الدفتر الأول

28- (134-129) فوستينا تعترف بتعاستها وتُدرك أن الله يُظهر رحمته من خلال التعاسة

129- يستفيد إبليس دائماً من مثل هذه الأوقات. برزت فيّ أفكار القنوط – هذه مكافأتك على إماتتك وصدقك. كيف يمكن أن  نكون أمينين عندما لا يفهمنا أحد؟ يا يسوع، يا يسوع، لا أستطيع أن أكمّل. سقطتُ أرضاً مثقلة بهذا العبء وكدّني العرق واستولى عليّ الرعب ولَم يعد لديّ أحدٌ أتّكل عليه داخلياً.

سمعت فجأة صوتاً في داخل نفسي «لا تخافي انا معك». وأنار ذهني نور غير عادي وأدركتُ أنني لا يجب أن أستسلم للحزن. امتلأت بنوع من القوّة وغادرت غرفتي مع شجاعة جديدة لتحمّل الألم.

130- ولكن قد دبّ فيّ شيء من الإهمال. فلم أكترث لتلك الإلهامات الداخلية وحاولت إلهاء نفسي. ورغم الضجيج والإلهاء، كان باستطاعتي أن أرى ما يجول في نفسي. كلمة الله هي واضحة ولا شيء يستطيع كبتها. رحتُ أتحاشى الصعوبات، والرب في داخلي، لأنني لا أريد أن أقع فريسة الأوهام. غير أن الله رافقني، نوعاً ما، بعطاياه واختبرتُ، حقّاً مداورة الفرح والعذاب. ولا أذكر هنا الرؤى المتنوعة والنعم التي وهبني إياها الله في هذا الوقت لأنني دوّنتها في مكان آخر.

131- أذكر فقط أن هذه الآلام المختلفة بلَغت ذروتها وقرّرت أن أضع حدّاً لشكوكي هذه، قبل نذوراتي الأخيرة. طيلة مرحلة الاختبار صلّيت إلى الله كي يُنير الكاهن الذي سأكشف له عن أعماق نفسي. طلبتُ منه أن يكون هو بالذات عوني، وأن يهبني نعمة تمكّنني من البوح بكل الأمور الخفيّة القائمة بيني وبينه، وأن أكون مستعدّة لأقبل كل ما يقرّره الكاهن كأنه آت من لدن يسوع نفسه. وكيفما حكم عليّ، فما أردت إلا الحقيقة والجواب القاطع عن بعض الأسئلة.

لم أستطع أن أتابع العيش في الشك، رغم أنني، كنت على يقين، في قرارة نفسي، ان كل ما تأتّى كان من الله وأنني أضحّي بذاتي في سبيله. غير أنني فضّلت رأي المعرّف على كل شيء وقررت أن أنفّذ ما يظنّه الأفضل وأن أعمل بالنصيحة التي يقدّمها لي. وانتظرت ذاك الحين الذي سيقرّر سير أعمالي طيلة ما تبقّى من حياتي. أدركت أن كل شيء يتعلّق بذلك. ولا فرق إذا كان ما سيقوله لي ينسجم مع الهاماتي أو يعارضها. لا يهمّني ذلك بشيء. أردت أن أعرف الحقيقة وأتبعها.

يا يسوع – إنك تستطيع مساعدتي. أبدأ من جديد، منذ هذا الحين. أخبّىء كل النِعَم داخل نفسي وأنتظر ما سيرسله لي الرب. طلبتُ إلى الرب ذاته – دونما أيّة ريبة في قلبي، أن يتنازل ويساعدني طيلة هذه الأوقات، وداخلني نوعٌ من القوّة.

132- عليّ أن أذكر مجدّداً أنه يبدو أن بعض المعرّفين هم أباء روحيّون صالحون فقط طالما تسير الأمور على ما يُرام. ولكن يتلبّكون ولا يستطيعون أو لا يريدون أن يفهموا النفس عندما تتزايد حاجاتها. يحاولون التخلّص من الشخص في أسرع وقت ممكن. أما إذا كانت النفس متواضعة فيمكنها الإفادة ولو قليلاً بشكل أو بآخر. يلقي الله أحياناً شعاع نور في اعماق النفس بفضل تواضعها وإيمانها.

يقول المعرّف أحياناً أشياء لا تتوافق أبداً مع ما يقصد وحتى دون أن يدركها هو بذاته. دع النفس تعتقد أن مثل هذه الكلمات هي كلمات الله عينه. رغم انه، بالواقع، ينبغي أن نؤمن أن كل كلمة يُفاه بها في كرسي الاعتراف هي كلمة الله، إنما ما عنيته سابقاً هو ما يأتي مباشرة من الله. وتدرك النفس أن الكاهن ليس سيد نفسه وأنه ينطق بأقواله كان من الأفضل أن لا ينطق بها. هكذا يكافىء الله الإيمان.

لقد اختبرتُ ذلك مرّات عديدة بذاتي. كان هناك كاهنٌ مثقّف ومحترمٌ. [ربما الأب فيلكوفسكي، معرّف الراهبات في بلوك] قصدته بعض المرّات لسماع اعترافي كان دائماً قاسياً ومعارضاً لهذه المواضيع [التي عرضتها عليه] غير أنه قال لي مرة: «تذكّري، يا أختي، أنه يجب أن لا تعارضي الله إن كان هو يطلب منك هذه الأشياء. يريد الله أحياناً أن يتمجّد بهذه الطريقة بالذات. كوني بسلام، إن ما بدأه الله سيكمّله. إنما أطلب منك: الأمانة لله والتواضع، ومرّة ثانية التواضع. تذكّري ما قلته لك اليوم». سررت وفكّرت أن هذا الكاهن قد يفهمني ربّما ولكن ما حصل هو أنني لم أرجع إليه قطّ للاعتراف.  

133- وبّختني مرّة إحدى الأمهات المتقدّمات في السن [ربّما الأم جين]. وكأن مسامير حامية سقطت من السماء على رأسي، إلى حدّ لم أستطع أن أعرف ما السبب إلى ذلك. علمت فيما بعد أن السبب هو مسألة لا أستطيع السيطرة عليها في أي حال قالت لي: «إنسي، يا أختي أن الرب يتحدّث بهكذا ألفة مع رزمة تعيسة من النقائض التي هي أنتِ. تذكّري أن الرب يسوع يتحدّث بهذا الشكل فقط مع النفوس القديسة».

أقرّيت بأنها على حق لأنني بالحقيقة شخص تعيس، غير أنني أثق برحمة الله. لمّا التقيت بالرب واضعت نفسي وقلت: «يا يسوع، يبدو أنك لا تريد أن تتحدّث مع أناس تعيسين على شكلي»: «إطمئني يا ابنتي أريد دون شكّ أن أظهر عظمة رحمتي من خلال التعاسة». فهمتُ أن هذه الأم أرادت ببساطة أن تخضعني إلى تحقير (خلاصّي).

134- يا يسوع، لقد اختبرتني عدّة مرات في حياتي القصيرة هذه، لقد بلغت إلى معرفة أمور كثيرة أدهش الآن لوفرتها. كم هو جميل أن نستسلم كليّاً لله وأن نعطيه ملء الحرية ليعمل في نفوسنا.

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق