابنتي أريد أن أعلّمك كيف تخلّصي النفوس بالتضحيات والصلاة. ستخلّصين عددًا من النفوس بالتضحيات والصلاة أكبر ممّا يخلّصه مرسل واحد بالإرشاد والوعظ فقط. أريد أن أراك ذبيحة حبّ حيّ فهي وحدها جديرة بالإستحقاق أمامي. يجب أن تتلاشي أن تمحّقي، أن تعيشي وكأنّك مائتة في سر أعماق كيانك. يجب أن تمحّقي في هذا العمق السرّي حيث لا تلج عين بشرية. حينئذ أجدك ذبيحة مرضيّة، ضحيّة مليئة عذوبة وعطرًا. سيكون لك مقدرة فائقة عندما تتشفّعين لأي إنسان. وينبغي أن تظهر تضحيتك هكذا: صمت خفي مشبع بالمحبّة مضمخّ بالصلاة. أطلب يا ابنتي أن تكون تضحيتك نقيّة مليئة بالتواضع كي أسرُّ بها. لن أبخل عليك بنعمتي حتى تستطيعي تلبية كل ما أطلبه منك».

«أعلّمك الآن ما ينبغي أن تشمل تضحيتك في حياتك اليومية، حتى تتحاشى الأوهام. عليك أن تقبلي كل ألم بحبّ. لا تحزني. إذا شعر قلبك بكره التضحية والنفور منها. تكمن كل قوّتها في الإرادة لذا، كل هذا الشعور المعاكس، يقوّيها في نظري بدل أن يُضعف قيمتها. إعلمي أن روحك وجسدك سيكونان في وسط اللهيب، سأكون دائمًا معك رغم أنك لن تشعري بحضوري أحيانًا. لا تخافي ستكون نعمتي معك».

1768- «يا ابنتي، في هذا التأمل إعتبري محبة القريب. هل قيودُ حبّي لك، حبّك لقريبك؟ هل تصلّين من أجل أعدائك. هل تتمنّين الخير لكل الذين، بشكل أو بآخر، تسبّبوا لك بالحزن أو الإهانة؟
إعلمي أن كل خير تعمليه من أجل أي إنسان، أقبله كأنك قمتِ به لأجلي أنا».

1769- يا يسوع، يا حبّي، أنت تعلم أنني لم أتصرّف نحو قريبي بتوجيه من حبّك إلا لوقت قصير. أنت وحدك تعرف سعيي لأحقّق ذلك. أجد الأمر الآن أكثر سهولة ولكن لو لم تشعل أنت هذا الحب في قلبي لما استطعت أن أثابر فيه. يعود الفضل في ذلك إلى حبّك القرباني الذي يلهبني كل يوم.

التأمّل الثاني

1770- «عليك أن تتأملي الآن في حبّي في القربان المقدس. أنا هنا بكاملي لك بروحي وجسدي ولاهوتي كعريس لك. أنت تعلمين ماذا يتطلب الحب: شيء واحد فقط وهو المبادرة بالحب».

1771- تطبيق. يا يسوع أنت تعلم أنني أريد أن أحبك بشكل لم يسبق لنفس أن أحبّتك به. أريد أن يتحوّل العالم كلُّه إلى حبّ لك يا خطيبي. تغذيني بعسل ولبن قلبك. منذ طفولتي درِّبني على أن أكون لك وحدك لذا أعرف الآن كيف أحبّك. أحبّك لأنك وحدك تدرك بُعدَ التضحية التي أقدّمها لك كل يوم.

1772- قال لي يسوع: «هل لديك أي صعوبة في هذه الرياضة؟». أجبته: كلا. إن عقلي في هذه الرياضة هو أشبه بالبرق. أدخل كل أسرار الإيمان بسهولة. يا معلّمي وقائدي تضمحلّ كل ظلمة من فكري تحت أشعة نورك.

اليوم الثالث

1773- «ستأخذين اليوم، للقراءة الروحية، الفصل الواحد والعشرين من إنجيل يوحنا، دعيه يُغذّي قلبك أكثر من فكرك».

1774- +قال لي الرب وقت عبادة شهر حزيران: «يا ابنتي، تستقرّ نعمي في قلبك. لمّا تركتُ ذاتي، يوم خميس الأسرار، في سر القربان المقدس، كنتِ حاضرة في فكري».

1775- بعد هذه الكلمات، قام حبّي بجهد كبير لأعبّر ليسوع ما هو بالنسبة لي ولكن لم أجد كلامًا لذلك، وأمام عجزي تدفّق الدمع من عينيّ. فقال لي يسوع: «أنا لك الرحمة بالذات، غير أنني أطلب منك أن تقدّمي لي تعاستك وعجزك هذا فيبتهج به قلبي».

1776- وَلَجَتْ اليوم إلى قلبي شعلة إلهية من الحبّ ولو دامت وقتًا أطول لأحرقني لهيبها وتخلّصتُ من قيود الحاضر. بدا لي أنها لو دامت برهة أكثر، لغرقتُ في بحر الحبّ. لا أستطيع أن أصف سهام هذه الحبّ التي اخترقت نفسي.

محاضرة في الرحمة

1777- «إعلمي يا ابنتي أنّ قلبي هو الراحة بالذات. من بحر الرحمة هذا تتدفّق النعم على العالم كله. لم يسبق أن اقتربت مني نفسٌ وذهبت دون تعزية تدفن كل تعاسة في أعماق رحمتي. تتدفّق كل نعمة وخلاص وقداسة من هذا الينبوع. أريد يا ابنتي أن يكون قلبك مقرّ رحمتي. أرغب أن تتدفّق هذه الرحمة على العالم كله من خلال قلبك. لا تدعي أي إنسان يقترب منك ويغادر دون أن يكتسب الثقة برحمتي التي أشتهيها لكل الناس».

«صلّي قدر مستطاعك من أجل المنازعين. إحصلي لهم، بتوسّلاتك الثقة في رحمتي، لأنهم هم بحاجة ماسّة الى الثقة وهم أكثر ما يفتقرون إليها. تأكّدي أن نعمة الخلاص الأبدي لبعض النفوس تتعلّق ساعتها الأخيرة بصلاتك. تدركين كل لجّة رحمتي فاستقي منها لنفسك وللخطأة المساكين. قد تتحوّل السماء والأرض الى فناء قبل أن تستبعد رحمتي النفس الواثقة».

1778- ما زالت مقاصدي كما هي. أن أتّحد بيسوع الرحمة.

مقصد الرياضة
الحديث الأخير مع الرب

1779- أشكر لك أيها الحبّ الأزلي، حنانك لي غير المُدرك واهتمامك أنت مباشرة بتقديسي. «يا ابنتي دعي هذه الفضائل الثلاث تزيّنك بشكل خاص: التواضع وطهارة النيّة والحبّ. لا تصنعي شيئًا أكثر مما أطلبه منك واقبلي كل شيء تقدّمه لك يدي. إسعي إلى حياة تأمّل كي تتمكّني من سماع صوتي الذي هو عذب للغاية فلا تسمعه إلا النفوس المتخشّعة».

1780- لم أستطع الرقاد اليوم قبل منتصف الليل لأني كنت جدّ متأثّرة بتجديد النذورات غدًا. غمرت عظمة الله كل كياني.

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق