86- ليتدفّق يا يسوع ينبوع رحمتِكَ أكثر غزارة، لأنّ البشرية هي شديدة المرض
1 كانون الأول (1936) رياضة روحية ليوم واحد
787- في تأمّل صباح هذا اليوم أراني الله وأفهمني أنّ أوامره هي ثابتة … اتَّضح لي أن لا أحد يستطيعُ أن يعفيني من واجب إتمام إرادة الله الواضحة. ليس تدهور صحتي وقواي الجسدية سبباً كافياً لتحريري من هذا العمل الذي سيقوم به الرب نفسه من خلالي. عليّ أن أكون مجرّد آلة في يديه. ها أنذا يا رب لأتمّم إرادتك. صيّرني في تصاميمك ورغباتك الأزلية. أعطني فقط النعمة كي أكون دائماً أمينةً لكَ.
788- بينما كنتُ أتحدّث إلى الرب الخفيّ، أراني وأفهمني أنّه لا يجب أن أفكّر كثيراً بالصعوبات التي تواجهني وأتخوّف منها: «إعلمي أنني معكِ، أحملُ إليكِ الصعوبات وأتغلَّبُ عليها، أستطيعُ بلحظةٍ واحدة أن أحوِّل الأوضاع العدائية إلى فرصة تساندُ القضية». وشرح لي الرب أموراً عديدة في محادثة اليوم، غير أنّني لم أدوّن كل شيء كتابة.
789- دائماً وفي كل المناسبات أتركي المكان الأول للآخرين، بالأخص وقت النزهة، أصغي بهدوء ولا تقاطعي أحداً حتى ولو أخبرَكِ الشيء نفسه عشر مرات. لن أطرح أبداً أسئلة حول أمور تهمّني كثيراً.
790- مقصد: عينه أيّ أن أتّحد بيسوع الرحوم.
مقصد عام: هدوء داخلي، صمت.
791- خبّئني يا يسوع في أعماق رحمتِكَ، وليحكُم عليّ قريبي كما يشاء.
792- لا يجب أن أتحدّث أبداً عن خبراتي. في الألم ينبغي أن أجد الراحة في الصلاة. وفي الشكوك، حتى في أصغرها، يجب أن ألتجئ إلى إرشادات معرّفي. عليّ أن أملك قلباً منفتحاً ليتقبّل آلام الآخرين، وأن أُغرِقَ آلامي في القلب الإلهي حتّى لا يلاحظها أحدٌ في الخارج، بقدر المستطاع. عليّ أن أسعى إلى الرصانة مهما عصفت رياح الظروف. لا ينبغي أن أدع شيئاً يعكّر هدوئي الداخليّ وصمتي. لا شيء يضاهي سلام النفس. ولمّا يُفترى عليّ لا يجب أن أبرِّر ذاتي. وإذا شاءت الأم الرئيسة أن تعرف الحقيقة سواء كنتُ على حقّ أو خطأ فلتكتشفها بالأحرى من الآخرين لا منّي. همّي هو أن أقبل كل شيء باستعداد داخليّ متواضع.
سأمضي مرحلة المجيء، أي ما قبل الميلاد، حسب توجيهات أمّ الله ، بالوداعة والتواضع.
793- أعيشُ مجدَّداً هذه الأوقات مع السيدة العذراء. أنتظر بتوقٍ كبير مجيء الرب. رغباتي هي عديدة. أرغبُ أن تتعرّف كل الخليقة إلى الرب. أريدُ أن أحضّر لك الأمم لمجيء الكلمة المتجسّد. يا يسوع فليتدفّق ينبوع رحمتِكَ أكثر غزارة، لأنّ البشرية هي شديدة المرض ولذا فهي بحاجة أكثر إلحاحاً إلى شفقتِكَ. أنتَ للخطأة بحر مراحم لا يُسبَر. ويزداد حقّنا برحمتِكَ بقدر تفاقم تعاستنا. أنت ينبوعٌ يُسعِدُ كلّ الخلائق برحمتِكَ اللامتناهية.
794- سأذهبُ اليوم [9 كانون الأول 1936] إلى برادفيك، خارج كراكوف للمعالجة. عليّ أن أمضي هناك ثلاثة أشهر. أُرسَلُ إلى هناك بفضل اهتمام الأم الرئيسة [مايكل] الكبير، التي توفّر عناية رائعة للراهبات المريضات.
