24- (111-103) الرب يسوع يخلّص القديسة فوستينا من عذابها النفسي
103- رأيت فجأة الرب يسوع في داخلي وقال لي: «لا تخافي يا ابنتي أنا معك». في هذا الوقت بالذات تلاشتْ كل ظلمة وألم وملأ حواسي فرح لا يوصف وغمر النور جوارح نفسي.
104- أريد أن أُضيف، رغم أن إشعاعات حب الله قد غمرت نفسي، بقيتْ أثار عذابات الماضي في جسدي طيلة يومين: وجه شاحب شحوب الموت وأعين مدّمات. يسوع وحده يعرف كم تألّمت، وإن ما كتبت هو ضعيف جدّاً بالمقارنة مع الحقيقة. لا أستطيع أن أجسّده في كلمات، يبدو وكأنني عائدة من عالم آخر. يشاعرني النفور من كل مخلوق. التصقتُ بقلب الله كطفل في صدر أمّه. أرى الآن كل شيء مختلفاً. إنني أدرك وأعيش بما صنعه الله في نفسي، بكلمة واحدة منه. أرتجف من ذكرى عذاب الماضي. لو لم أختبر بذاتي مثل هذا العذاب لما كنتُ أصدّق استطاعة تحمّلها. كانت عذابات محض روحية.
105- غير أنني طيلة كل تلك العذابات، لم أهمل المناولة المقدّسة. لمّا كان يخالجني شعور بالعزلة، كنت أذهب، قبل المناولة المقدّسة، إلى المديرة وأخبرها أنه ليس باستطاعتي الاقتراب من الأسرار لأنني كنتُ أرى ضرورة الابتعاد عنها. ولكن لم تسمح لي أبداً بالتخلّي عن القربان المقدّس – فكنت أذهب. وأُدرك الآن أن الطاعة وحدها هي التي خلّصتني.
قالت لي المديرة نفسها لاحقاً، إن تجاربي مرّت بسرعة، «لأنك كنت مطيعة، يا أختي، وأنكِ بقوة الطاعة، جاهدتِ هذا الجهاد الشجاع». والحقيقة، إن الرب يسوع نفسه هو الذي خلّصني من هذا العذاب لكنّني أرضيته بأمانتي في الطاعة.
106- رغم أن تلك الأحداث هي مخيفة، لا ينبغي أن ترتعد منها النفس لأن الله لا يجرّبنا أكثر ممّا نستطيع تحمّله. من جهة ثانية، قد لا يرسل لنا أبداً مثل هذه الآلام – إنّما – وهذا هو سبب كتابتي – إذا ارتضى الله أن يترك نفساً تمرّ بها فلا ينبغي أن تخاف إذا استطاعت إلى ذلك سبيلاً، بل عليها أن تبقى أمينة لله. لن يؤذي الله نفساً لأنه هو المحبّة بالذات ومن فرط محبّته اللامحدودة دعا النفس إلى الوجود. غير أنني لم أفهم كل ذلك لمّا كنتُ أتألّم.
107- يا إلهي – لقد أدركتُ أنني لست من هذه الأرض لقد أضفيْتَ بذاتك هذه المعرفة في نفسي. إن ارتباطي في السماء هو أقوى من ارتباطي في الأرض ومع ذلك لن أهمل أبداً واجباتي.
108- طيلة ذلك الوقت لم يكن لديّ مرشد روحي ولم أجد أي إرشاد مهما كان نوعه. توسّلت إلى الله، لكن لم يرسل إليّ مرشداً. كان الرب يسوع وحده معلّمي منذ طفولتي وحتى اليوم. لقد رافقني في الصحاري وعبر كل المخاطر. إني أرى بوضوح أن الله وحده قد قادني عبر هذه المخاطر الضخمة دون أن يلحق بي أذى ودون أن تتلطّخ نفسي وقد اجتازتها منتصرة على الصعوبات رغم ضخامة حجمها. وقد أعطاني الله فيما بعد مرشداً روحياً.
109- بعد عذابات كهذه تجد النفس ذاتها في حالة طهارة روح كبرى وقريبة جداً من الله. لكن ينبغي أن أضيف أن النفس، طيلة مدة العذابات الروحية، هي قريبة من الله، إنما فاقدة البصر. تغرق بصيرة النفس في الظلمة، وبينما أن الله هو أقرب ما يكون إلى النفس المتألّمة، فإن كل السرّ يكمن في أنها لا تدرك شيئاً من ذلك. وبالواقع تُعلن النفس، أن الله لم يهملها فقط، بل أصبحت موضوع غضبه. فكم هو مُضنٍ المرض الذي يصيب الأعين.
وتؤكد النفس، عندما يبهرها النور الإلهيّ، أن هذا النور هو غير موجود أما الصحيح فهو أن حدّته تُعميها. ورغم كل شيء فقد تعلّمتُ فيما بعد أن الله هو أقرب إلى النفس المتألّمة من أي وقت آخر، لأنها لا تستطيع أن تتحمّل تلك التجارب بعون نعمة عادية فقط. إن نعمة الله الكلّية القدوس والمتسامية، تعمل عملها هنا وإلا سقطتْ النفس عند النسمة الأولى.
110- يا معلمي الإلهيّ – إن ما حلّ في نفسي هو فقط من صنع يديك – يا سيدي، إلا تخف أن تضع النفس على حافة الهوّة المرعبة حيث تقف مضطربة هَلِعَة، ثم تعود فتستدعيها إليك؟ تلك هي أسرارك التي لا تدرك.
111- عندما، في وسط هذه العذابات الداخلية، كنتُ احاول ان اشتكي على نفسي في الاعتراف عن اصغر التّراهات، يتعجّب الكاهن من انني لم ارتكب خطأ اكثر أهمية فيقول لي: «اذا كنتِ هكذا أمينة لله في هذه العذابات، فذاك برهان بحدّ ذاته أن الله يساعدك يا اختي بنعمة خاصة. وإنه لشيء حسن أن لا تفهمي ذلك». انّه لشيء غريب، في كل حال، لم يستطع المعرّفون ان يفهموني ولا أن يُطمئنوا عقلي في هذه الأمور، حتى إلتقيتُ بالأب أندراز ثم بالأب سوبوكو.