الدفتر الأول

67- عندما يسكن الله فيّ فمن يستطيع أن يؤذيني؟

5 آب 1935 عيد سيدة الرحمة

449- تحضّرت لهذا العيد أكثر حماسًا من السنة الماضية. في صباح العيد بالذات إختبرت صراعًا داخليًا لمّا فكّرت أنه ينبغي عليّ أن أغادر هذه الجمعية التني تنعم بحماية مريم الخاصّة، ودام هذا الصراع طوال التأمّل وطوال القدّاس أيضًا. اتّجهت نحو العذراء لأقول لها أنه يصعب عليّ الإفتراق عن الجمعيّة … «التي هي تحت حمايتك الخاصة يا مريم». حينئذ رأيت العذراء المباركة في غاية الجمال. نزلت من المذبح إلى قرب مسجدي. ضمتني إليها وقالت لي: «أنا أُمكنَّ جميعًا، يسرّني أن تتمّم تلك النفس بأمانة إرادة الله وذلك بفضل رحمته غير المدركة». أتاحت لي أن أفهم أنني أتمتُ بأمانة إرادة الله ووجدتُ نعمةً في عينيّ. «تشجيعي لا تخافي الحواجز بل حدّقي إلى آلام إبني وهكذا ستنالين الظفر».

  عبادة ليلية

450- كنتُ أتألّم كثيرًا وبدا لي أنه ليس باستطاعتي أن أذهب إلى العبادة. غير أنني جمعت كلّ قواي وإرادتي، ورغم أنني سقتُ على الأرض، لم أعِرْ أي انتباه إلى ما يؤلمني لأنّني استحضرتُ آلام المسيح أمام عينيّ. لمّا دخلت الكنيسة، وُهِبتُ إدراكًا داخليًا للمكافأة الكبرى التي يحضّرها لنا الرب، ليس فقط على أعمالنا الحسنة، ولكن أيضًا على رغبتنا الصادقة للقيام بها. فيا لها من نعمة عظمى من لدن الله.

آه! كم يطلب الكدّ من أجل الله والنفوس. لا أبغي راحة في هذه المعركة، سأجدها إلى آخر رمق لمجد الله مَلِكِي وسيّدي. لن أرمي سيفي جانبًا حتّى يدعوني أمام عرشه. لا أخاف الضربات لأن الله هو درعي. على العدوّ أن يخافنا لا نحن نخافه. يغلب إبليس المتكبّرين والجبناء فقط لأنّ المتواضعين هم أقوياء. لا أحد يُربك أو يخيف النفس المتواضعة. لقد وجّهت تحليقي نحو قلب حرارة الشمس بالذات ولا شيء يستطيع أن يضعف مسيرته. لا يسمح الحبّ أن يحبَس، فهو حرّ كملكة. فالحبّ يبلغ إلى الله.

451- سمعتُ، مرّة، بعد المناولة هذه الكلمات: «أنتِ مقرّ إقامتنا». شعرتُ فورًا بحضور الثالوث الأقدس في داخلي، الآب والإبن والروح القدس. شعرتُ أنني هيكل الله. شعرتُ أنني إبنة الآب. لا أستطيع شرح كلّ ذلك أمّا الروح فيهمّه جيّدًا. يا للجودة غير المتناهية، كم تواضعتِ نحو الخليقة البائسة!

452- لو استطاعت النفوس أن تخشَع، لتحدّث الله إليها فورًا، لأن الطيش يُغرق كلمة الله.

453- قال الربّ في إحدى المناسبات: «لماذا تخافين وترتجفين عندما تتّحدين بي؟ إنني أستاء عندما تتسلم النفس إلى الرعب الباطل. من يجرأ أن يُلحِق بك أي أذى عندما تكونين معي؟ إن النفس التي تؤمن بثبات بجودتي وتثق كليًّا بي، هي عزيزة عليّ. أغدق ثقتي عليها وأعطيها كل ما تطلب».

454- قال لي الرب مرةً: «خذي، يا ابنتي، النِعَم التي يرفضها الآخرون، خذي منها قدر ما تستطيعين حمله». فامتلأت حينئذ نفسي من محبة الله. شعرتُ أنني أشعر باتّحادي الوثيق بالله حتى لا أجد الكلام للتعبير عنه. في هذه الحالة أشعر أن كلّ ما عند الله، كل خيراته وكنوزه هي خاصّتي، رغم أنني لم أعدَّ لها مخزنًا، فهو وحده يكفيني. معه، أرى أن كل شيء هو مُلكي، بدونه، لا أملك شيئًا.

لا أفتّش عن سعادة خارج داخلي حيث يُقيم الله. أبتهج بسكني الله في داخلي- هنا أسكن معه الأبد، هنا تكمُن معه كل مودتي، هنا تكمُن معه كل مودتي، هنا أقيم معه بأمان، هذا هو المكان الذي تراقبه عين البشريّة. تشجّعني العذراء المباركة أن أتوصل مع الله بهذا الأسلوب.

455- عندما يحلُّ بي ألم ما فلا يتسبب لي بأي مرارة ولا أنتشي بالتعزيزات الكبرى. أمتلىء بالطمأنينة والسكينة المتدفقتَين من معرفة الحقيقة. كيف يستطيع، من يعيش محاطًا بقلوب حاقدة، أن يؤذيني وأنا أنعم بملء السعادة في داخلي؟ وكيف يتسطيع من يحيطني بقلب محب أن يساعدني عند يغيب الله عن داخلي؟ عندما يسكن الله فيّ فمن يستطيع أن يؤذيني؟

 +ي.م.ي.