795- رضيتُ بنعمة هذه المعالجة، ولكن أخضعُ تماماً لإرادة الله. ليصنع بي الرب ما يشاء. لا أريدُ سوى إتمام إرادته المقدّسة. أتّحد بأمّ الله وأغادرُ الناصرة إلى بيت لحم. سأمضي هناك عيد الميلاد بين الغرباء، ولكن برفقة يسوع ومريم ويوسف، طالما هذه هي إرادة الله. أسعى أن أصنع إرادة الله في كل شيء. فاسترجاعُ صحتي أو الموت هما عندي سيّان. أستودعُ نفسي بكاملها إلى رحمته اللامتناهية. وكطفلة صغيرة أعيش في السلام الأوفر. أسعى أن أعمّق حبّي له أكثر فأكثر، كي أُبهِجَ نظره الإلهيّ.
796- قال لي الرب أن أتلو السبحة طوال تسعة أيام قبل عيد الرحمة. سأبدأ يوم الجمعة العظيمة «بهذه التساعية سأهبُ كلّ ما أمكن من نِعَمٍ إلى النفوس».
797- لمّا اعتراني خوفٌ شديد من ضرورة مغادرة الجماعة لأعيش وحدي مدة طويلة، قال لي يسوع: «لن تكوني وحدَكِ لأنني سأكونُ معَكِ دائماً وفي كل مكان. لا تخافي شيئاً، أنتِ قريبة إلى قلبي. أنا سبب ذهابِكِ. اعلمي أنّ نظري يرافقُ بانتباه كبير كلّ حركة من قلبِكِ. أجعلُكِ في خلوة حتّى يتقولب قلبُكِ حسب تصاميمي المستقبلية. ممّا أنتِ خائفة؟ إذا كنتُ معَكِ فمن يجرُأ أن يمسَّكِ بأذى؟ على كلّ حال، أنا في غاية السرور لأنّك تستودعيني تخوَّفكِ يا ابنتي. أخبريني عن كلّ شيء بكل بساطة وأسلوب بشريّ. هذا ما يحملُ لي فرحاً كبيراً. أنا أفهمُكِ لأنني إلهٌ وإنسان. إنّ بساطة حديث قلبِكِ ترضيني أكثر من الترانيم المُؤَلَّفة لتمجيدي. اعلمي يا ابنتي، أنّ اقترابي منكِ يزدادُ بازدياد بساطة كلامِكِ. كوني الآن بسلام، قريبةً من قلبي. دعي قلمَكِ جانباً واستعدّي للرحيل».
798- 9 كانون الأول 1936.
غادرتُ هذا الصباح إلى برادفيك. قادتني بالسيارة إلى هناك الأخت كريزوستوم Chrysostom. وُضعْتُ في غرفة خاصة بي. إنني أشبه كثيراً راهبة كرملية. لمّا غادرتني الأخت كريزوستوم وبقيتُ وحدي استغرقتُ في الصلاة، مستودعة ذاتي إلى حماية أمّ الله الخاصة، فهي وحدها دائماً معي. هي كأمّ صالحة تعتني بكل صعوباتي وجهودي.
799- رأيتُ فجأة الرب يسوع الذي قال لي: «كوني بسلام يا ابنتي، أنظري، إنَّكِ لستِ بوحدَكِ. إنّ قلبي يرعاكِ» ملأني يسوع قوّة بالنسبة إلى أحد الأشخاص. أشعرُ بقوّة في داخلي.
مبدأ أخلاقي
800- إذا لم نعرف ما هو الأفضل يجب أن نفكّر، أن نعتبر، أن نسترشد، لأنه لا ينبغي أن نتصرّف بضميرٍ متردّد. وفي حالة تردّد، قولي لذاتِكِ: «مهما سأصنعُ سيكون جيداً لأنّ نيّتي هي صالحة». فالربّ الله يقبل ما نعتبره صالحاً. لا يجبُ أن نضطرب إذا لاحظنا بعد حين أنّ تلك الأشياء لم تكن صالحة. فالله ينظر إلى النيّة التي بدأنا بها ويكافئنا حسب نيّتنا. علينا أن نتبع هذا المبدأ.
801- ما زلتُ إلى غاية اليوم أتدبّر الأمر فأزور الرب [في القربان] قبل أن أذهب إلى الرقاد. استَغرَقَتْ روحي فيه، فهو كنزي الوحيد. وارتاح قلبي قليلاً قرب قلب عريسي. فاستَنَرْتُ كيف ينبغي أن أتصرّف مع من هم حولي، ثم عدتُ إلى وحدتي. يُعيرني الطبيب كلّ اهتمام. كل الذين يحيطون بي هم لطفاء معي.
802- 10 كانون الأول [1936].
قمتُ هذا الصباح أبكر من العادة. صنعتُ تأمّلي قبل الذبيحة المقدسة، التي تقامُ هنا في الساعة السادسة. بعد المناولة الأولى غَرِقَتْ روحي بالربّ، موضوع حبّها الوحيد. شعرتُ أنّ قدرته اللامتناهية غمرتني. لمّا عدتُ إلى غرفتي شعرتُ بالمرض واضطررتُ أن أستريح في الحال. أحضَرَت لي الراهبة بعض الأدوية ولكن شعرتُ بالتعب طوال النهار. حاولتُ في المساء أن أقوم بساعة سجود فلم أستطع. كل ما استطعتُ عمله هو أن أتّحد بيسوع المتألِّم.
803- كانت غرفتي ملاصقة لمقرّ الطلاب. لم أعرف من قبل أنّ الرجال يُفرِطونَ في الثرثرة. فالأحاديث حول مواضيع مختفلة لا تنقطع من الصباح الباكر حتى المساء المتأخّر. إنّ مقرّ الطالبات هو أكثر هدوءاً. نلوم دائماً النساء على الثرثرة. ولكن قد ثبتَ لي أن العكس هو الصحيح. يصعُبُ عليّ أن أركِّز في وسط هذا الضحك وهذه الأهازيج غير أنها لا تزعجني عندما تتملّكني نعمة الله، لأنني لا أعرف آنذاك ماذا يدورُ حولي.
804- يا يسوع لا يتحدّث عنك هؤلاء الناس إلاّ القليل. يتحدّثون عن كل شيء سواك يا يسوع. وإذا ما تحدّثوا قليلاً [عنكَ] فالأرجح أنّهم لا يفكّرون فيكَ أبداْ. يهمّهم كل ما في العالم، ولكن عندما يتعلّق الأمر فيكَ، أنتَ خالقهم، تحزنني يا يسوع رؤية هذه اللامبالاة الفادحة عند الخلائق وتنكّرها للجميل. أريدُ يا يسوع أن أحبّك من أجلهم وأن أكفّر عنهم بحبّي لَكَ.
الحبل بلا دنس أمّ الله
805- منذ الصباح الباكر شعرتُ بقرب الأمّ المباركة. رأيتُها طوال القداس، في غاية العطف والجمال، لا أجدُ كلاماً لأصِفَ ولو جزءاً منه. كانت ترتدي لباساً أبيضاً، مع زنار أزرق حول خصرها. كان مشلحها أيضاً أزرق وعلى رأسها إكليل. وكان نورٌ ساطعٌ ينبثق من كل وجهها. «أنا ملكة السماء والأرض، لا سيّما أنا أمّ [جمعيَّتُكِ]». ضمّتني إلى قلبها وقالت: «أشعرُ بحنانٍ دائمٍ نحوَكِ». شعرتُ بقوّة قلبها الطاهر الذي كان يتحدّث إلى نفسي. أُدركُ الآن لماذا استعدَّيتُ طيلة شهرين لهذا العيد ولماذا كنتُ أترقَّبُهُ بشوقٍ متزايد. من الآن فصاعداً سأسعى إلى أنقى طهارة النفس، حتى تنعكس عليّ شعاعات نعمة الرب بكل بهائها. أتوق أن أصبح بلّورة حتى أجد نعمةً في عينيها.
806- في ذاك اليوم بالذات رايتُ أحد الكهنة [ربما الأب سوبوكو أو الأب أندراز] يحيطني بالنور المتدفّق من العذراء [مريم]. لا شكّ أنّ نفسه تحبّ النفس الطاهرة.
807- يملأ نفسي شوقٌ فائق العادة، وأتعجَّبُ كيف أنّه لا يفصل النفس عن الجسد. أريدُ الله. أرغبُ أن أستغرق فيه. أدركُ أنني في منفى مخيف.
تتوق نفسي إلى الله بكل قوّتها. فيا سكّان وطني الأمّ تذكّروا هذا المنفى. متى تُرفعُ عني الأقنعة؟ رغم أنّني أرى أنّ هذا القناع الذي يفصلُني عن الرب هو رقيق للغاية، فإنني أتوقُ أن أراهُ وجهاً إلى وجه. ولكن ليتمّ كل شيء حسب إرادَتِكَ.