فيلنيوس 12 آب 1935

رياضة روحية لثلاثة أيام

456- في مساء اليوم الأول من الرياضة، بينما كنتُ أصغي الى نقاط التأمّل، سمعتُ هذه الكلمات: «سأتحدّث إليك أثناء الرياضة بفم هذا الكاهن كي أقوّيك وأؤكد لك حقيقة الكلمات التي أوجّهها إليك في أعماق نفسك. رغم أن هذه الرياضة هي لجميع الراهبات، فإنني أخصّك بالتفكير بك، أريد أن أقوّيك وأشجّعك في وسط الأخطار التي تنظرك. لكن أصغي بإنتباه إلى هذه الكلمات وتأمّلي فيها في أعماق نفسك».

457- آه! كم دُهِشتُ لكل ما قاله الكاهن عن الاتّحاد بالله وعن العوائق في وجهة هذا الاتّحاد وقد اختبرتها حرفيًا في حياتي، وأخبرني عنها يسوع الذي يتحدّث إليّ في أعماق قلبي. يمكن الكمال في هذا الاتحاد الوثيق مع الله.

458- في تأمّل الساعة العاشرة تحدّث الأب رزيكوفيسكي Rzycezkowsi عن الرحمة الإلهية وعن وجود الله. قال، عندما نستعيد تاريخ البشرية يمكننا أن نرى جودة الله العظمى هذه في كل خطوة. كل صفات الله مثل القدرة اللامتناهية والحكمة، تكشف لنا عن عظمة صفاته، لاسيّما جودته. إن جودة الله هي أعظم صفاته. نفوس عديدة تسعى مُجدّة نحو الكمال وتجهل جودة الله العظمى. كلّ ما قاله الكاهن في التأمل عن جودة الله هو عينه قال لي يسوع عن عيد الرحمة. فهمت الآن بوضوح ما وعدني به الرب ولا شكّ لي بذلك. كلام الله هو واضح وصريح.

459- طيلة وقت التأمُّل رأيت الربّ يسوع على المذبح في لباس أبيض. كانت يده تمسك الدفتر الذي دوّنتُ فيه هذه طيلة وقت التأمل كان يسوع يقلّب صفحات الدفتر الذي وهو صامت. غير أنّ قلبي لم يستطيع أن يتحمّل النار المتّقدة في نفسي. رغم جهد إرادتي القويّ لأسيطر على ذاتي ولا منع الآخرين من رؤية ما كان يجول في داخلي، شعرتُ، في آخر التأمل، أنني فقدتُ تمامًا السيطرة على ذاتي. حينئذ قال لي يسوع: «لم تكتبي شيئًا في الدفتر عن جودتي نحو البشرية. أريد أن لا تهملي شيئًا. أرغب أن يثبّت قلبك بطمأنينة دائمة».

460- يا يسوع!  يتوقف قلبي عندما أفكّر بما تصنعه لي. إنك تدهشني، يا رب، بتنازلك الوضيع نحو نفس تعيسة. أيه وسيلة لا تُدرَك، تستعملها لإقناعي.

461- هذه المرّة الأولى في حياتي أقوم برياضة مثل هذه. أفهم، بشكل واضح وفريد كلّ كلمة قالها الكاهن، لأنني قد سبق واختبرتها في نفسي. أرى الآن أن يسوع لن يترك في الشك أيّة نفس تحبّه بصدق. ويرغب أن تمتلىء بالسلام كلُّ نفس تتّحد به، رغم الآلام والصعوبات.

462- أفهم الآن جيدًا أن نكران الذات هو أكثر ما يوحّد نفسنا مع الله. أي أن نضمّ إرادتنا إلى إرادة الله. هذا ما يعطي النفس الحريّة الحقيقية وما يساهم في البلوغ إلى

جميع تخشُّع الروح وما يجعل الأثقال خفيفة والموت لذيذًا.

463- قال لي يسوع أنه لا ينبغي أن يساورني أي شك حول تأسيس الجمعيّة. «أما بما يتعلق بالشؤون التي حدّثتكِ عنها في أعماق نفسك، فسأوضحها فورًا على فم هذا الكاهن».

464- في إحدى التأملات حول التواضع، راجعني شكّ قديم، وهو أنّ نفسًا تعيسة كنفسي لا تستطيع أن تنفّذ ما قد يطلبه الربّ [منّي]. بينما كنتُ أُحلّل هذه الشكوك، قطع الكاهن، مرشد الرياضة، سياق افكاري وتحدّث عن الشك ذاته الذي ساورني، لاسيّما أن الله يختار عادةً أضعف الوسائل وأكثرها بساطة لإنجاز أعماله الكبرى. هذا ما يبدو واضحًا لمّا ننظر إلى الرجال الذين اختارهم رسلًا له أو عندما نعود إلى تاريخ الكنيسة ونرى أن تلك النفوس الأكثر عجزًا أنجزت مشاريع ضخمة. هكذا يُظهِر لنا الربّ أن تلك هي مشاريعه هو، لا مشاريعنا نحن. ولمّا تبدّد كل شكّ عندي تابع الكاهن حديثه عن التواضع.

465- يا يسوع، حياتي، يا له من شعور هنيء أن تحوّلني إلى ذاتك، في عمق قرارة نفسي  حيث يتوقّف كل النشاط الحواس. يا مخلّصي خبّئني كليًا في أعماق قلبك واحمني بإشعاعاتك من كلّ شيء لا يرتبط بك. أتوسّل إليك يا يسوع، دعْ الشعاعين المنبثقين من قلبك الكليّ الحنان، تغذّيان نفسي دون انقطاع.

 

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق